لم يكن مكان القبة (الخيمة) التي نصبها الصحابي الجليل "خالد بن الوليد" عند حصاره لدمشق؛ ليترك مكاناً اعتيادياً بعد فتحها، فلقد حازت هذه البقعة على مكانة خاصة عند جنوده وعند أبناء دمشق فيما بعد على حد سواء، وعندما دفن العارف بالله "ارسلان الدمشقي" بالقرب من هذا المسجد أصبح المكان يعرف ضريح "الشيخ ارسلان" واختفى اسم مسجد "خالد بن الوليد".

تحولات كبيرة طرأت على هذا المكان، فقد ذكرت السيدة "ناديا الغزي" شهادة عن الخادمة الأناضولية "زاهدة" التي جاءت دمشق كخادمة أوائل القرن العشرين حيث تذكر أن مقام الشيخ "ارسلان" كان يتوسط بستاناً فسيحاً، وهنا قالت: حين قدمت من الأناضول إلى القسطنطينية بيعاً، ثم إلى دمشق كان ذلك في الربع الأول من القرن العشرين، وكنا نسمع كثيراً عن متنزه يتوسطه مقام يدعى "مقام الشيخ رسلان" كما يطلق عليه أهل دمشق، ولقد وددت بيني وبين نفسي زيارة هذا المتنزه وذاك المقام برفقة السيدة الشابة التي تعاملني كأخت وليس كخادمة والتي كانت تؤمن بالكرامات والأولياء، فتجرأت ذات مرة وسألتها عن هذا المكان الذي يذهب إليه أهل الشام، وعن الشيخ رسلان فأجابتني: أما "الشيخ رسلان" يا "زاهدة" فهو الشيخ "أرسلان بن يعقوب بن عبد الرحمن الجبري"، في بداياته كان يعمل نشاراً للخشب لكنه كان يتصدق بثلثي أجره، ولقد كان شيخاً زاهداً صالحاً، وولادته كانت بدمشق، وتوفي عام 696 هـ أي 1300 ميلادية. وقد بني جامع "الشيخ أرسلان" في العهد الأتابكي سنة 550 هـ (أي أن جامع كان موجودا قبل ولادة الشيخ ارسلان)، والشيخ كان يقيم في ذاك البستان خارج السور.

ألف سنة مضت ومازال اسم الشيخ أرسلان يتردد بين ألسنة العامة؟

عجبت، وتساءلت: «ألف سنة مضت ومازال اسم الشيخ أرسلان يتردد بين ألسنة العامة؟».

الصورة الفضائية للمقام والمقبرة المحيطة بع

فأجابت:«أنت لن تفهمي قط معنى أن الشيخ ألف رسالة في التوحيد، وتوجد نسخة منه في المكتبة الظاهرية بدمشق، وإني سأزور مقامه الكريم ولسوف أصطحبك معي.

ذهبنا في العربة الحنطور المغلقة السوداء التي تجرها الخيول لا البغال، والتي كانت ملكاً لأسرة السيدة وزوجها، واخترقنا المدينة بمحاذاة نهر بردى حتى وصلنا إلى السور الضخم الذي يعلن قدم وعراقة الشام، وبعد أن اخترقنا السور وتجاوزنا- باب توما- بدأت الجنان تظهر رائعة، مزهوة، مخضرة فالورد في كل مكان، وكادت مياه النهر تلامس سطح الأرض، تتغلغل فيها رشاقة سواقي تذهب هنا وهناك، بمائها الصافي وبألوان حصاها الغريبة، وكان الناس منتشرين في متنزه الشيخ رسلان، وفي المنتصف شاهدنا قبة خضراء تجلل جامعاً صغيراً مربعاً وفي داخله كان قبر الشيخ أرسلان، وأمام النوافذ القليلة المحددة بمربعات ثخينة تجمع النساء والرجال والأطفال طالبين الرجاء من الله لتحقيق آمالهم.

المكان الذي نصب فيه الصحابي خالد بن الوليد

مضت "خمسون عاماً" على هذه الحادثة، حيث ماتت السيدة ومات السيد قبلها.. وذات يوم ضاقت بي الدنيا فقررت أن أزور مقام الشيخ أرسلان.

القبة مازالت خضراء كما هي، لكن البستان كان قد زُرع قبوراً تحيط بمقام الشيخ الجليل تبركاً، فسألت: هل هي قبور أحفاد الشيخ فقالوا بل هي قبور من تبركوا بالدفن قرب هذا المقام».

الشيخ "محمد عدنان المجد"

ضريح "الشيخ ارسلان" بجوار مسجد الصحابي "خالد بن الوليد"، ورغم أن آثار المسجد اختفت إلى أنه في النصف الثاني من القرن العشرين أعيد بناء المسجد من جديد بعد أن دفن أحد الأولياء إلى جانب ضريح "الشيخ ارسلان" وهو العارف بالله "أحمد الحارون".

مدونة وطن "eSyria" عادت لتبحث عن قصة هذا المكان من خلال رسالة الباحث التاريخي "محمد علي مادون" التي ألفها بعنوان "مسجد مضيّع" فقرأنا: «لقد أقام خالد بن الوليد رضي الله عنه خيمته عند باب توما، والباب الشرقي وذلك يوم حصاره لدمشق، ولقد ابتعد بتلك القبة "الخيمة" –التي غنمها من اليمن وكانت من جلود حمراء- عن سور دمشق مسافة ليست بكبيرة. ولقد تأملت طويلاً فلم أجد مكان تلك القبة فأعملت جهدي معتمداً على ما ورد من أن مكانها كان يبتعد عن سور المدينة مدى السهام حوالي /150/مترا، وأن هذا السور الموجود اليوم ليس السور القديم بل هو توسعه له، وأن وجود مسجد الشيخ رسلان في هذا المكان يدعو إلى التساؤل والتفاؤل، وبعد البحث والاستقصاء لمدة تعدت /15/ عاماً نقل لي أحد أصدقاء مشاهدته لنقوش في المقبرة وبعد التأكد من صديقي الدكتور الباحث "قتيبة الشهابي" الذي أمدني ببعض الصور تم التأكد من مكان المسجد الذي أقيم زمن سيدنا "خالد بن الوليد" مكان تلك القبة».

كما أورد "عزة حصرية" في كتابه "إمام السالكين وشيخ المجاهدين الشيخ أرسلان الدمشقي" عن تاريخ هذا المسجد الذي اتخذه "الشيخ ارسلان" كمكان للمرابطة والعبادة بالقول: «مسجد خالد بن الوليد والشيخ أرسلان يقع في أقصى الجانب الشرقي من مدينة دمشق تتكلم الضخور وتتحدث الحجارة والأتربة عن بطولات سيف الله "خالد بن الوليد" لما أقام خيمته عند النهر المجدول بقرب من "الصفوانية" وهو الذي يسمى الآن نهر الداعياني».

وتابع "حصرية" القول: «ثم خرج الشيخ أرسلان إلى ظاهر باب توما إلى مسجد خالد بن الوليد الذي لم يبق من آثاره غير بابه والمحراب، وهذا المسجد أقيم على مكان خيمة خالد بن الوليد –رضي الله عنه- ولم يزل يتعبد فيه ويعظ ويرشد ويناضل ويكافح إلى أن انتقل إلى الرفيق الأعلى».

وأضاف: «وفي عام 1962 بادر عدد من أبناء دمشق وتدارسوا الأمر مع وزارة الأوقاف –أمر وصية العارف بالله الشيخ "أحمد الحارون" المتضمنة دفنه في الضريح الأرسلاني- وانتهى البحث إلى استصدار قرار وزاري بإنشاء لجنة تقوم ببناء وتوسيع مسجد الشيخ أرسلان، فأنجرت تغطية "نهر الداعياني" كخطوة لبناء المسجد الجديد، ثم تحقيق إعادة بناء مسجد خالد بن الوليد الذي لم يبق منه إلا أرضه وبابه» .

اليوم نجد أن مسجد "خالد بن الوليد" يعرف بإسم "مسجد الشيخ أرسلان" وهو عباره عن مسجد حديث بنى في الستينات، مكون من ثلاثة طوابق وبجانبه ضريح "الشيخ أرسلان"، والشيخ "محمد صالح فرفور"، والعارف بالله "أحمد الحارون"، وبينهما تقع قبب أثرية تحتوي مكتبة تضم بعض المراجع الهامة، وإلى جنوب المسجدين والأضرحة والمكتبة توجد مقبرة كبيرة تعرف "بمقبرة الشيخ أرسلان".

يقول الشيخ "محمد عدنان المجد" إمام مسجد "الشيخ رسلان" والقائم المسؤول على القبب الأثرية والأضرحة الموجودة في لقاء مع مدونة وطن بتاريخ 12/11/2012: «يأتي لزيارة ضريح "الشيخ أرسلان" وضريح العارف بالله "أحمد الحارون" كل يوم عشرات الزائرين من دمشق وخارجها، كما يجري اليوم إعاده إعمار مكان القبة الصحابي خالد بن الوليد، وتم تحديد المكان تماماً وهي تقع على بوابة المقبرة بعيدة عن ضريخ الشيخ ارسلان مسافة لا تتعدى /7/ أمتار».