لا تستطيع أن تمر بحي ساروجة العتيق، إلا وتأخذك الرائحة إلى واحد من أقدم الأفران في مدينة "دمشق"- كما يذكر القائمون عليه- هو "فرن الصخرة" أو "فرن ساروجة" كما يُعرف بين زبائنه والذي يُعدّ أحد معالم "حي ساروجه" التي مازالت إلى اليوم موجودة في حياة الأهالي كل صباح.

"ماريا جيرودي" أحد زبائن الفرن ومن مرتادي شراء الخبز من الفرن باستمرار ذكرت لمدونة وطن eSyria بتاريخ 1/8/2013 أنه حتى يومه هذا يقدم الفرن الخبز المشروح والمنقوش والماوي الذي يتم عجنه بحبة البركة أو السمسم.

إن مهنتنا مهنة تراثية بدأت تقل، لدرجة أن الكثير من السياح يأتون ويصورون الفرن وناره وطريقة العجن ويتذوقونه ويثنون علينا، وطوال فترة إقامتهم في دمشق نراهم كل يوم يمرون ويشترون

وتضيف "جيرودي بالقول: «في الوقت الذي اجتاحت أفران الخبز الآلية المشهد اليوم؛ لم يزل عدد من الأفران اليدوية يعمل ومنها "فرن الصخرة" في "حي ساروجة"، فمراقبة فرن الخبز اليدوي القديم تبدو لي من لقطات أيام الزمن الجميل فحين يُدخل الخباز العجين إلى بيت النار، سرعان ما تشدك ناره وخبزه الذي ينتفخ أمام عينيك باعثاً رائحة زكية تفتح شهية كل عابر سبيل وتدعوه للتذوق».

السيد "غسان موالدي" أحد العاملين في الفرن حدثنا عنه بالقول: «إن عمر الفرن يزيد على 200 عام وما أعرفه عن تاريخ هذا الفرن أن العائلة المشرفة عليه حالياً استلمته عام 1930 وتدعى عائلة "أبو حامد المنقل"، واستلمه من بعده ابنه وحفيده.

يبدأ العمل في الفرن من الخامسة صباحاً وحتى الثانية عشرة ظهراً تقريباً، ولكن الانتهاء من العمل يكون عموماً مرتبطاً بـبيع كل ما ننتجه».

ويشير "موالدي" إلى أن المردود المادي يكون حسب الإنتاج يعني وسطياً بحدود خمسمئة ليرة سورية يومياً للعامل فيه. ‏

يعمل في الفرن أربعة عمال يتعاونون على إتمام العمل فيه، بينهم عامل بيت النار أو الخباز، وهو كما يقولون، بوصلة العمل فهو يقدر إذا كانت الخميرة نضجت وإذا كان النضج كافياً ومن العمال من يسمى بـالقساط وهو من يقطع العجين ويجهزه على ألواح خشبية، حيث تترك حتى يختمر بعدها تقدم للخباز بالتتالي، أما العامل الثالث فهو عجان الفرن الذي يقوم بعجن ما بين السبعين كيلوغراماً حتى المئة يومياً والعامل الرابع هو بائع البسطة ويستمر عمله حتى ينتهي من بيع الخبز بأكمله. ‏

موقع فرن الصخرة على جوجل إيرث

ويؤكد "أسامة موصلي" أحد العاملين في الفرن منذ 27 سنة أن المرء إن لم يحب هذا العمل فلن ينجح فيه، مضيفياً: «إن مهنتنا مهنة تراثية بدأت تقل، لدرجة أن الكثير من السياح يأتون ويصورون الفرن وناره وطريقة العجن ويتذوقونه ويثنون علينا، وطوال فترة إقامتهم في دمشق نراهم كل يوم يمرون ويشترون».

وأكمل حديثه بالقول: «مر الفرن بعدد من التطورات وصولاً إلى الشكل الحالي، ففي السابق كان الخبز بالفرن يتم على الحطب فهو الوقود الأساسي، وهو وقود كان يميز طعم الخبز وينضجه على نار هادئة ولكن العمل تطور فدخل المازوت كوقود للحرق، كما كان العجن كله يدوياً، فدخلت العجانة الكهربائية ولكن المكان والطريقة ذاتها لم يتغيران ونتمنى أن نحافظ على هذا الفرن قدر المستطاع».

وعن مدى الإقبال على "فرن الصخرة" من روّاد المنطقة يحدثنا الشاب "محمد الحموي" بالقول: «كثيراً ما تشدني رائحة الخبز الطازج المنبعثة من الفرن على شرائه ساخناً أثناء تجولي في حي ساروجة مع أصدقائي، وفي بعض الأحيان نفضل تناوله مع صحن فول أو حمص نطلبه من أحد المطاعم القريبة، فيكون الفطور دمشقياً وسط المكان القديم بعبقه ورونقه وجاذبيته أيضاً».

وعن القيمة الأثرية للفرن كأحد معالم الحي حدثنا السيد "هيثم الفحل" مختار حي ساروجة بالقول: «لفرن الصخرة مكانة تاريخية ومعنوية لأهالي الحي، فعمره الذي قارب الـ200 عام جعله جزءاً من النسيج العمراني لهذه المنطقة، وتعرض كما تعرض حي ساروجة للحرق وقرارات الهدم عدة مرات بحجة إعادة تنظيم المنطقة، إلى أن صدر قرار في أيلول /2002/ بتحديد ساروجة كـشريحة أثرية، وتقرر أن يتم ترميم البيوت والمعالم المتبقية وحمايتها من الهدم، وكان ذلك بجهود أهالي دمشق مثل جمعية "أصدقاء دمشق القديمة" لوقف الزحف الأسمنتي على الأحياء التاريخية لدمشق».