تطالعك إلى الغرب من أتوستراد "دمشق- درعا" ببضعة كيلومترات، لتشرف عليها من "الأشرفية، فتتنسم هواء "الحرمون" النقي العليل، وتحتفظ ببقية باقية من عبق الغوطة الغربية بامتداد "داريا" وصولاً إلى "جديدة عرطوز".

إنها "صحنايا" التي ورد ذكرها أول مرة في وثيقة تقسيم مياه نهر الأعوج* (حيث حصة صحنايا 4/24**) قبل عام ثلاثمئة للهجرة، أي إن عمرها أكثر من ألف ومئة سنة.

كنا ننطلق إلى البرية (الخلاء المحيط بالقرية)، وكان عبارة عن بساتين فاكهة وزراعة متميزة للخضراوات، ونرجع "شبعانين" من الخوخ والجارنك والجزر والمشمش والفول والماء، كانت "صحنايا" ملأى بالخير، بينما الآن ما بقي منها إلا الزيتون، والماء قل كثيراً

«كنا ننطلق إلى البرية (الخلاء المحيط بالقرية)، وكان عبارة عن بساتين فاكهة وزراعة متميزة للخضراوات، ونرجع "شبعانين" من الخوخ والجارنك والجزر والمشمش والفول والماء، كانت "صحنايا" ملأى بالخير، بينما الآن ما بقي منها إلا الزيتون، والماء قل كثيراً»، هكذا يتذكر "مازن محفوظ" المولود في "صحنايا" عام 1974 بلدته التي توسعت على حساب بساتينها.

الدكتور يحيى قسام

وللحديث عن "صحنايا" وتاريخها، التقت مدونة وطن eSyria الباحث التاريخي الاجتماعي الدكتور "يحيى قسام" ابن بلدة "صحنايا"، بتاريخ 21/9/2013، فقال: «هناك روايتان لمعنى اسم "صحنايا" لا نستطيع تغليب إحداهما على الأخرى، الأولى تقول إن ملكاً اسمه "نايا" كان يقطن هذه البلدة في قصره الواقع في وسطها، وكان يوزع وجبة طعام للناس- بسبب الفقر أو القحط الذي أصاب المنطقة- في وقت محدد، حيث يصيح منادٍ من شرفة القصر لإعلام الناس بالحضور، فيقول بعضهم لبعضٍ: صاح نايا، وتحولت "صاحْ نايا" مع الزمن إلى "صحنايا".

والرواية الأخرى تقول إن الملك "نايا" المذكور لم يكن يقطن هذه المنطقة وجاءها مريضاً للاستشفاء حسب وصفة أحد الأطباء، وبسبب جوها الجميل وهوائها العليل ومائها النقي تماثل الملك للشفاء بسرعة، فقالوا: صحّ نايا، وتحولت "صحْ نايا" مع الزمن إلى "صحنايا".

المختار وهيب شعبان

وإن جاز لنا الاجتهاد، ولأن التسمية قديمة، نعود إلى معاجم اللغة لنجد الصحن: التاج، وساحة الدار، وساحة وسط الفلاة، وصحن الوادي: ما أحيط منه بارتفاع، وفي هذا دلالة على "صحنايا" الساحة المنخفضة عما حولها والتي تشبه الصحن بسهلها الغني ومحيطها المرتفع».

وحول قدم البلدة وأهم آثارها يتابع الدكتور "قسام": «ظهرت في كروم الزيتون غرب البلدة بعض الأحجار المنحوتة وتابوت منحوت للموتى واكتُشفت قناة رومانية مصنوعة من الفخار يبدو أنها كانت تستخدم لمياه الشرب، كما عثر على آثار خربة قديمة في جبل التين في أرض "صحنايا" الجنوبية تدعى "فنيدق" يبدو أنها استراحة للمسافرين والقوافل بين فلسطين والجزيرة العربية، وهناك محطة على الخط الحديدي الحجازي المتجه إلى "درعا" في أرض "صحنايا" الشرقية الجنوبية تسمى محلياً "كمبانية" من العهد العثماني أقيمت للذاهبين إلى "درعا" والحج، أما كنيسة البلدة فلا نعرف تاريخ بنائها الأول إلا أنها ذات واجهة أثرية تدل على قدمها، وهناك بعض الآثار والمزارات التي يقصدها أهل البلدة مثل: أرض الخربة، أرض المزار، أبو عيسى، الحمام، المصروب...».

الأستاذ عماد منصور مع فرقة الكورال

وفي لقاء مساعد المهندس الفني في بلدية "صحنايا" الأستاذ "نواف الطحان" تحدّث عن موقع البلدة وحدودها، فقال: «لم تعد بلدة صغيرة كما كانت قبل أربعين عاماً لا تتجاوز 25 هكتاراً (500×500 متر)، بينما اليوم مساحة عمرانها بحدود 105 هكتارات، وهناك توسع جديد سيضيف لعمرانها امتداداً أوسع، أما مساحتها الكلية مع أراضيها المروية والبعلية والصليخ فتتجاوز 2700 هكتار، وفي المحصلة البلدة الصغيرة تحولت إلى مدينة متوسطة الكبر، وتضمّ سوقاً كبيرة، إضافة إلى سوق شعبية تقام كل يوم إثنين (سوق الإثنين).

ومن ناحية الموقع والحدود "صحنايا" إحدى قرى الغوطة الغربية، تقع في سهل فسيح مياهه وفيرة وقريبة من سطح الأرض، لذا فهي كالغوطة وفيرة الشجر والزراعات، تشكل جزءاً من هضاب الداخل، ويراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 600 و700 متر، بانحدار خفيف من الغرب إلى الشرق.

هواؤها العليل ونظافة مائها وتربها وهوائها- لقربها من جبل الشيخ- جعلها مكاناً مريحاً للقاطنين والزوّار، ومصطافاً عليل الهواء للسياحة والاستشفاء، وتتميز مزروعاتها بنظافتها ونضارتها لأنها ترتوي من ماء نهر الأعوج النقية.

وهي مركز ناحية تتبع لمنطقة "داريا" التي تحدها من الشمال وتبعد عنها بحدود 3كم وتتبعان لمحافظة "ريف دمشق" (تبعد "صحنايا" عن مركز مدينة "دمشق" حوالي 12كم)، بينما يحدها من الشرق بلدة "أشرفية صحنايا" وتل "المصطبة" وأتوستراد "دمشق- درعا" الذي يفصلها عن مساكن "الباردة" و"بناية الكويتي" التابعتين للأشرفية، في حين تمتد بساتين زيتونها غرباً حتى أرض الشويكيات المشتركة مع "جديدة عرطوز"، ومن الجنوب جبل أبو دياب المشترك مع حدود "الكسوة" وجبل الريحان مع حدود "مرّانة"، وتلتقي في الزاوية الغربية الجنوبية في موقع الوادي مع سهل "كوكب" لمسافة صغيرة».

ويتابع "الطحان": «في "صحنايا" حوالي 200 منشأة صناعية في محيطها، إضافة إلى عدد كبير من المنشآت الصغيرة وسط البلدة، وهناك مجموعة من المسابح والمطاعم والمقاهي التي تشجع الحركة السياحية في البلدة، وتراها تكتظ بالزوار من داخل البلدة وخارجها، وخاصة أيام العطل.

الطرق معبدة ومخدمة وتنظف بشكل يومي، كما أن شبكة الصرف الصحي تصل كل بيوت البلدة بلا استثناء، وتم تدعيم خط الصرف الرئيسي بخط أكبر للبلدة ولبلدة "أشرفية صحنايا"، وباقي الخدمات من مياه وكهرباء وهاتف وغيرها تكاد تكون نموذجية، حيث يوجد في "صحنايا" مقسم هاتف وبريد ومقسم كهرباء ووحدة مياه وإرشادية زراعية ومركز ثقافي ومستوصف صحي ومركز مديرية ناحية مع مكتب نفوس ومجموعة من المدارس من كافة المستويات، إضافة للبلدية النشيطة، وتقوم هذه الوحدات على تغطية احتياجات المواطنين من مختلف الجوانب على مدار الساعة».

وحول النشاط السكاني الاجتماعي والزراعي تحدث لمدونتنا السيد "وهيب شريف شعبان" مختار بلدة "صحنايا"، فقال: «معظم السكان كانوا يعملون بالزراعة منذ الزمن القديم، حيث كانت كروم العنب والزيتون والأشجار المثمرة تغطي مساحات كبيرة مروية وبعلاً، وزال معظمها بسبب الجفاف والزحف العمراني، وبقيت أشجار الزيتون تقاوم الجفاف، وتمتد على مساحات جيدة غرب البلدة، وتوفّر للسكان والزوار متنفساً في الصيف، فلا تكاد تجد مكاناً في أيام العطلة، كما تشكل رئة البلدة الصحية، وتحتوي عدداً لا بأس به من المطاعم والمتنزهات، ولعل أهم ما قيل في زيتون "صحنايا" إنه أعلى شجر زيتون في العالم لعمره المديد (حوالي 500 سنة) واعتماد المزارعين على السقاية المستمرة جيلاً بعد جيل.

أما اليوم فنسبة قليلة من السكان تعمل في الزراعة، في حين اتجه الكثيرون للوظائف العامة والخاصة، وإلى التجارة حيث نشطت تجارة العقارات ومختلف أنواع التجارة، والبعض اعتمد العمالة في المنشآت الصناعية الكثيرة والحرف. خاصة أن عدد السكان الذي كان بحدود خمسة آلاف مطلع عام 1985، أصبح الآن يفوق 20 ألفاً لكثرة الوافدين من باقي المحافظات والذين اختاروا صحنايا لقربها من العاصمة ولجمال مناخها وطيبة أهلها».

ويتابع المختار عن الحالة الاجتماعية: «كانت البلدة صغيرة قبل ثلاثة عقود ونيف حين بدأت العائلات الوافدة (بسبب الدراسة، أو العمل، أو الوظيفة في مدينة دمشق) من مختلف المحافظات تقطنها، أسوة بباقي مناطق "ريف دمشق" التي كان يفضلها الوافدون لرخص الإيجارات وثمن البيوت والمعيشة فيها مقارنة مع المدينة، ولقربها من مناطق عملهم أو وظائفهم، وكانت تقطنها عائلات كثيرة أهمها (أبو زيدان، أبو عز الدين، أبو فرح، أزروني، الخوري /الدغلي/، الشوفي، الحداد، الحلاق، البقاعي، النجار، الصباغ، القلفوني، الصويتي، جمول، حمزة، خفاجة، دبور، دراج، رزق، زريطاني، زعفران، زين الدين، سبع، شعبان، شيحان، شحادة، صفا، ضاهر، طعمة، عبيد، عرموش، عسول، عربي، عقل، غزال، غريب /الخوري/، فرعون، فرزلي، فرح، فرّوج، قسطة /الخوري/، قرقوط، قسام، كشيك، لطف الله /أبو طبيخ/، متري، محفوض، مسعد، منذر، يوسف)، كما أن هذه الهجرة من المحافظات جعلت الحركة العمرانية نشيطة ونقلت البلدة من قرية ببيوت ريفية إلى مدينة ضخمة بنظام بنائي توسع شاقولياً مثلما امتد أفقياً.

ورغم تنوع الخليط السكاني إلا أن البلدة لاتزال تشكل واحة لطيفة يتعايش الجميع بين ظهرانيها بمحبة وألفة وودّ ظاهر، ومعظمهم يساهم في الجمعيات الأهلية المتنوعة الموجودة في البلدة، ويتشاركون الأفراح والأتراح.

ولا يفوتنا التذكير بأن "صحنايا" قدمت عبر تاريخها الطويل عدد كبير من الشهداء، لا متسع لذكرهم هنا، ليس أولهم في النضال ضد الاحتلال العثماني، مروراً بالنضال ضد الاستعمار الفرنسي، وليس آخرهم من استشهد على أرض فلسطين أثناء مرحلة العمل الفدائي وفي حرب تشرين التحريرية».

الأستاذ "حسام أبو فرح" صاحب مكتبة ومعهد "كلمات للثقافة والفنون" التعليمي تحدث عن التطور النوعي الذي حصل في العقدين الأخيرين: «في الوقت الذي بدأ عدد السكان بالتضاعف أخذ الاهتمام بتطوير الجوانب التعليمية والخدمية يتقدم، فافتتحت عدة معاهد تعليمية لعل أهمها الآن (معهد صحنايا للغات والموسيقا- المنير- ابن زيدون- النجوم- بيت العود....)، كما انتشرت المدارس الخاصة لمختلف المراحل التعليمية مثل: (سنابل النور- المعارف- السمو- الحسينية.....)، وهناك أكثر من عشر رياض أطفال، ومثلها من الحضانات للصغار، وفي المجال الخدمي هناك مثلاً أكثر من 25 صيدلية وعشرات العيادات الطبية والكثير من العيادات التخصصية والمكاتب الهندسية، وغيرها الكثير.

ومن اللافت للنظر قصة طريفة سمعتها عن الأستاذ الإعلامي حسن م يوسف أنه كان يبحث عن بيت ليشتريه للسكن منذ عشرين عاماً فنصحوه بـ"صحنايا" وبعد جولة لم يحظ بالمطلوب توقف عن البحث مدة فسأله أحدهم: هل اشتريت بيتاً؟ أجابه: لم أجد في صحنايا.. فطلب منه البحث في غيرها، فقال: لا، بلدة مثل صحنايا فيها معهد للموسيقا جديرة بأن يسكنها المرء».

الأستاذ "عماد منصور" مدير مدرسة "جورجي طعمة" ورئيس نادي "صحنايا" الرياضي تناول في حديثه للمدونة الواقع التعليمي والأنشطة فقال: «في التعليم الأساسي- الحلقة الأولى هناك ثلاث مدارس تضم 2900 طالب وطالبة، منها مدرستا "جورجي طعمة" و"جاك فرعون" بدوامين صباحي ومسائي، ومعظم كوادرها التدريسية من سكان البلدة، وفي الحلقة الثانية ثلاث مدارس تضم أكثر من 1600 طالب وطالبة، منها مدرسة "المحدثة الثانية" التي كانت قديماً ثانوية "الأزروني"، بدوامين، وفي المرحلة الثانوية العامة لدينا ثانوية "يوسف الأزروني" بدوامين وعدد طلابها أكثر من 600، والثانوية الفنية: ثانوية صناعية وثانوية تجارية ونسوية، عدد طلابهما أكثر من 450، وثانوية للمتفوقين على مستوى ريف دمشق.

و"صحنايا" خالية من الأمية، وتتميز بغناها بالكوادر التدريسية والتعليمية، وتتميز مدارسها بتفوق طلابها، وبنشاطاتها الثقافية والرياضية والاجتماعية والموسيقية، حيث نشارك في نشاطات المحافظة كافة، وفرقة كورال ريف دمشق لطلائع البعث هي من صحنايا وتضم أكثر من 70 طفلاً وطفلة في العزف والغناء.

أما النادي الرياضي فيضم أكثر من 800 لاعب ولاعبة في مختلف الألعاب، ومن كافة المستويات (أشبال وناشئين وشباب) ومن كلا الجنسين، ومع أن النادي أحدث عام 2004 إلا أنه بدأ يبرز فيه أبطال على مستوى القطر وعلى مستوى المحافظة، فمثلاً في القوة البدنية نحن درجة أولى وحقق بعض لاعبينا بطولة الجمهورية في عدة أوزانز

ولابد من ذكر عدد من المعاهد والمراكز الرياضية الخاصة التي تتعاون معنا وتساهم في تنمية الحركة الرياضية في البلدة، منها: "سيزر الرياضي" و"عشتار" و"بوز كيم" وغيرها.. وأبرز ما يميزها وجود تدريب الباليه عندنا وفي "مركز سيزر"».

بقي أن نذكر أن "صحنايا" المميزة بكل ما ورد ذكره، ماتزال منارة سياحة الغوطة الغربية، ولاسيما بامتداد بساتين زيتونها غرباً حتى حدود "جديدة عرطوز".

  • (نهر الأعوج ينبع من السفوح الجنوبية لجبل الشيخ (الحرمون) ويتفرع على لعدة فروع منها ما يروي أطراف الغوطة الغربية وأحد هذه الأفرع يدعى الصحناوي).
  • ** (الوثيقة موجودة لدى المجاهد أنور البكري من سكان دمشق، وهي من عهد أبي سليمان الداراني المتوفى بداريا وقبره ما يزال فيها، وقد روى عنه عبد الله بن أحمد بن عبد الله أبي الحواري بن ميمون الزاهد المتوفى 305 هـ).