9

الصبورة: على هضبة مرتفعة عما حولها تتربع بلدة "الصبورة" التابعة لمنطقة "قطنا"، مبتعدة عن العاصمة مسافة 40كم، وصلتها المدنية لكنها لم تستطع انتزاع الهوية الريفية منها؛ فالزراعة لا تزال العمل الرئيس لأهلها المعروفين فيما بينهم، فإن سألت أياً منهم عن العائلات تراه يعرف أفرادها وتاريخها.

تقع البلدة شمال شرق العاصمة، يحدها شمالاً قرى الأسد ومساكن الديماس، وجنوباً أراضي الصوجة وأراضي المعضمية، أما شرقاً فتحدها ضاحية قدسيا وغرباً العمرات، يعفور ورأس العين، أما الطرق المؤدية إليها فمن الجنوب يصلها طريق (دمشق- بيروت)، ومن الشمال يتم الوصول إليها عن طريق قرى الأسد، ومن الشرق المتحلق الشمالي، ومن الغرب طريق (قطنا، كفر قوق الصبورة)

أسست "الصبورة" منذ حوالي 250-300 عام من عائلتين هما "شاهين" و"بلان"، هذا ما قاله لنا أحد معمري القرية؛ العم "هاشم بلان" الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 6 حزيران 2014 حين زارت "الصبورة"، وتابع في حديث له حول أصل القرية: «هاتان العائلتان قدمتا إلى هذه الهضبة من مناطق ريف دمشق المجاورة؛ وذلك بسبب ارتفاعها عن محيطها الذي كان يفيض بمياه نبع البجاع قديماً وحينها أطلق على القرية اسم "حوران الصغرى" لما تتمتع به أرضها من خصوبة وتنوع للمنتج الزراعي الذي كانت تغلب عليه الحبوب.

القصر البلدي

فيما بعد تشكلت العائلات الأخرى المكونة للقرية وهي: "بلان، صالح، الشيخ، بعبلكي، شيخو، ميرة، عبد الله، خليل، قادري، المحفوظ، عمر، رجب، شاهين". إضافة إلى عائلتي بدو مستقرتين في القرية منذ حوالي 60 عاماً هما "الأسعد ورمضان"، ولا بد من الإشارة إلى وجود علاقات اجتماعية بين أهالي القرية وأهالي سهل البقاع الغربي اللبناني منذ القديم، إذ كان العمل الزراعي يتطلب أيدٍ عاملة كثيرة كان يأتي معظمها من لبنان نظراً لقرب المسافة، فتزوج بعض الشباب من فتيات لبنانيات آنذاك واستقروا في القرية».

وعن سبب تسمية القرية يكمل "بلان": «حين جف نبع البجاع عانت القرية من شح شديد في المياه ما اضطر الأهالي لاستجرارها من القرى المجاورة كقرية يعفور مثلاً، ونظراً لتحكم الإقطاع آنذاك بتوزيع المياه لاقى أهالي القرية صعوبات شديدة في استمرار معيشتهم لكنهم صمدوا وتشبثوا بأرضهم فجاءت تسمية "الصبورة" من الصبر الذي كابده الأهالي حينها، وتلك مرحلة أذكرها جيداً إذ كنت يافعاً في مقتبل العمر، وبقي الوضع على ما هو عليه إلى أن جاء الإصلاح الزراعي ووزع الأراضي على الفلاحين، فتحسنت أحوالهم المادية وحفروا الآبار لحل مشكلة المياه، فانتعشت الزراعة الموسمية والتشجير وتربية المواشي وتشكلت المزارع على أطراف القرية، فلجأ الدمشقيون إلى "الصبورة، ويعفور" لبناء المزارع والاصطياف نظراً لمناخهما المعتدل وقربهما من العاصمة، كما عمد الكثيرون من رجال الأعمال إلى بناء المعامل والمرافق التجارية والخدمية في أراضيهما».

رئيس البلدية

أما رئيس بلديتها "محمد أحمد بلان" فقد حدثنا عن حدود القرية قائلاً: «تقع البلدة شمال شرق العاصمة، يحدها شمالاً قرى الأسد ومساكن الديماس، وجنوباً أراضي الصوجة وأراضي المعضمية، أما شرقاً فتحدها ضاحية قدسيا وغرباً العمرات، يعفور ورأس العين، أما الطرق المؤدية إليها فمن الجنوب يصلها طريق (دمشق- بيروت)، ومن الشمال يتم الوصول إليها عن طريق قرى الأسد، ومن الشرق المتحلق الشمالي، ومن الغرب طريق (قطنا، كفر قوق الصبورة)».

أما عن الخدمات المقدمة للأهالي فيتابع رئيس البلدية حديثه بالقول: «يوجد في القرية مركز للماء وآخر للكهرباء ضمن البلدية ويتم التنسيق بينهما مع البلدية لتقديم الخدمة بأفضل الشروط، وتعدّ "الصبورة" من القرى الرائدة في تعبيد الطرقات الذي وصل إلى أصغر شارع فرعي فيها، وهنا يأتي دور التنسيق بين الجهات الخدمية في المنطقة، إذ يتم تعبيد الطريق بعد الانتهاء من إصلاحات الماء والكهرباء والهاتف بما يضمن عدم الحاجة للحفر مرة أخرى إلا في حالات استثنائية، كما أنجزت بلدية القرية خلال عقود عملها كامل مشروع الصرف الصحي الذي وصل الآن إلى كل بيت في القرية، ومن الناحية الصحية تضم القرية ثلاثة مراكز صحية أحدها حكومي وآخر خاص ومستوصف خيري، كما يضم القصر البلدي مركزاً ثقافياً رائداً على مستوى المنطقة يقيم ندوات توعوية وتثقيفية دورية تساهم إلى حد كبير في رفع المستوى الثقافي للأهالي، وبشكل خاص لجيل الشباب، وتحتوي "الصبورة" على أربع مدارس؛ ابتدائيتان وإعدادية وثانوية».

مختار القرية

هذا عن الجانب الخدمي، أما الجانب الاجتماعي فما زالت القرية محافظة على أصالة الريف وعاداته في مختلف المناسبات الاجتماعية التي حدثنا عنها مختار القرية "أحمد حسين صالح" في لقاء معه: «بالنسبة لأفراح الزواج يقام العرس على مدى عشرة أيام، يدعى إليه أهالي القرية والقرى المجاورة، ضمن خيمة منصوبة على أوتاد، ويحيي هذه الليالي مجموعة من شعراء الزجل السوريين واللبنانيين، وتقدم الذبائح من ضمن الطعام، ويكون عرس النساء في خيمة أخرى مستقلة أو في بيت العروس، وهذه العادات قديمة وما زالت مستمرة حتى هذا اليوم.

ومن العادات التي حافظ عليها الأهالي أيضاً مساعدة الشاب الفقير المقدم على الزواج، إذ يتكفل أهل القرية بكافة تكاليف الفرح، ولا يعدّ "النقوط" ديناً عليه كما هو على باقي الأشخاص الميسورين، و"النقوط" هو مبلغ من المال يقدمه المدعوون إلى الفرح للعريس لمساعدته في بدء حياته.

أما الأتراح فكانت مراسمها تتم ضمن خيمة يؤمها المعزّون لمواساة أهل الفقيد، وبعد مرور سبعة أيام على الوفاة تقدم سفرة غداء للمعزين، واستمرت إقامة العزاء في الخيمة إلى أن بادر أبناء المرحوم "مهنا عمر" ببناء صالة كبيرة للمآتم عن روح والدهم؛ مجهزة بالكراسي وأجهزة الصوت وقارئي القرآن، فتم الاستغناء بذلك عن الخيمة التي كانت تستعمل قديماً».

وتضم "الصبورة" كوكبة من الشخصيات البارزة والمؤثرة بدءاً من نطاق القرية وصولاً إلى مختلف أرجاء الوطن، يحدثنا عنها المختار متابعاً: «يوجد في هذه القرية أشخاص مميزون منهم من رفع اسمها عالياً كالدكتور "علي خليل" وزير العمل السابق، ومنهم من ساهم في تأسيسها كالعم "أحمد محمد بلان" وهو أول رئيس للبلدية، الذي أدى واجبه الوظيفي آنذاك على أتم وجه، حيث بنى القصر البلدي وعبَّد الطرقات وقدم جلَّ ما كان يصبو إليه أهل القرية، فكان خير سندِ للأهالي آنذاك وما زال، كما تفخر القرية بأنها تضم عدداً من الأبطال الذين شاركوا في حرب تشرين التحريرية، فمنهم من استشهد فسميت مدرسة باسمه، مثل مدرسة الشهيد "أحمد القادري"، ومنهم من قاتل ومازال حياً يرزق مثل "محمد أحمد بلان" أبو محمد».

بقي أن نذكر، أن مساحة القرية 220 هكتاراً، وعدد سكانها الأصليين ستة آلاف نسمة تقريباً، إلا أن العدد الفعلي يقارب عشرة آلاف نسمة، نظراً لسكن بعض العمال الذين قدموا إليها نتيجة عملهم في المنشآت التجارية والصناعية المجاورة.