هو رمز من رموز الجمهورية العربية السورية، ومكان يعبر عن سيادة الشعب، لذا حمل عمرانه قيماً معنوية في نفوس جميع السوريين.

إن اختيار مقر البرلمان كان دقيقاً ويعبر عن مكانته السياسية والاجتماعية، فهو يقبع وسط "دمشق" مشرفاً على أحياء "دمشق القديمة" ومطلاً على "قاسيون"، ومجاوراً لأسواقها، والأهم أنه بني بأيدٍ سورية وزين بنقوش تعبر عن مختلف الحضارات العربية والإسلامية التي مرت على "سورية".

كنت أخدم في سلك "الدرك"، وقد تم فرزي مع عدد من قوى الأمن الداخلي "الشرطة والدرك" لمساندة الحامية الخاصة بمجلس النواب، وصبيحة ذلك اليوم استشهد /28/ شرطياً ودركياً سورياً بنيران القوات الفرنسية، والتي أدى قصفها العنيف إلى تضرر بناء المجلس وتدمير قاعة اجتماعات النواب

"eSyria" زار مجلس الشعب بتاريخ 1/3/2011 للتعرف على تاريخ بناء "مجلس الشعب" أو ما يطلق عليه "البرلمان"، والتقى الدكتورة "عزة آقبيق" المختصة بالتاريخ الحديث والمعاصر، والتي بدأت بقولها: «لابد من الإشارة في البداية إلى أن مبنى "مجلس الشعب" يعتبر أيقونة سورية جميلة، ومعلماً عمرانياً عالمياً فهو من ضمن المباني المسجلة في قائمة التراث العالمي، ورقمه /140/ من أصل /216/ مبنى مسجلاً.

وقد مر "البرلمان السوري" بثلاث مراحل بناء أساسية حتى أصبح على الهيئة التي هو عليها اليوم، كانت أولاها حين أمر بإنشائه عام /1928/، وتم الانتهاء من هذه المرحلة عام /1932/.

وهنا أحب أن أضيء على ناحية مهمة؛ أن البرلمان السوري بني بأيد سورية وأشرف على بنائه وعلى زخرفته فنان دمشقي يدعى "محمد علي الخياط" (*)، رغم أنه بني زمن الانتداب الفرنسي، حيث تجد أن البناء رغم تأثره بالطراز العمراني الفرنسي الذي ساد الأحياء الدمشقية التي بنيت خلال تلك الفترة، إلا أنه شيد بنفس دمشقي عتيق.

بدأ البرلمان ببنائين متلاحمين؛ الأول مؤلف من طابقين، الطابق الأول مدخله من بوابة الصالحية، ويتألف من بهوين وقاعة للاجتماعات و/9/ غرف.

أما الطابق الثاني فيحتوي على بهو و/3/ غرف، وشرفة مطلة على قاعة الاجتماعات- مخصصة لجلوس المستمعين-، كما يحتوي هذا المبنى على طابق تحت الأرض مؤلف من بهو و/5/ غرف.

برلمان على أنقاض سينما جناق قلعة

والبناء الثاني كان عبارة عن طابق أرضي، بابه من جهة مبنى "وزارة الاتصالات" الحالية- التي كانت زمن الانتداب الفرنسي مقراً للدرك، ويقال إن هناك سرداباً تحت الأرض يربط بناء البرلمان مع ذلك المقر، حيث كان يستخدم لتنقلات الدرك-، ويتألف هذا الطابق من بهوين وقاعة و/7/ غرف.

وهنا يجب أن نشير إلى أن "قاعة الاجتماعات" الموجودة في هذا المبنى احتضنت اجتماعات المجالس النيابية السورية من عام /1932/ إلى /1954/، وقد تعرضت في عام /1945/ إلى التخريب إثر تعرضها لقصف مدفعي فرنسي إدى إلى استشهاد /28/ دركياً وشرطياً من حامية البرلمان، وقد تحولت هذه القاعة- بعد بناء قاعة الاجتماعات الجديدة- إلى قاعة لاستراحة أعضاء مجلس الشعب.

في عام /1947/ بدأت المرحلة الثانية من مراحل توسيع مبنى البرلمان السوري بأمر من السيد "سعد الله الجابري" رئيس مجلس النواب آنذاك، واستمرت عملية إعادة الترميم والبناء /7/ سنوات، حتى عام /1954/، حيث أضيف للبناء القديم بناءين، بناء يحتوي على قاعة اجتماعات كبيرة تتسع للعدد الأكبر من النواب، وبناء توءم للبناء القديم».

الضابط المتقاعد "محمد شريف منعم" والذي كان ضمن الحامية السورية التي دافعت عن "البرلمان السوري" بتاريخ "29/5/1945"، تحدث لـ"eSyria" عن ذلك اليوم بالقول: «كنت أخدم في سلك "الدرك"، وقد تم فرزي مع عدد من قوى الأمن الداخلي "الشرطة والدرك" لمساندة الحامية الخاصة بمجلس النواب، وصبيحة ذلك اليوم استشهد /28/ شرطياً ودركياً سورياً بنيران القوات الفرنسية، والتي أدى قصفها العنيف إلى تضرر بناء المجلس وتدمير قاعة اجتماعات النواب».

وقد تحدث الدكتور "سامي مبيض"- الأستاذ في كلية العلاقات الدولية في جامعة القلمون والمؤرخ في تاريخ "دمشق"- أن شركة "نظريت يعقوبيان" للمقاولات هي الجهة التي أشرفت على عملية إعادة ترميم وبناء المجلس بعد قصف عام /1945/.

يطلق على "قاعة الاجتماعات" الحالية في مجلس الشعب، قاعة "القبة"، ولها حرمة في الدستور السوري؛ إذ لا يجوز أن يدخلها إلا من أقسم "رئيس الجمهورية، أعضاء مجلس الشعب، رئيس مجلس الوزارء والوزراء"، يضاف لهم أعضاء السلك الإداري في "البرلمان"، الدكتورة "عزة آقبيق" تحدثت عن قاعة القبة" بالقول: «"قاعة الاجتماعات" خصصت لـ/140/ مقعداً ولكنها اليوم تستوعب /250/ مقعداً- عدد أعضاء مجلس الشعب إضافة إلى المقاعد مخصصة للسلطة التنفيذية-، وقد عقدت أولى الجلسات في هذه القاعة بتاريخ "14/10/1954".

وقد تم في هذه المرحلة بناء شرفات تطل على قاعة الاجتماعات، تحتوي على /300/ مقعد للزائرين، وخصصت شرفة لرئيس الجمهورية، وأخرى لكبار الزائرين الأجانب وشرفة خاصة لكبار موظفي الدولة وشرفة خاصة بالإعلاميين».

الدكتورة "عزة" ختمت حديثها بذكر آخر التجديدات التي طرأت على بناء "البرلمان" بالقول: «المرحلة الثالثة من مراحل بناء البرلمان السوري، كانت زمن رئاسة "فارس الخوري" حيث ارتأى أن القاعات التي كانت موجودة آنذاك لاجتماعات اللجان البرلمانية وسكرتارية المجلس لم تعد كافية، فأمر ببناء /7/ غرف في الطابق الأرضي، وكذا /7/ غرف في الطابق العلوي، وفي عام /1999/ جددت قاعات المجلس ومداخله، وتم إشادة بناء إضافي يحتوي على /3/ طوابق ويتضمن قاعاتين لاجتماعات لجان المجلس و/10/ غرف، كما تم توسيع حديقة المجلس في تلك الفترة».(**)

الجدير بالذكر أن "مجلس الشعب" يتبع له كادر إداري لتخديم أعضاء مجلس الشعب المنتخبين ومتابعة قراراتهم، وهم موزعون على عدد من المديريات الخاصة بالمجلس، وللبرلمان السوري كذلك قوة حماية تتبع مباشرة لأمر "رئيس المجلس".

(*) : محمد علي الخياط الملقب "أبو سليمان": رسام ونجار وخطاط ومزخرف سوري، ولد في دمشق- حي العمارة- لأسرة فنية تعمل في تصنيع مادة الخشب وزخرفته وتزيينه، وعمل برفقة أولاده في الإشراف على زخرفة عدد من القصور والمباني الشهيرة في سورية وخارجها.

(**) : تم الاستعانة عند كتابة هذه المادة بالوثائق الموجودة في مكتبة "مجلس الشعب"، ووثيقة من مدير عام اليونسكو في دمشق "13/7/1977"، والاتصال مع الدكتور "سامي مبيض".