هو أول قصر سكنه الملك "فيصل" عند دخوله دمشق، وخصص بعيد دخول قوات الاحتلال الفرنسي إلى دمشق كسكن للمفوض السامي الفرنسي، ماتزال جدرانه إلى اليوم تحتفظ بكثير من الأدوات التي استعملت في تلك الفترة الهامة من تاريخ سورية الحديث.

إنه قصر "عثمان نوري باشا" المليئ بالقصص والأسرار الذي يشغل اليوم سفارة "جمهورية فرنسا" في دمشق، والذي بناه الوالي "عثمان نوري باشا" في الربع الأخير من القرن التاسع عشر، مدونة وطن "eSyria" التقى السيد "عرفان السيد" من سكان حي العفيف الذي تحدث عن بعض القصص التي يعرفها عن هذا القصر:

هو من القصور الجميلة في دمشق كلها غير أن كثير منا –سكان دمشق- لم نحظى بفرصة لزيارته لأنه مازال يستعمل إلى اليوم بصفته الرسمية كسفارة لفرنسا، ويقال أن "عطا بيك الأيوبي" -وهو من وجهاء دمشق في فترة الثلاثينيات- قام ببناء قصر مشابه ومجاور لقصر نوري باشا وحرص على متابعة الطراز العمراني والزخارف الموجودة الخاصة بقصر "نوري باشا"، لذا من يدخل "قصر عطا بيك الأيوبي" الموجود في الجادة التي سميت بإسم القصر "جادة عطا بيك" يمكنه تخيل "قصر نوري باشا"

«هو من القصور الجميلة في دمشق كلها غير أن كثير منا –سكان دمشق- لم نحظى بفرصة لزيارته لأنه مازال يستعمل إلى اليوم بصفته الرسمية كسفارة لفرنسا، ويقال أن "عطا بيك الأيوبي" -وهو من وجهاء دمشق في فترة الثلاثينيات- قام ببناء قصر مشابه ومجاور لقصر نوري باشا وحرص على متابعة الطراز العمراني والزخارف الموجودة الخاصة بقصر "نوري باشا"، لذا من يدخل "قصر عطا بيك الأيوبي" الموجود في الجادة التي سميت بإسم القصر "جادة عطا بيك" يمكنه تخيل "قصر نوري باشا"».

إحدى قاعات القصر من الداخل

يقع قصر والي دمشق عثمان نوري باشا عند زاوية التقاء شارع عطا الأيوبي بجادة العفيف، وقد ذكر الدكتور صلاح الدين المنجد في كتابه (ولاة دمشق في العهد العثماني) أن عثمان نوري باشا تولى ولاية دمشق مرتين منذ عام 1889 – 1890 و الثانية 1892 – 1893 ومن هذا المنطلق جزم الدكتور قتيبة الشهابي أن قصر عثمان باشا أو قصر نوري باشا .. وهما اسمان لشخص واحد .. قد شُيد بين هذين التاريخين وكان معه والده واسمه: الوالي حاجي عثمان نوري باشا.

وقد ذكر "وصفي المالح" الذي شغل منصب "مدير المدخل الخاص للأمير فيصل": «أقام في هذا القصر "سمو الأمير فيصل" /1918 – 1920/، وكان يستقبل الشخصيات السياسية في القاعة الكبيرة التي تطل على الشارع بنهاية طلعة العفيف، وينام في القسم الثاني من القصر، ثم ينزل صباحاً إلى المقر الكائن بالجسر الأبيض حيث تقيم الوزارة وموظفو الدائرة، وفي سبيل الوصل بين القصرين .. استؤجرت الأرض الداخلية بين الجسر والعفيف .. أُنشئت فيها الحدائق الغناء وزرع فيه الشجر المثمر والورود والياسمين، كما أقيمت فيها بحرات المياه وزينت بالمصابيح الكهربائية و النوافير..».

صورة فضائية للقصر

يقول الأستاذ "عماد الأرمشي" باحث في تاريخ دمشق: «في عام 1919 استقبل الأمير فيصل في هذا القصر (لجنة كراين) الأمريكية لتقصي حقائق الانتداب الفرنسي على الشام ، وفي يوم الثامن من آذار 1920 تم تتويج الأمير فيصل ملكاً على سورية باسم (فيصل الأول) في قصر الوالي ناظم باشا، و بعدها انتقل للإقامة في قصر (ناظم باشا) بالمهاجرين، ولكنه بقي يدير أمور الحكم من هذا القصر.

بقي قصر (عثمان باشا) مكاتب و إدارات حتى بداية الاحتلال الفرنسي لسوريا عام 1920 للميلاد.. حيث صار مقراً للمفوض السامي الفرنسي ، وعُرف منذ ذلك الوقت باسم (المفوضية) حتى كان الجلاء في عام 1946 للميلاد فشغلته السفارة الفرنسية منذ ذلك الحين وما زال.

قصر نوري باشا - السفارة الفرنسية في دمشق

ونستطيع القول أن هذا القصر هو أول قصر تم من بين جدرانه تداول أمور الحكم في بلاد الشام . وفي الحقيقية لم نتمكن من معرفة تفاصيل كثيرة عن شكل القصر من الداخل و الخارج ، ولم يقم أحد من مصوري تلك الحقبة مثل : ( فرانسس بدفورد ) و ( جين شارلز ) و ( تانسريد دوماس ) ثم المصور ( بيتر بيرغهام ) علاوة عن المصورين العرب في العقود الأولى من القرن العشرين مثل : (سكافو) و(سليمان الحكيم) و(جورج شاوي) و(حليم أسبر) من تصويرة من الخارج أو من الداخل.

وقد ذكر الدكتور عمرو سالم : أنه من أجمل الأفكار التي رأيتها أنهم وضعوا صوراً قديمة بالأسود والأبيض في زوايا وأماكن مختلفة من البناء تظهر لقطات لأحداث أو مناسبات شهدها نفس مكان تعليق الصورة.

كذلك فإن الغرفة التي اتخذها الجنرال ديغول مكتباً له أثناء زيارته ، ما تزال كما تركها. حتى أن القلم الذي استخدمه ما يزال موجوداً تماما كما تركه على طاولة المكتب».

من القصص الشهيرة التي يقال أنها حدثت في هذا القصر أنه أقيمت مأدبةٌ في هذا القصر (*) حضرها وزراءُ وعددٌ كبير من وجهاء المدينة، وأخذ غورو القائد الفرنسي يمتدح منظر دمشق وغوطتها أثناء الطعام، ثم أجال نظره في القاعة التي هم فيها، وكأنه أراد التهكم والاستخفاف بالملك فيصل فقال: "أهذا هو القصر الذي سكنه فيصل؟" فأجابه فارس الخوري: "نعم، يا صاحب الفخامة، هذا هو القصر الذي سكنه الملك فيصل، وقد بناه والٍ عثماني اسمه نوري باشا، ثم حلَّ فيه جمال باشا، والآن تحلُّونه فخامتكم. وجميع مَن ذكرتُهم أكلنا معهم في نفس القاعة، وكلهم رحلوا، وبقي القصر وبقينا نحن".

(*): هذه القصة حدثت في قصر نوري باشا وبعض الروايات تقول أنها حدثت في قصر ناظم باشا (القصر الجمهوري القديم في المهاجرين).. حيث أن القصران كانا يتبادلان استضافة المناسبات الاجتماعية الخاصة بحكام دمشق وإدارة البلاد.