أ.د. باسل سليمان رئيس مجلس أمناء شبكة العلماء والتقنيين والمبتكرين السوريين في المغترب (نوستيا) رئيس مؤتمر ايكتا، أكد في مقابلة خاصة أن المؤتمرات العلمية تتميز عن المؤتمرات الأخرى بكونها نبعاً و منجماً يتم من خلالها عرض و نقاش آخر ما توصلت إليها الفرق البحثية من إنجازات على الصعيدين الأكاديمي و الصناعي .

من هذا المنطلق يجب علينا النظر إلى هذه المؤتمرات على أنها مصدراً مميزاً للمعلومات ينهل و يستفيد منها من شاء و هي ملتقى يضم خيرة الخبراء فمن شاء النقاش و الاستفسار و بناء العلاقات فهذا هو خير مكان .

الاستنتاج المباشر لهذه الرؤية تكمن في أن الاستفادة من هذه المؤتمرات تقع على عاتق أصحاب الحاجة العلمية بشكل أكبر بكثير من المحاضرين أو المنظمين لهذه المؤتمرات . خير دليل على ذلك دراسة أوروبية أظهرت أن الأوراق البحثية تتحول إلى تطبيقات و متجات صناعية وفق النسب التالية : 10% خلال عام واحد بعد عرضها, 25% بعد ثلاثة أعوام, لتستقر على 40% بعد خمس سنوات.

هذه الدراسة هي خير دليل على أن المؤتمرات العلمية هي المصدر الرئيسي لاستشفاف المستقبل العلمي و الصناعي و ذلك في كافة المجالات العلمية .

إن تحقيق الإستفادة المثلى من المؤتمرات العلمية يشترط معرفة حاجات و إمكانيات المستفيد مسبقاً و كذلك إلى التخطيط الدقيق لآلية الإستفادة العلمية .

س: ما هي المحاور التي يمكن الاستفادة منها, خلال مؤتمر إيكتا, بالنسبة للواقع السوري ؟

ج: بدون أدنى شك فإن كل محاور إيكتا مهمة بالنسبة إلينا في سورية بدرجات متفاوتة و أولويات مختلفة و مجالات متعددة :

  • المجال الأكاديمي - المجال الصناعي - المجال الخدماتي
  • لفهم هذه الرؤية علينا أولا أن نعرف بوضوح مجال و مفهوم مجتمع المعلومات.

    إن مجتمع المعلومات قائم على ركيزة أكاديمية و صناعية تتصل بعلوم الاتصالات و المعلوماتية و على ركيزة خدماتية تهدف إلى استثمار الركيزة الأكاديمية – الصناعية بهدف تطوير خدمات تسهل و تسرع عمل الأفراد في حياتهم المهنية و الشخصية .

    فعلى سبيل المثال، الصيرفة الالكترونية تقوم على تنظيم المعلومات المصرفية و ربطها باستخدام شبكات الاتصالات و حمايتها وفق قواعد امن المعلوماتو استثمارها أخيرا لتقديم الخدمات المصرفية بسرعة أكبر و وثوقية كبرى

    القطاعات الأخرى التي باتت المكونات الأساسية لمجتمع المعلومات يمكن رؤيتها بالآلية ذاتها : الحكومة الالكترونية,الصحة الالكترونية،التجارة الالكترونية،التعليم عن بعد .....

    إن نظرنا إلى مؤتمر ايكتا من خلال جلسات العمل التي يطرحها فأننا نجد أن كل جلسة عمل يمكن الاستفادة منها وفق مجالها الاكاديمي- الصناعي أو الخدماتي .

    فجامعات القطر الحكومية و الخاصة بإمكانها الاستفادة من خلال المواضيع الأكاديمية المقدمة لأنها تعطي فكرة واضحة للمواضيع و الاهتمامات الأكاديمية الازمة لفرق البحث الحاضرة في المؤتمر، و كذلك فبإمكان هذه الجامعات بناء علاقات تبادل علمي مع الأكادميين المتواجدين في المؤتمر .

    القطاع الصناعي (العام و الخاص ) عليه استثمار الأوراق المقدمة من قبل الصناعيين مما يختصر عليهم الجهد و الزمن و يجنبهم الوقوع في المطبات التي عرقلت الآخرين .كذلك يمكنهم الاستفادة من خلال النقاشات الجانبية و ذلك بالحصول على استشارات و نصائح قيمة فيما يتعلق بمشاركتهم الصناعية .

    القطاع الخدماتي كذلك عليه الاستفادة من التجارب و الأفكار القديمة من أجل طرح الحلول و الخدمات التي نحن بحاجة إليها في سورية و التي باتت أساسية في كل الدول المتقدمة و تشكل حجر الأساس في مجتمع المعلومات (علينا أن نتذكر أن 60% من إقتصاد الدول المتطورة قائم على القطاع الخدماتي ) .

    مجالات يطرحها مؤتمر إيكتا – وقفة تأمل :

    مجتمع المعلومات و الحفاظ على الإرث الثقافي و الآثار :

    يطرح مؤتمر إيكتا و لأول مرة موضوع جوهري بالنسبة لسورية البلد العريق على كافة المستويات و منها الثقافية و التاريخية و ما يتعلق بالآثار .

    السؤال الجوهري : كيف ذلك ؟

    لننظر أولا إلى الإرث الكبير الذي تملكه سورية مجال الآثار و لنتسائل أين بإمكان أي منا أن يحصل على المعلومات اللازمة خارج المكتبات المتخصصة ؟ كيف نبحث و نربط بين المعلومات المتعلقة بالإرث الحضاري السوري ؟هل بالإمكان زيارة المرافق الأثرية بشكل افتراضي حيث الزائر متواجد في أي بقعة من العالم ؟

    هذا المحور الجوهري بامتياز بالنسبة لسورية لم ينل للأسف الجهد اللازم لتطويره ولبناء علاقات تعاون علمي و بحثي مع الدول التي نتقاسم معها تاريخاًُ مشتركاً كاليونان و تونس بقعة ضوء نراها من خلال فريق عمل يتضمن أخصائيين في هندسة الحواسب (وزارة السياحة) والذي يحاول الحفاظ على الإرث التاريخي السوري و خاصة مدينة دمشق القديمة.

    خلال مؤتمر إكتا 2006 انضمت باحثة فرنسية لهذا الفريق وحصلت على موافقة للعمل في سورية لمدة عام وهي تهدف بذلك لإقامة علاقات تعاون علمي بين فريق العمل السوري والجامعات التخصصية الفرنسية .

    يشارك هذا الفريق زملاء قدموا من اليونان و هم أصحاب باع طويل في مجال نظم معلومات و استخدامها في تخزين ومعالجة المعلومات المرتبطة بالإرث الحضاري و الثقافي .

    كما آمل أن ينتج عن جلسة العمل في هذا المجال خطط لتطوير هذا المحور وتوسيعه ولبناء علاقات تعاون علمي مع الدول الشريكة بهدف الاستثمار الأمثل و الحفاظ على الإرث الثقافي و الحضاري و التاريخي في سورية العريقة .

    الصحةالإلكترونية والهندسة الطبية :

    يشكل قطاع الصحة أحد أهم المحاور التي تعالج في إطار مجتمع المعلومات. خير دليل على ذلك هو تنظيم المعلومات الصحية و ربطها بواسطة الشبكة العنكبوتية و استخدام هذا البناء في إطار البطاقات الصحية لكل المواطنين في الدول المتقدمة .

    مثال آخر يتعلق باستخدام المعلومات الطبية و معالجتها (الصور و الاشارات الطبية ) وذلك لمد يد العون للأطباء من أجل قرار صائب لا تراه العين المجردة أو الاجهزة التقليدية . منذ أعوام قليلة مضت أجريت عملية جراحية لمريض في مدينة ستراسبورغ – فرنسا حيث كانت الأيدي الطبية تجري العملية في مدينة نيويورك الأمريكية .

    يعالج مؤتمر إيكتا عدة محاور ترتبط بمجال الصحة الإلكترونية و هي كالآتي :

  • معالجة الصور الطبية - الطب عن بعد و أهميته في الدول النامية - الهندسة الطبية و تطبيقاتها.
  • الهدف من محور معالجة الصور الطبية هو حتما تشجيع الفرق البحثية في سورية للاهتمام بهذا المحور و لتطوير صناعة برمجية في سورية ترفد هذا القطاع بأياد سورية و خلق فرص عمل من الشباب السوري الواعد.

    أما مجال الطب عن بعد فنحن بسورية بأمس الحاجة إليه و ذلك لـتأمين الخدمات الطبية لكل قرية و مدينة سورية و ذلك لمعالجة الصعوبة الكبيرة التي تكمن في تمركز الخدمات الطبية في المدن الكبيرة .

    أما محور الهندسة الطبية فهو يهدف إلى إعطاء أمثلة واقعية لما يتم تطويره في دول العالم المتقدم و التي هي بمتناول الأيدي السورية إن عزمت

    وفي سؤال حول أهمية مؤتمر ايكتا لسورية؟

    قال:إن مؤتمر ايكتا يشكل أداة تساهم بتطوير البحث العلمي وربطه بالصناعة الحديثة والتعليم العالي. بعبارة أخرى ايكتا ليس غاية بحد ذاته تنتهي بانتهاء آخر محاضرة في هذا المؤتمر.

    لنحلل مفهوم الأداة فيما يتعلق بإيكتا:

    1- ايكتا أداة تسمح لكل من يعمل في مجال البحث العلمي (المرتبط بمجتمع المعلومات) أو الصناعة الحديثة بالإطلاع على آخر ماتوصلت إليه الأبحاث العلمية الحديثة والتي ستتحول في السنوات القليلة القادمة إلى منتجات صناعية تنافسية.

    2- ايكتا أداة تسمح للمؤسسات البحثية في سورية بموضعة انجازاتها مقارنة بما يجري في مراكز البحث العالمية والتي باتت ترتبط ارتباطاً عضوياً بالصناعة الحديثة.

    3- ايكتا أداة تسمح ببناء علاقات علمية مع شركاء من كافة أنحاء العالم.

    4- ايكتا أداة تسمح ببناء العلاقات للشباب السوري الواعد باستشفاف الآفاق العلمية والصناعية مما يتيح لهذا الشباب المبدع لتوجيه طاقاته في الاتجاه الصحيح.

    5-ايكتا أداة تسمح للعلماء السوريين في المغترب بتقديم أبحاثهم في وطنهم الأم ولقاء زملائهم في الوطن.

    6- كما إنه أداة تسمح للموفدين من الجامعات السورية ومراكز البحوث في سورية لعرض أبحاثهم وحيث أن الأساتذة المشرفون عليهم غالباً مايحضرون لسورية مع طلابهم فإن ذلك يسمح بتوطيد علاقات التعاون العلمي بين المؤسسات السورية والمؤسسات النظيرة في أوربا.

    7- أيكتا أداة فريدة تسمح بحضور الطبقة العلمية المثقفة من دول العالم إلى سورية بهدف المشاركة في المؤتمر، وبشكل غير مباشر للإطلاع على بلدنا سورية ورؤية الحقائق أمام أعينهم (وهي عكس مايسمعونه من وسائل الإعلام الغربي الموجه لتشويه الحقائق) هذه الطبقة مؤثرة جداً في اوروبا والزائر الأوربي يعود لبلده سفيراً لقضايانا. أي أن ايكتا هي أداة إعلامية مؤثرة بشكل أكثر من أن نتصوره.

    8- أخيراً ايكتا أداة تسمح لصناع القرار في سورية بتقويم أداء البحث العلمي في سورية وقياس درجة تطوره وفق معايير دولية وذلك من خلال مؤتمر يجري في سورية.

    س2: ماهو تقييم الأداء السوري في البحث العلمي المرتبط بمجتمع المعلومات من خلال ايكتا؟

    ج2: إن استمرارية انعقاد مؤتمر ايكتا لثلاث مرات مع فاصل زمني هو عامان بين كل انعقاد لهذا المؤتمر يسمح لنا بإجراء تقييم واقعي وشفاف للأداء السوري.

    من الناحية الكمية البحتة فإن عدد الأبحاث السورية المقدمة كان 29 بحث في عام 200، 54 في عام 2006 وهو 61 بحث علمي في عام 2008 وهذا يدل على الزيادة العددية للأبحاث المقدمة.

    ماهو أهم من الزيادة العددية فهو يتعلق بنوعية الأبحاث المقدمة وبسويتها العالمية. فعلى سبيل المثال، في عام 2004 كانت تقارير الخبراء الذين قاموا بتقييم المقالات السورية تتضمن لحوالي 10-12 بحث عبارات من نوع: بحث "مقبول" وأقترح قبوله لتشجيع الفريق الذي قام بهذا البحث، وبعض التقارير كانت تتضمن عبارة: "واضح نقص خبرة فريق البحث بآلية عرض البحث" وماشابه ذلك من العبارات التي تعتبر طبيعية في المؤتمرات العلمية.

    ولكن ولكوني سوري الأصل وأفخر وأعتز بأصلي فأنا كنت أشعر بمرارة لقراءة مثل هذه العبارات وكوني الرئيس العلمي لهذا المؤتمر فأنا ملزم باتباع قواعد وآليات قبول المقالات وفقاً لمعايير المنظمة العلميةIEEE.

    أجمل مايميز تطور الأداء البحثي السوري هو صراحة القفزة النوعية ليس فقط على مستوى الأبحاث السورية المقدمة ولكن كذلك على مستوى الاحترام الكامل لقواعد نشر البحث العلمي حيث لم ترد أي عبارة "تشجيعية" أو "انتقادية" مثلما كان الحال في عام 2004 وهذا دليل واضح لا لبس فيه على أن المساهمة السورية لاتزال لاتعكس مدى الطاقات الحقيقية للأخوة الباحثين في سورية فأنا على يقين أم الإمكانات البشرية والفكرية المتوفرة هي كبيرة جداً وخاصة طاقات وامكانيات الجيل السوري الشاب الذي أعتبره حقاً جيل واعد علينا أن نفتح أمامه أبواب الإبداع بل وتشجيعه على البحث العلمي الذي هو ركيزة الأمم المتقدمة.

    س3: ماهي النقاط والأوجه التي يجب العمل على تطويرها؟

    ج3: النقطة الأساسية التي يجب أن نعمل جميعاً عليها هي وضع آليات للتعاون العلمي الدولي حيث مع الأسف فإن معظم الزملاء الذين حضروا ايكتا 2004 وايكتا 2006 قاموا بوضع مشاريع تعاون علمي وتطوير بحثي وأكاديمي مع عدد من الدول المجاورة وهم أحبوا سورية لدرجة مخاطبتي بصراحة الصديق والمحب لهذا البلد مطالبين بالعمل على وضع آليات للتعاون العلمي وتخصيص الامكانيات اللازمة لتنفيذ هذه لآليات. هم يأسفون حقاً لعدم تمكنهم مد يد العون الصادقة للمساهمة في عملية التطوير البحثي في سورية ويأملون منا جميعاً (وليس فقط شبكة نوستيا). لكي نضع آليات التعاون العلمي بشكل يشبه آليات التعاون البحثي المتوفرة ليس فقط في بعض الدول النامية ولكن أيضاً في أكثر الدول المتطورة.

    النقطة الأخرى هي في عدم تشجيع الباحثين لكي يترجموا أبحاثهم العلمية كدراسات تنشر في المجلات العلمية العالمية حيث يكمن هنا أحد الشروط الأساسية للتقييم العلمي لكل الباحثين في الدول المتطورة.