أول منطقة في "دمشق" بنيت خارج أسوار المدينة في القرن الرابع عشر الميلادي، ومن الأحياء القليلة التي حافظت على الصيغة الشامية العتيقة، يتميز بأسلوب معماري مملوكي، وكثافة بالحركة السياحية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 21 تموز 2014، "إبراهيم النجم" من سكان حي "ساروجة" الذي تحدث عن موقع الحي، ويقول: «يقع خارج أسوار المدينة إلى الشمال الغربي من قلعة "دمشق"، يحده من الشمال منطقة "عين الكرش"، أما من الشرق فيحده شارع "الثورة" ومن الجنوب "البحصة" و"السنجقدار"، ومن الغرب "البحصة البرانية"، وتبلغ مساحته الكلية نحو 3.45كم».

يقع خارج أسوار المدينة إلى الشمال الغربي من قلعة "دمشق"، يحده من الشمال منطقة "عين الكرش"، أما من الشرق فيحده شارع "الثورة" ومن الجنوب "البحصة" و"السنجقدار"، ومن الغرب "البحصة البرانية"، وتبلغ مساحته الكلية نحو 3.45كم

ويضيف: «يعود تاريخ الحي إلى القرن الرابع عشر الميلادي، ويتميز بطابعه السياحي الصرف، حيث انقلبت معظم بيوته إلى فنادق ومقاهٍ ومطاعم شعبية ومحلات تجارية، يؤمها الطلاب الأجانب في الدرجة الأولى، ويرتادها السياح من مختلف الجنسيات بعد جولة في الحي وزيارة بعض معالمه الأثرية مثل "الحمام القرماني"، والمدرسة "المرادية البرانية" التي أُقيمت في منزل الشيخ "مراد علي البخاري"، وينتشر في الحي نحو خمسة وعشرين فندقاً من الفنادق الصغيرة، وتحتل المقاهي حيزاً كبيراً من السوق منها في الهواء الطلق، أو ما يعرف بمقاهي الرصيف، كما أخذت تنتشر في الحي مشاغل فنية مثيرة للاهتمام كمرسم الفنان "يوسف عبد لكي"، ومشغل النحت الذي أسسه الفنان "مهند ديب"، ويعمل أغلب سكان الحي في التجارة واستثمار المقاهي المنتشرة فيه، كما يعمل الكثيرون من أبنائه في صيانة الأجهزة الإلكترونية، وبعضهم يعملون في تجارة الخضار والفواكه».

مدرسة وجامع الشامية

ويتابع: «ما يميز الحي أيضاً هو اختلاف طابع المكان وطبيعة زواره ما بين النهار والمساء، ففي الفترة النهارية يتكون معظم الرواد من المواطنين القادمين من مختلف المناطق السورية لتسيير معاملاتهم بحكم موقع الحي الحيوي وقربه من المؤسسات العامة، فيغدو السوق بمقاهيه ومطاعمه البسيطة محطة للاستراحة السريعة، وتناول المشروبات والوجبات الشعبية من فول وحمص ومناقيش، وشراء بعض الهدايا والحوائج، لكن مع غروب الشمس تتبدل الوجوه، ويتصدر أغلب الأمكنة الشبان والشابات الراغبين في التعارف وتعلم اللغة وقضاء أمسية مسلية برفقة النارجيلة وطاولة النرد أو ورق الشدة».

الباحث التاريخي "نصر الدين الشعار" يقول: «تعددت تسميات الحي؛ فمنهم من يقول جاءت تسميته من كلمة تركية "Sarca" التي تعني أصفر اللون، ويذكر بعضهم الآخر أن حي "ساروجة" أنشئ في عهد الأمير المملوكي "سيف الدين تنكز" الذي مكث في "دمشق" طويلاً، وإليه ترجع الكثير من الآثار المعمارية، واسم الحي منسوب إلى أحد قادته وهو "صارم الدين ساروجة" المتوفي سنة 743هـ - 1342م، واحتل الحي مكانة مرموقة فكان مجالاً للتنافس بين الأمراء المملوكيين الذين تسابقوا لبناء المنشآت فيه، فأشادوا المدارس والجوامع والحمامات التي مازال الكثير منها قائماً حتى الآن، وكانت المدرسة "الشامية البرانية" أساساً لإنشائه حيث أخذ الاتساع حولها تدريجياً حتى اكتمل في عهد الأمير "تنكز" وأصبح له سوق خاص».

صورة جغرافية للحي

ويضيف: «بعد أن تم إنشاء هذا الحي من قبل المماليك تعرض للتخريب نتيجة صراعات الأمراء في الفترة المملوكية، وخاصة في عهد المماليك البرجية؛ ما أدى إلى دمار المدرسة "الشامية البرانية" برمتها، وازداد سوء الحال بعد أن احتل "تيمورلنك" "دمشق" عام 803هـ، فأصبح مكان الحي قاعدة لمنجنيقاته التي كانت تقصف "قلعة دمشق"».

ويتابع: «كان لـ"ساروجة" بوابتان تسمحان بالدخول مباشرة إلى هذا الحي؛ إحداهما بوابة "الصالحية" وهي التي كانت تصل بين "ساروجة" ومحلة "الصالحية" وبساتينها، والثانية من الجهة الشمالية الغربية وهي بوابة "عين الكرش" التي كانت تصل إلى منطقة البساتين والأراضي الزراعية، أما دخول الحي فكان من جهة الجنوب، حيث يجب القدوم من البوابة الواصلة بين بوابة بين النهرين "ساحة المرجة" و"البحصة" إلى حي "ساروجة"، كذلك كان من الممكن الدخول من البوابة الجنوبية الشرقية والمسماة بـ"باب الآغا" في محلة "عين علي" مروراً في "زقاق القرماني" للوصول إلى "ساروجة"، ولم يكن هناك أي منفذ مباشر للحي من البساتين المحيطة».

المنازل في الحي

ويقول الباحث الآثاري "مقداد شعيب": «مع انتهاء العصر المملوكي وبدء الحكم العثماني لـ"دمشق" أخذت الكثير من ملامح الحي والسوق تتبدل، فقد تميز بسوقه الكبير ومنازله الواسعة وحماماته ومساجده الفخمة، ويعدّ الحي الآن من أجمل المناطق لوجود المقاهي الشامية والأجواء المسلية، إضافةً إلى احتوائه على مجموعة كبيرة من البيوت والأماكن الأثرية، وإن بيوت "ساروجة" وحماماتها ومساجدها تشكل واجهة للفن المعماري لحقبة مجيدة من تاريخ "دمشق"، ومازالت أبواب مسجد "الورد" مفتوحة منذ بنائه قبل 600 عام وكذلك "حمام الورد" المجاور له، وتوصف بيوت الحي بالقصور، فالمنزل من الخارج لا يلفت الأنظار بواجهته وبابه، غير أنه في الداخل يضم باحة تزينها نافورة ماء في الوسط وشجرة ليمون في إحدى زواياها، ما يخلق جواً يمتزج فيه الضوء والنضارة يتضاربان مع الملامح الرمادية والملونة المحيطة، ويحيط بالباحة من جهاتها الأربع بناء من طابقين، وقد حافظ الحي على مكانته كحي راق حتى انهيار الإمبراطورية العثمانية مطلع القرن العشرين».

ويتابع: «من خلال دراسة الإحصاءات المختلفة التي أجريت عامي 1933م - 1934م لإعداد المخطط التنظيمي الأول لمدينة "دمشق" لوحظ أن أعلى نسبة لتلاميذ المدارس كانت في "ساروجة"، وإن عدد النساء يشكل تقريباً ثلثي عدد السكان الإجمالي في المنطقة وهذه حالة فريدة وخاصة جداً، كما تبين أن نسبة حوادث السير فيه هي الأدنى في "دمشق"».