رغم أن البعض يعتقد أنها مجرد مسجد صغير يختبئ بين أزقة "حي القيمرية"، إلا أن طرازها العمراني غدا أنموذجاً يستخدم في الأعمال الدرامية كدلالة عن المساجد الدمشقية الأصيلة، كما أنها تعتبر مهد أحد أعرق المعاهد الدينية في العالم الإسلامي، "معهد الفتح الإسلامي" الذي حمل اسمها.

مدونة وطن "eSyria" زارت "جامع ومدرسة الفتحية" بتاريخ 12/6/2013 والتقت إمامه الأستاذ "حسام الديري" الذي حدثنا عن الجامع بالقول: «ارتبط اسم "المدرسة الفتحية" بأسماء كبار العلماء الذين درّسوا فيه، من أبرزهم على الإطلاق العلاّمة الراحل "محمد صالح الفرفور" الذي كان يدير فيه حلقات علمية وذلك في أربعينيات القرن الماضي.

هو فتحي بن محمد بن محمد بن محمود الحنفي القلاقنسي (...) كان بدمشق صدر أعيانها وهو متولي التكية السليمانية

ولما اتسع نشاطه وكثر عدد طلابه أسس الشيخ الفرفور مع نخبة من كبار تلاميذه وثلة من عدد من التجار "جمعية الفتح الإسلامي" لترعى نشاطه العلمي وتشرف على طلابه وذلك عام 1956م، ثم تمخض عنها "معهد الفتح الإسلامي"، وهنا انقلبت الدراسة من حلقات دراسية إلى معهد تنظمت صفوفه على خمس درجات (صفوف) وشهادة، وفيه تخرج كثير من الأئمة والخطباء والمدرسين في سورية وغيرها من بلاد المسلمين.

داخل حرم المدرسة

وفي سنة 1957م أسس معهد خاص بالإناث ليعلمهن العلوم الشرعية، وهي أول نهضة من نوعها تقام في دمشق آنذاك، وما زال هذا المعهد بفرعيه قائماً مستمراً، يخرج المئات من طلبة العلم والدعاة والداعيات.

من أبرز الأسماء التي لازمت الشيخ "الفرفور" وتتلمذت على يديه وكان لبعضهم الفضل في تأسيس "جمعية الفتح الإسلامي" نذكر السادة الأعلام: "عبد الرزاق الحلبي، محمد أديب الكلاس، رمزي البزم، شعيب وعبد القادر الأرناؤوط، إبراهيم اليعقوبي، صبحي القيسي البغجاتي، سهيل الزبيبي، أحمد رمضان، نور الدين خزنه كاتبي، موفق النشوقاتي، أحمد نوناني القتابي، صبحي النمر، وعبد الفتاح البزم" وغيرهم.

حلقة لتحفيظ القرآن

وبعد تأسيس جمعية الفتح تحوّل الجامع الذي يتألف من طابقين و12غرفة إلى سكن لطلاب العلم وذلك في أواخر الثمانينيات، أما اليوم فتقام فيه حلقات لتحفيظ القرآن الكريم».

وبعيداً عن أهمية المكان العلمية لجامع "المدرسة الفتحية"، له جمال عمراني خاص به، وفي وصف البناء بيّن االدكتور "أسعد طلس" عند إحصائه لمساجد دمشق ضمن تحقيقه لذيل كتاب "ثمار المقاصد في ذكر المساجد" بالقول: «لجامع المدرسة جبهة حجرية نفيسة بزخارفها، فيها شباكان وبينهما الباب وفوقه أبيات من الشعر في تأسيس الجامع.

موقع المدرسة من المدينة القديمة

والصحن مفروش بالحجارة البيضاء والسوداء الجميلة، فيه العديد من القناطر وفيه بركة ماء لطيفة، وفي الجنوب إيوان ضخم جميل من حجارة يقوم على ثلاث قناطر فوقها ثلاث قباب بديعة الزخرفة وتحت القبة الثانية باب المصلى الخشبي المطعّم.

أما القبلية فتقوم على قنطرتين، ومن فوقهما قبة لها اثنتا عشرة كوة، ومن تحتها أربعة شبابيك جصية بديعة الزخرفة، ويحيط بالقبلية متران من الحجارة المطعمة والملونة، والمحراب ذو الزخارف الحجرية البديعة.

وللجامع منارة مثمنة تقع فوق الباب، وهذا المسجد من أروع التحف الفنية بزخارفه ونقوشه ومنجوره».

وعن مؤسس الجامع ذكر "المرادي" في "سلك الدرر" ما ملخصه: «هو فتحي بن محمد بن محمد بن محمود الحنفي القلاقنسي (...) كان بدمشق صدر أعيانها وهو متولي التكية السليمانية».

الطراز العمراني المميز للمدرسة جعلها قبلة للأعمال الدراميا، مما ساهم في جعل هذا الطراز نموذجاً تعرف به المساجد الدمشقية في العالم، يقول الشيخ "الديري" عن هذا الموضوع: «يستقبل الجامع في كل عام تقريباً كادر إحدى المسلسلات التلفزيونية التي تقصده لتصوير بعض المشاهد لاحتوائه على كافة تفاصيل البيت الدمشقي من بركة للماء في وسطه وقباب وقناطر وغرف متعددة، أذكر من تلك المسلسلات "الخوالي" على سبيل المثال لا الحصر».

وعن أبرز أنشطة الجامع اليوم يحدثنا إمامه "حسام الديري" قائلا: «تقام في الجامع بشكل دائم دورات لتحفيظ القرآن الكريم وخاصة لصغار السن، كذلك ينظم الجامع زيارات دورية لطلاب معهد الفتح، وفي رمضان جرت العادة على توزيع الطعام مجاناً للمحتاجين وإقامة موالد ذكر يزينها حضور بعض من كبار العلماء».

ويلاحظ أيضاً زائر الجامع أن معظم مصليه هم من الشباب العشريني وعند سؤالنا الشاب "زياد إدلبي" أحد المصلين عن السبب أجاب: «ربما يعود ذلك إلى موقع الجامع المتوسط من حارات القيمرية التي تعج بالزوار الشباب الذين يكونون موجودين في المطاعم والمقاهي المحيطة بالجامع والتي لا يوجد فيها غالباً مكان للصلاة، وبالنسبة لي فإني أجد فيه راحة نفسية يلاحظها أيضاً أغلب زائريه».