"دمشق" المدينة – العاصمة الأقدم التي لم تهجر أبداً ومازال السكن فيها قائماً عبر تاريخها وحتى الآن، فهي تذخر ليس بالأوابد والأماكن التاريخية فقط بل بعبق السنين والياسمين المتدثر بكل ركن وكل زاوية في أرضها، وكل نسمة من هوائها، وكل قطرة من مائها.

تسميات عدة أطلقت على "دمشق" ووردت باسم "دمشقا"، و"الأرض المزهرة أو الحديقة الغناء"، ويسميها بعضهم بأسماء أخرى مثل "جلّق أو الشام"، وتلقب أيضاً بالفيحاء (أي واسعة الدور والرياض)، وغير ذلك من الأسماء.

سميت "دمشق" نسبة إلى "دماشق بن قاني بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح"

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 حزيران 2014، الباحث التاريخي "محمد الفياض" الذي قال: «يعود نشوء "دمشق" إلى تسعة آلاف سنة قبل الميلاد أو أكثر، ويذكر الباحثون أنها أقدم مدينة وعاصمة في التاريخ، فأطلق على مدينة "دمشق" على مر العصور التاريخية تسميات عدة من صفات دمشق الطبيعية، ومنهم من نسبها إلى بناتها، وإلى حوادث تاريخية تتعلق بها، وآخرون يرجعونها إلى تقسيمات إدارية أو إقليمية أو بروايات دينية».

الباحث محمد الفياض

ويضيف: «أطلق على مدينة "دمشق" عدة أسماء وألقاب على مر العصور، ومنها "رأس بلاد آرام" كما وردت في العهد الآرامي، ومدينة "نعمان الأبرص الآرامي"، وبيت "رمون" نسبة إلى هيكلها الذي ينسب إلى رمون اللودي، ومن ألقابها أيضاً في العهد الآرامي قرية "المسرة"، كما سميت مدينة "ألعازر" خادم النبي إبراهيم، و"جلق"، و"جبرون" أو "حصن جيرون"، و"ديمترياس" اسم الجالية اليونانية التي لحقت بالمدينة، وفي العهد الروماني أطلق عليها "قاعدة سورية المجوفة"، كما أسماها الإمبراطور الروماني يوليانوس "عين الشرق"».

وتابع "الفياض: «على مر العصور كان يطلق عليها "الشام" الاسم المرادف لدمشق و"جنة الأرض"، ودمشق الشام تميزاً لها عن غرناطة الأندلسية المسماة دمشق الغرب، وأطلق عليها العثمانيون الأتراك لقب شام شريف تقديساً لها، ولكثرة أعمدتها سميت بذات العماد، ومن أسماء دمشق في العهد الجاهلي حاضرة الروم وبيت ملكها، وفي صدر الإسلام حصن الشام وباب الكعبة، وفسطاط المسلمين».

ويشير الباحث الآثاري "جورج حداد" في مجلة الحوليات الأثرية بالقول: «روى "ستيغانوس" البيزنطي الذي عاش في القرن السادس الميلادي أن اسم "دمشق" يرجع إلى أن البطل "دمسكوس" ابن الإله "هرمس" نزح من "أركاديا" في بلاد اليونان إلى "سورية" حيث بنى مدينة باسمه، وفي رواية أخرى يقول: إن اسم "دمسكوس" يرجع إلى البطل "آسكوس" الذي ربط الإله "ديونيسيوس" وطرحه في النهر، ولكنه عوقب على عمله بسلخ جلده وصار يستعمل لحفظ الخمور».

ويورد "ياقوت الحموي" الذي عاش في القرن الثالث عشر رواية يقول فيها: «سميت "دمشق" نسبة إلى "دماشق بن قاني بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح"».

دمشق عبر غوغل إيرث

ويتابع "حداد" بالقول: «يكاد المؤلفون العرب لا يتركون نبياً ولا شخصية في التوراة والقرآن الكريم إلا ويجعلون لها صلة بـ"دمشق"، فقد روى "ياقوت": (إن آدم وحواء وقابيل وهابيل نزلوا في أماكن حول "دمشق")، كما أنه يروي قصة قتل قابيل لهابيل على جبل قاسيون، ومن جهة أخرى يورد رواية بأن مكان "دمشق" كان داراً "لنوح" وإن أول حائط وضع في الأرض بعد الطوفان حائط "دمشق وحران"».

وبين الدكتور "بسام جاموس" في مجلة "مهد الحضارات" بالقول: «اشتهرت "دمشق" بحضاراتها المتنوعة، وقد وصفها المؤرخون والرحالة بأنها "جنة الله" على الأرض وقبلة الباحثين، وتعدّ أهم طرق القوافل التي تربط شبه الجزيرة بشرق المتوسط، فهي ترتفع عن سطح البحر 691م، ويحدها من الشمال الغربي "قاسيون"، ويفصلها في الجنوب سلسلة جبلية "الجبل الأسود والجبل المانع" عن سهل حوران، وتحدها من الشرق "الغوطة" التي كانت تستمد مياهها من بردى».

وأضاف: «ورد اسم "دمشق" في كثير من النصوص القديمة بأسماء متنوعة موحدة، لكنها تختلف في لفظها فقد ذكرت في النقوش الأثرية المصرية من أيام "تحوتمس" باسم "دمسقا"، وفي نصوص "الهكسوس" "تمشكي"، وفي عصور "البرونز" "دمسق"، وفي الفترة الآرامية أطلق عليها "دار ميشق"، وفي العصر اليوناني "داماسكوس"، وفي العصر الروماني "دمسقة"، وفي السريانية "درمسوق"».

اعتبرها "أبو الحسن الغرناطي" بمنزلة "فردوس أرضي" يجعل السائح الغريب ينسى اغترابه عن وطنه، وفي ذلك يقول:

"أما دمشق بجنة... ينسى بها الوطن الغريب

انظر بعينك هل ترى... إلا محب أو حبيب".

وقال ابن بطوطة "دمشق" التي تفضل جميع البلاد حسناً، وتتقدمها جمالاً، وكل وصف وإن طال قاصراً عن محاسنها.

يروي المؤرخ "حسن البدري" في كتابه "نزهة الإمام في محاسن الشام" وصفاً طريفاً لأبواب دمشق القديمة وعلاقتها بالكواكب، فيقول: «كانت صور الكواكب على هذه الأبواب، زحل على باب كيسان، والشمس على الباب الشرقي، والزهرة على باب توما، والقمر على باب الجنيق، وعطارد على باب الفراديس، وصورة المشتري على باب الجابية، أما المريخ فعلى الباب الصغير، حالياً اختفت بعض الأبواب وحلت مكانها أبنية أو طرق أو أسواق. وأبواب سور دمشق على مر العصور لم تتجاوز العشرة أبواب، وهذه الأبواب هي: باب شرقي، باب توما، باب الجنيق، باب السلام، باب الفراديس، باب الفرج، باب النصر، باب الجابية، باب الصغير، باب كيسان».

ويبين الآثاري "عقبة معن" بالقول: «تضم "دمشق" العديد من المباني الأثرية؛ كالمتحف الوطني بدمشق، ومتحف التقاليد الشعبية والصناعات اليدوية في قصر العظم الذي يعدّ من أجمل قصور دمشق القديمة، ومتحف الطب والعلوم عند العرب في مبنى البيمارستان النوري، ومتحف دمشق التاريخي في مبنى خالد العظم - متحف الخط العربي في مبنى المدرسة الجقمقية المملوكية، متحف دمشق الحربي، متحف دمشق الزراعي، متحف بانوراما حرب تشرين التحريرية، كما اشتهرت دمشق بأسواقها الشعبية مثل سوق الحميدية الذي يعدّ من أشهر وأجمل أسواق العالم، وسوق مدحت باشا قرب "باب الجابية"، وسوق البزورية، وسوق المهن اليدوية في مبنى التكية الصغرى، كما تضم العديد من الحمامات الشعبية، ومن أشهر هذه الحمامات حمام نور الدين في سوق البزورية، حمام الورد، حمام الملك الظاهر، وغيرها المباني الأثرية والتاريخية، ومن أهمها: قلعة دمشق الأيوبية؛ تبدو كأنها تنطق بصوت الصمت قصص ملاحم الصمود في وجه التتار والصليبيين».

وأضاف: «أما المباني الدينية ومن أهمها الجامع الأموي بـ"دمشق" فيعدّ من روائع فن العمارة الإسلامية، والتكية السليمانية يتميز بناؤها بجمال قبتها، وتناظر مئذنتيها الرشيقتين، وتوالي أروقتها، وسعة بحيرتها وكثرة أزهارها وضريح صلاح الدين الأيوبي، وهناك جامع الشيخ محي الدين في حي "الصالحية"، وجامع درويش باشا المشهور بروائع القيشاني، وجامع السنانية المتميز بمأذنته المغطاة بالقاشاني الأخضر، وجامع التيروزي في حي "باب سريجة"، وجامع مراد باشا في حي "السويقة"، وكنيسة حنانيا والاطلاع على قصة بولس واعتناقه المسيحية بمساعدة حنانيا، وكنيسة القديس بولس قرب "باب شرقي"، والكنيسة المريمية وتعدّ من أقدم وأجمل كنائس "دمشق"».