أقام المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في حلب، بالتعاون مع جمعية العلوم الاقتصادية فرع حلب أمسية فكرية في دار الكتب الوطنية بحلب بحضور حشد غفير من سكان مدينة حلب وذلك بمناسبة مرور أربعين يوماً على وفاة الدكتور عصام الزعيم.

وهذه الاحتفالية جاءت تحت اسم "قراءة في مسيرة الدكتور عصام الزعيم"، تحدَّث فيها مجموعة من أصدقائه ومحبيه بالإضافة إلى عائلته.

في البداية تمَّ عرض فيلم وثائقي تضمن سيرة حياته والتي جاءت على الشكل التالي: ولد الراحل الكبير عصام الزعيم في مدينة حلب عام 1940 من أسرة حلبية عُرِفت بالعلمِ والأدب والتربية الوطنية، وقد غرس والده السيد عبد المجيد الزعيم محبة اللغة العربية والثقافة والقيم وحب الناس والخير والإيمان بأمته العربية ووطنه سورية.

الأستاذ محمد جمال باروت

سافرَ الزعيم إلى فرنسا ليحصل من هناك على شهادة دكتوراه الدولة في الاقتصاد من جامعة باريس عام 1971، ومن ثمَّ عملَ في معهد البحث الاقتصادي والتخطيط في جامعة غرونوبل في فرنسا، وترأسَ هناك فريق للباحثين بالإضافة إلى تعيينه مديراً لمركز التوثيق والدراسات عن صناعات الغاز والبترو كيميائيات بين عامي 1968-1971، ومن ثمَّ شغل منصب مستشار شركة النفط الوطنية الجزائرية بين عامي 1972-1977، ومن ثمَّ قام بتولي مهام عديدة في كثير من الدول العربية والأوروبية، وحتى الأمريكية، وبعد عودته إلى وطنه الأم أخيراً كلِّفَ وزيراً للدولة لشؤون التخطيط بين عامي 1999-2003 من قبل الرئيس الراحل حافظ الأسد وأدخل حينها تحولات أساسية في دور التخطيط الاقتصادي وأثره على التنمية الاجتماعية، وبعد ذلك كلِّفَ بحقيبة وزارة الصناعة خلال عامي 2003-2005 من قبل السيد الرئيس بشار الأسد حيث شهدَت الوزارة تحولاً جوهرياً في التنمية الوطنية الصناعية بين القطاعين العام والخاص والمشترك فضلاً عن الاستفادة من وثيقته الأساسية حول التنمية الصناعية في سورية والتي قدمها عام 1990.

الجميع كانوا متفقين على أنَّ الراحل كان يمتاز بعقله الاقتصادي المتمرس، بالإضافة إلى كونه من الأشخاص القلائل ممن يغارون على مصلحة الوطن،وكيف أنَّ الراحل رحل نظيف الكف، من دون أن يترك رصيداً في البنك أو حتى منزلاً يملكه، وكيف أنه كان يحمل الهم الفلسطيني في داخله وكيف كان يصوره في بياناته للدول الأوروبية، وقد قال عنه الدكتور المهندس فؤاد عيسى جوني وزير الصناعة بأنَّ الزعيم "حمل هموم الوطن والأمة... وجعلها عمله اليومي".

من الحضور

وفي الندوة تحدَّث الدكتور عبد الهادي نصري وكيل جامعة القلمون عنه فقال "عاش عصام الزعيم حياة القديسين، لم نعهد عليه شائنة، لم نسمع عنه فرية حتى من خصومه، رحل نظيفاً من كلِّ متاع... رحلَ وهو لا يملك دار يسكنها ولا حساباً مالياً يورثه، ميراثه الوحيد الشرف الوطني، قديس... في عصرٍ عجزَ رحمُ الزمان عن ميلاد القديسين."

وتحدَّث أيضاً عنه الأستاذ محمد جمال باروت من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى في حلب ومدير مشروع (سورية 2025) والذي تجمعه مع الراحل صداقة وثيقة: "كان عصام الزعيم على الدوام صاحب أفكار مبدعة، تجمع بين رقي الفكر وشرف الوظيفة والطموح العلمي لتجسيد الأفكار الحية. وبهذه الروح كان الزعيم رائد فكرة الاستشراف في مدارك البحث الوطني السوري، وأول من وضع هذه الفكرة في سورية على سكة العمل والتطبيق، وأعني بذلك مشروع (سورية 2020)، وإذا كان هذا المشروع قد تمكن من الوصول إلى المحطة الأساسية المقررة له في هذه المرحلة من العمل، فإنه يدين بذلك إلى المفكر الراحل (عصام الزعيم) الذي كان رائد فكرة المشروع ومؤسسه ومطلقه.

الدكتور محمود عكَّام

أما الشاعر الحلبي الكبير رياض عبد الله حلاق صاحب مجلة الضاد فقد كتب عن الراحل قصيدة نذكر منها:

آل الزعيمِ وحسبكم من مفخرٍ أن كان من آلِ الزعيمِ عصامُ

رضع التسامح والمحبةَ جذره وسما به الأخوالُ والأعمـامُ

أما خالد سعيد الزعيم شقيق الفقيد فقد شرح بعدة جمل ما كان يحمله الراحل من محبة ووفاء لبلده سورية فقال "جال وصال في العديد من بلاد المعمورة، ليعود إلى بلده الحبيب، في إحدى لقاءاته مع الرئيس الراحل حافظ الأسد، سأله الراحل الكبير عن عدد الجنسيات التي يحملها... فأجابه بكل اعتزاز وتباهي... أنه لا يحمل سوى الجنسية العربية السورية ويكفيه ذلك فخراً".

وتحدَّث الدكتور محمود عكام مفتي مدينة حلب عن الراحل فقال "عرفت فيه ذاتاً نظيفة وعقلاً راجحاً وشفافية صوفية وعلماً وبحثاً وضميراً حياً ووطنية صادقة صدوقة... رحل عصام الزعيم... رحل رجلٌ عظيم."

مهما حاولنا أن نتكلم عن الراحل فلن نوفيه حقه فقد كان اقتصادياً عالمياً ومثقفاً شغوفاً بالأدب، وكان خير رسول وسفير لسورية في المؤتمرات والمحافل الدولية والعالمية.