حي "المناخلية" كغيره من أحياء دمشق القديمة، مازال محافظاً على شكله وإن تغيرت خصوصيته المهنية من صناعة المناخل والغرابيل إلى تجارة الخردوات والعدد الصناعية، ويبقى للمكان قوة جاذبة تُبقي عشاقاً قُدامى وتستقطب آخرين بين زوار وسياح.

السيد "محمد محروس" من سكان الحي، صانع وتاجر بيوت شعر*، قال: «يقع حي "المناخلية" ضمن سور دمشق الأثري، ويعود تاريخه إلى أكثر من 1800 عام؛ أي ما يقارب تاريخ بناء الجامع الأموي وقلعة دمشق.. يحده من الشرق حي "العمارة"، ومن الغرب قلعة دمشق، ومن الجنوب أحد فروع نهر بردى الذي يفصله عن سوق "العصرونية"، ومن الشمال "شارع الملك فيصل".

مازال سكان المناخلية يحافظون على العادات والتقاليد المتوارثة عن سلفهم؛ فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بأمر الزواج، لا داعي لسؤال كل من في الحي، يكفي سؤال رجل واحد وهو كبير الحي، فكلمته قد تُعلي من رصيد الرجل أو لا

ويعود سبب تسمية السوق "المناخلية" إلى العمل الذي امتهنه أهالي الحي وهو صناعة المناخل والغرابيل، وتوسع نشاط السوق حتى شمل بيع مواد البناء والخرداوات، حتى إنه سمي "يابان دمشق" لجودة السلع المنتجة فيه ورخصها، وتعد عائلات "السمان" و"الطباع" و"الأيوبي" من كبرى العائلات العاملة في هذا المجال».

جانب من الحي

أما عن كبير حارة حي "المناخلية"، فقال لمدونة"وطن eSyria بتاريخ 13 تموز 2014، السيد "بسام الأيوبي" أحد تجار "المناخلية" وقاطنيها، وهو عضو في لجنة التراث الشعبي: «إن الشيخ "فاروق عرابي" هو كبير الحي وأحد وجهائه؛ فهو خلفٌ لشيخ الحارة السابق "صفوح السمان"؛ الذي أشرف في حياته على رعاية 40 جمعية خيرية، وأعال 400 عائلة ماتزال رعايتهم متابعة بعد وفاته حتى اليوم، وأهم العائلات التي تقطن الحي منذ القدم هي: "محروس، أبو قورة، الموالدي، المنعم، صالحة، الكوة، العلبي"».

وأثناء الحديث مع "الأيوبي" عن أعرافها وتقاليدها؛ قال: «مازال سكان المناخلية يحافظون على العادات والتقاليد المتوارثة عن سلفهم؛ فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بأمر الزواج، لا داعي لسؤال كل من في الحي، يكفي سؤال رجل واحد وهو كبير الحي، فكلمته قد تُعلي من رصيد الرجل أو لا»، وأشار إلى سكبة رمضان التي لاتزال حاضرة في عرف أهالي الحي في شهر رمضان المبارك، حيث يتبادلون صحون الطعام قبيل الإفطار، فتتنوّع موائد الجميع.

بسام الأيوبي مع مراسل المدونة

وفي معرض حديثه عن أهمية هذا السوق، يتابع "الأيوبي": «أراد د."بشر الصبان" محافظ "دمشق" السابق، تنفيذ مشروع استثماري بتمويلٍ خليجي، يقتضي هدم شارع الملك فيصل، وجزءاً لا بأس به من أحياء المدينة القديمة، ومنها سوق المناخلية، فقمت أنا وعددٌ من تجار الحي كمالكين لمحالٍ تجارية في الحي بالتقدم بطلب إلى مجلس الشعب لإعادة النظر في المشروع، لتجنيب الحي الضرر الذي سيلحق به، كما لجأنا إلى الصحافة واليونيسكو، وتابعنا الموضوع إلى أن تم إلغاء الهدم، ونحن نرى أن التوسعة مطلوبة لكن دون المساس بالمدينة القديمة، فهي من تراثنا الذي يجب أن نحافظ عليه».

ويتبع حي "المناخلية" إدارياً إلى حي "العمارة الجوانية"، يفصل بينهما شارع "بين السورين"، وهو شارع سكني وتجاري، وخلال جولة المدونة أضاف لنا "محمد محروس": «يضم الشارع جمعية دار الحديث الشريف الممولة خيرياً من قبل التجار بإشراف وزاة الأوقاف، وكذلك المدرسة الشرعية للإناث، كما يضم فندق "بيت التراث العربي" الواقع عند نهاية الشارع، فضلاً عن وجود حمام "سامي" الذي أنشئ في العهد الأيوبي عام 590 هـ، وفي الحي أيضاً جامع "سنان آغا" الذي بناه "زنكي تركي" منذ نحو 600 عام، وجامع "المعلا"، الذي يحتضن أكبر مئذنة في "دمشق"».

قبة السوق

وفي حديثه عن الجوانب الخدمية في الحي، تابع "محروس": «واقع الخدمات في الحي جيد بشكل عام, فرصف أزقة الحي بالحجارة المصقولة وتعبيد الشوارع الأخرى أضفى صفة جمالية مناسبة على بنيانه الأثري, إلا أن النظافة قليلة وهذا يعود الى قلة اهتمام السكان بنظافة الشارع أمام بيوتهم وعدم اهتمام المارة بنظافته, كما أن تمديدات الكهرباء في الحي جيدة لكنها هوائية وقديمة، وقد تكون سبباً في إحداث حريق، كما حدث منذ فترة وجيزة، أما نهر بردى فعلى مر العصور كان نفحة الجمال والاصطياف في "دمشق", غير أنه أصبح مشكلة على الأماكن التجارية والسكنية بفيضان مائه شتاءً، وصيفاً بروائحه الكريهة الجالبة للحشرات، فليت الجهات المختصة تسعى إلى تنظيفه وصيانته بشكل دوري أو تغطيته ومنع مشكلته».

وفي مقابلة المدونة مع مختار حي العمارة الجوانية "محمد سعيد مراد"، قال: «رغم الخدمات المقدمة في الحي، لاتزال هناك عقبات تعيق تنفيذ بعض الاصلاحات كضيق الشوارع، والصرف الصحي، والكهرباء، ورصف الشوارع بشكل غير سوي، فالعمل هنا صعب للغاية إذ يجب علينا مراعاة البناء القديم، فهو قابل للتصدع».

يذكر أن هذه المادة شارك في تحريرها مجموعة من المتدربين كانوا برفقة المحرر، هم: آثار الجوابرة- ليلى علي- مياس الآغا- علا طنجور- ميس حمد.

  • بيت الشعر (خيم مصنوعة من شعر الماعز يستخدمها الرعاة كمسكنٍ متنقلٍ).