أحدهما حاضر والآخر رحل، لكنه لم يغب على الإطلاق، جلسا في "دمشق" تحت ظلال حقيقة واحدة هي أن الاثنين ما زالا على قيد الإبداع، لقاء بين عملاقين بمناسبة الذكرى العاشرة لتوقف المزيد من العلاقات العاطفية بين الألوان والزيت والقماش وبين أصابع وبصمات "المدرس" المتجددة، تمثل بحفل توقيع كتاب يحمل اسم "فاتح وأدونيس.. حوار" في صالة "أتاسي" بحضور الشاعر الكبير "أدونيس"، ونخبة من فناني وأدباء ونقاد سورية والمهتمين بالنشاطات الثقافية.

موقع "eSyria" بتاريخ 28/6/2009 حضر الحفل، وهنا التقينا السيدة "منى أتاسي" صاحبة غاليري "أتاسي" ومنظمة هذا اللقاء الأدبي التشكيلي الذي بدأ حواراً من منزلها ليقدم كتاباً بعد /11/ عاماً في صالتها: «بعد مرور /10/ سنوات على وفاة "فاتح المدرس" كانت هذه التحية أفضل ما يمكن تقديمه لروحه، فوجدت أن الوقت أصبح مناسباً جداً لخروج هذا الحوار من الأدراج ليطبع وينشر ويصبح بمتناول الجميع، فهو جرى بين شخصين استثنائيين كل منهما يقدر قيمة الآخر، وهنا أحيي كثيراًُ الأستاذ "أدونيس" لتعاونه بتقديم هذا المشروع فهو من أدار الحوار الناجح والمهم الذي كان قبل عام من رحيل "المدرس" ليُعرف الجيل المعاصر بجانب مهم جداً من شخصية "المدرس"».

تكمن أهمية هذا المشروع بطباعة الحوار على شكل كتاب ليصبح في متناول جميع الناس، وبالتالي هي فرصة لنمتلك مدونة، فنحن للأسف وبشكل عام لا نقرأ فكيف إن لم نمتلك ما نقرأه

الكتاب "فاتح وأدونيس... حوار" يأتي على غلاف أبيض يخلو إلا من هذه الكلمات الثلاث حيث ترى "أتاسي": «إن الحوار قام بين شخصين استثنائيين لن يتكررا»؛ لذلك لم تُرد أن "يشوش" عليه أي شيء.

حضور كبير

هنا في "أتاسي" طاولة تتوسط فسحة الصالة الخارجية من حولها وجوه ملؤها تواضع اللقاء بالشاعر "أدونيس" وهو جالس بين أبناء بلده ليوقع كتاباً لم يسطره إنما هو فيه محاور لصديقه "المدرس"، وأثناء ذلك التقينا بالدكتور "علي القيم" معاون وزير الثقافة: «هذا لقاء العمالقة جمع منذ أكثر من عشر سنوات بين "فاتح" و"أدونيس" ونحن هنا لنستعيد هذه اللحظات الحميمية بين الأديبين والفنانين الكبيرين فهما علامة فارقة في تاريخ الأدب والفن في سورية بل في الوطن العربي».

يتابع الدكتور "علي القيم": «"فاتح" فنان له مدرسته ورواده وخصوصيته فقد أثرى الفن العربي بما هو ممتع وبسيط وجميل في عالم الفن التشكيلي، كما "أدونيس" ترك بصمته في عالم الأدب والشعر ليس فقط على مستوى عربي بل وعالمي أيضاً، هذا اللقاء لن يتكرر كثيراً في حياتنا الأدبية والثقافية والفنية، وأنا سعيد لأنني رافقت هذه التجربة في كثير من مراحلها وخاصة مع الفنان الكبير "فاتح المدرس" فكانت تربطني به صداقة جيدة وكنت من أواخر الذين التقوه في الحياة؛ فقمت بإعداد كتاب عنه ووزعته مجاناً في ذكرى أربعين رحيله، في النهاية أقول أنه لاشك بأن هذه التجربة رائدة وتستحق صالة "الأتاسي" الشكر على هذا العمل وهذا المنجز الحضاري الجميل».

أدونيس

الكتاب يقع في /157/ صفحة مقسمة إلى أربعة أجزاء هي أيام الحوار الأربعة، كما يحوي بعض رسومات "المدرس" وتختتمه بعض الرسائل من "المدرس" إلى "أدونيس" أرسلها بين عامي 1970 و1998، من وحي هذا الكتاب يرى الفنان "أحمد معلا": «تكمن أهمية هذا المشروع بطباعة الحوار على شكل كتاب ليصبح في متناول جميع الناس، وبالتالي هي فرصة لنمتلك مدونة، فنحن للأسف وبشكل عام لا نقرأ فكيف إن لم نمتلك ما نقرأه».

يضيف "معلا": «بوجود هذا الكتاب قَُدمت الفرصة الذهبية، وعلى كل متلقي أن يتعامل معه على أنه وثيقة لنمتلك القدرة على أن يكون لنا مواقف ومواقع من هذا الحوار، فبالتأكيد "أدونيس" و"فاتح" ليسا بحاجة إلى المديح ورفع القيمة فهما يمتلكان من القيمة ما يمتلكان، وبرأيي هذا الكتاب هو فرصة لنا لنتعرف على مرحلة من مراحل فكر بلادنا وكأننا (ننبش) عما جرى سابقاً، فبالنهاية أي إطلاع هو إضافة مهما كانت نوعية الاطلاع لكن تبقى المشكلة كيف نحن نطلع».

ليزيد من تفاصيل المعلومة يوزع ملحق بالكتاب، وفي إصدار خاص بالمناسبة، عرض فيلم وثائقي كان قد أخرجه ثلاثة مخرجين سوريين هم "عمر اميرلاي"، و"أسامة محمد"، و"محمد ملص" عن "المدرس" قبل رحيله، وأثناء عرض الفيلم خلال حفل توقيع الكتاب التقينا بالشاعر "عادل محمود" الذي قال: «وجود "أدونيس" في "دمشق" بادرة مهمة، وبمجرد وجوده تُخلق حركة ثقافية جدية، أما عن موضوع حوار الكتاب فكان موضوعاً مهماً جداً بين شاعر ورسام، وقد حضرت هذا اللقاء في حينه كان لقاءً بالغ الأهمية لعكسه رؤية الشاعر للفن، ورؤية الفنان للشعر».

لم يكن الشاعر الكبير "أدونيس" في "الأتاسي" ليلقي شعره أو يهدي كلماته وأدبه، كان حضوره صامتاً رقيقاً، منح كل من أراد ابتسامة وصورة وتوقيعاً، قريباً من مكان جلوسه وبين حشد أدبي وثقافي ضخم التقينا بالأستاذ "صباح حديدي" فنان تشكيلي وصحفي: «الحوار بين "أدونيس" و"فاتح المدرس" فيه شيء أساسي وجوهري مشترك هو أنهما يعملان في مجال الفكر والإنسانية، حيث الأدب توجد قواسم مشتركة وكبيرة بينه وبين الفن فكلاهما إبداع فكري في سبيل تذكير الإنسان بإنسانيته».

يتابع "صباح": «الحوار كان قائماً على أساس تقمص "أدونيس" شخصية الصحفي وجعل "فاتح المدرس" يروي عن فنه وحياته وأفكاره، وأنا أرى أنه على جيل الشباب الاطلاع على هذه التجارب التي تحصل بين فنانينا وأدبائنا الكبار لأن هذه الحوارات مهمة جداً لدعم الحركة الثقافية، فكل جيل جديد بحاجة إلى توجيه وقيادة نخبوية».