داخل حرم أحد أفخم فنادق مدينة "دمشق" يستوقفك بناء حجري لؤلؤي تزينه قبة حمراء حجرية هو وقف لمدرسة أيوبية اتخذت من "دمشق" مكاناً لإشعاعها الحضاري، تحاكي هذه المدرسة التي يبلغ عمرها تسعة قرون في طرازها المعماري الطراز الحديث للفندق لدرجة التناغم بين الأصالة والحداثة.

يقول السيد "زايد محمد سلطان" سائح ورجل أعمال كويتي استغرب من وجود هذا الجامع الأثري داخل حرم فندق "الفورسيزن" حيث قال: «في "دمشق" يدهشك تمازج الحضارات وتناغمها وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالمباني وطرازها، فخلال جولاتي في "دمشق" القديمة وفي توسعاتها المختلفة لاحظت أن الأبنية الأثرية تتلاصق مع كثير من المباني التي شيدت في القرن الأخير.

ظلت المدرسة لمدة سبعة قرون، ومازالت قائمة إلى اليوم بعد أن تم ترميمها من قبل دائرة الآثار

وجامع "فروخ شاه" مثال واضح على كون الطراز العمراني الأيوبي قادر على الانخراط والتناغم مع أي طراز عمراني حديث، بل تشعر بأنه درة تزين هذا الفندق الكبير».

جامع "فروخ شاه" يزين الشرف الأعلى

السيدة "امتثال الباني" أحد أقدم من سكن في "حي زقاق الصخر" -المجاور للفندق- ذكرت أن الجامع كان محاطاً بعدد من المباني العربية القديمة الطينية، وكانت كل هذه البيوت والدكاكين الموجودة أيضاً في الحي وقفاً لمصلحة هذه المدرسة الشرعية أو الجامع.

ولكن عندما بُدئ ببناء الفندق الحديث هدمت جميع المباني المحيطة بجامع "فروخ شاه" وبقي وحيداً وتم تصميم الفندق ليراعي وجود الجامع، ومن ثم تم تجديد الجامع ليصبح بشكله الحالي.

مخطط للبنائين

مدونة وطن "eSyria" بحثت عن تاريخ "جامع فروخ شاه" أو مدرسة "المدرسة الفروخشاهية" وبدأت مع الباحث التاريخي السيد "عبد القدر الريحاوي": «تقع المدرسة في "شارع الأرجنتين" الذي يصل بين قصر الضيافة القديم في شارع أبو رمانة وبين منطقة زقاق الصخر (الشرف الأعلى سابقاً) في قلب دمشق.

أوقفتها الخاتون "خطي الخير" -زوجة الملك نور الدولة- شاهنشاه بن نجم الدين أيوب (شقيق السلطان صلاح الدين الأيوبي)، الذي استشهد على تخوم بلاد الشام سنة 543هـ؛ المتوفاة عام 629 هـ، وكان الوقف لابنها "فروخ شاه" الملك المنصور معز الدين صاحب بعلبك الذي أناب "دمشق" لعمه صلاح الدين؛ وكان أديباً مطبوع النظم والنثر وله أشعار كثيرة؛ كريماً متواضعاً شجاعاً، حارب الفرنجة وأبلى بلاء حسناً في موقعة مرج العيون، لقب بمعز الدين توفي سنة 579هـ1183م وبعد وفاته أمرت والدته بنقله إلى دمشق ودفن في تربته إلى جانب مدرسته».

صورة فضائية للجامع

أما الأستاذ "عماد الأرمشي" /مؤرخ متخصص بآثار دمشق/ فكتب في وصفه للمدرسة بقوله: «يتألف بناء التربة من جبهة حجرية عريضة، مربعة الشكل عالية البنيان، ذات قاعدة حجرية ضخمة؛ تتضاءل في حجمها في المداميك العلوية، ويعلو البناء قبة ملساء رقبتها مسدسة الشكل بها نوافذ صماء؛ برزت من إحدى النوافذ مئذنة خشبية قديمة جداً نصف دائرية تغطيها مظلة على غرارها؛ يعلوها سوجق مثمن طويل يحمل قلنسوة مخروطية الشكل مصفحة بالتوتياء ترجع إلى الفترة العثمانية».

استعملت المدرسة الفروخشاهية لتدريس المذهبين الشافعي والحنفي، وقد ذكر المؤرخ الدكتور "أكرم حسن العلبي" في كتابه "خطط دمشق" حول هذه المدرسة: «على باب المدرسة نص الوقف، جددت عام 1407 هـ وتحولت إلى مصلى صغير، تعلوه قبة شاهقة وبقيت جدران المدرسة الشمالية والشرقية واضحة للعيان.

ولصيق الفروخشاه تقوم المدرسة الأمجدية 629هـ بناها الملك المظفر عمر بن الأمجد بن فروخشاه صاحب بعلبك الذي ولي عليها خمسين عاماً بعد أبيه، وكان أديباً فاضلاً وشاعراً وله ديوان شعر؛ قتله أحد مماليكه عام 628هـ ودفن في تربته التي أوصى بإنشائها بجانب تربة أبيه من الجهة الجنوبية وجعلها مدرسة للشافعية، تتألف التربة الأمجدية من جدر ضخمة قوية غاية في المتانة، في جدارها القبلي باب يوصل إلى قبة أصغر بها قبر من الحجارة الكبيرة. ارتفاعه عن الأرض أكثر من ذراع ولها باب من الجانب الغربي، كان أمامه بركة ماء صغيرة يرفدها الماء العذب من نهر ثورا».

وختم بقوله: «ظلت المدرسة لمدة سبعة قرون، ومازالت قائمة إلى اليوم بعد أن تم ترميمها من قبل دائرة الآثار».