سنوات طويلة مرت على افتتاح مسرح وسينما "الزهراء" وسط مدينة "دمشق"؛ وما خلّد تلك السنوات استقطاب هذا المكان لنخب فنية ونجوم من الصف الأول عربياً وعالمياً، كما أنها كسينما كانت السباقة في عروضها الانتقائية الاستثنائية التي جذبت شرائح من الجمهور. تميزت بتميز المكان والجرعة السينمائية التي كانت تستمدها من شاشة العرض آنذاك، فأصبحت "الزهراء" سينما لها جمهورها النخبوي، ومسرحاً لاحتضان النخب.

مدونة وطن "eSyria" زارت مسرح وسينما "الزهراء" بتاريخ 6 نيسان 2019، والتقت عدد من مؤسسي سينما ومسرح "الزهراء"، واستقت هذه المعلومات حول تاريخ هذا المكان العريق والبدايات: «بدأ المشروع الذي تألف من سينما "الحمراء" وسينما "الزهراء" في منتصف الخمسينات من القرن الماضي، بعدما توافقت مجموعة من رجال الأعمال على إقامة بناء تجاري بمنطقة "الصالحية" في "دمشق"، بجانب المجلس النيابي السوري، ويحتوي مجموعة من المكاتب والمحال، إضافة إلى صالتي عرض سينمائي، لما كان للفن السابع حيز كبير في حياة الدمشقيين خاصة بعد النهضة التي شهدتها السينما العالمية، والهوليودية منها على وجه الخصوص، وتم تشييد البناء وفقاً لمخططات عمرانية وضعها المهندس اللبناني "فريد طراد"، وأشرف على تنفيذ أعمالها الإنشائية المهندس السوري "خليل الفرا"، انتهت أعمال الإكساء في سينما "الزهراء" بـ"دمشق"، وافتتحت في 11 تشرين الثاني 1959، ضمن حفل رسمي دعيت إليه وجوه السياسة والمجتمع، إضافة إلى الشخصيات الثقافية والفنية في الخمسينات، وتم خلال الاحتفال عرض أول فيلم على شاشتها العملاقة، وكان فيلماً أميركياً غنائياً استعراضياً، ويحتوي هذا المكان مسرحاً وما يقارب 1500 مقعد؛ خمسون منها متوضعة ضمن مقصورات "لوجات" في مقدمة "البلكون"، كما جهزت بآلات عرض "TODD-AO" 70مم، الشبيه بنظام "Cinerama"، وكانت من أحدث الآلات آنذاك، التي تسمح بتجسيم الصورة كأنها بثلاثة أبعاد مع إمكانية تقعير الشاشة، وشهدت السينما أضخم عروض "هوليود"، مثل: "سبارتاكوس"، و"قصة الحي الشرقي"، و"ذهب مع الريح"، كما كانت المحطة الأبرز في الحياة الفنية خلال مرحلة الوحدة السورية المصرية، حيث كانت تجري فيها فعاليات "أضواء المدينة" التي استقطبت جميع مطربي وفناني الزمن الجميل المصريين، مثل: "أم كلثوم"، "فريد الأطرش"، "عبد الحليم حافظ"، "فايزة أحمد"، "نجاة الصغيرة"، كما تألق على مسرحها عدد من الفنانين السوريين والعرب، أمثال: "دريد لحام"، و"نهاد قلعي"، وأبطال مسرح "الشوك"، "صباح"، "وديع الصافي"، وغيرهم الكثيرون، كما كان للمغنين الأجانب أيضاً حيز لتقديم حفلاتهم في "سورية"، وعلى خشبة مسرح "الزهراء"، مثل: "شارل أزنافور"، "جيرار دانيل"، "جان فرانسوا ميكاييل"، كما عرفت سينما "الزهراء" بتقديمها روائع "هوليوود" بالتعاقد مع شركة تورد لها الأفلام. وكأفلام عربية كانت سينما "الزهراء" انتقائية في اختياراتها لها، مع الحرص على الأفلام التي تجذب الجمهور، كفيلم "معبودة الجماهير"، وكان فيلماً بالألوان، غنائياً، ولقي عرضه نجاحاً باهراً، حيث عرض على مدى أشهر، وأفلام سورية كفيلم "الآباء الصغار"؛ تم العرض الأول لهذا الفيلم في سينما "الزهراء" والفنان "دريد لحام" كان يعني له هذا المكان؛ لذلك أحب أن يكون عرضه الأول لفيلمه فيها، وحين انحصرت الأفلام بمؤسسة السينما تنوعت العروض في سينما "الزهراء"، فتغير نوع الجمهور بتنوع المواد السينمائية، حيث دخلت الأفلام الهندية التي تعرف بمدتها الطويلة 4 ساعات تقريباً، وهذه الأفلام تتطلب إضافة مكنة ثالثة إلى مكنتي العرض الموجودتين في السينما بالأصل، والمعدتين لعرض الأفلام الأجنبية التي لا تتجاوز الساعتين، فصنعها حينئذٍ شيخ الكار "نزيه الشهبندر"، الذي تمكن من تطبيق هذه المكنة، وأضيفت إلى طاقم الآلآت للزوم عرض الأفلام الهندية الطويلة في الثمانينات، وعلاقة سينما "الزهراء" بباقي صالات السينما الموجودة في "دمشق" آنذاك كانت علاقة تعاون وتنافس في آن معاً؛ لكونها تعدّ أكبر سينما في "سورية" والشرق الأوسط».

أهمية هذا المكان تنبع من العصر الذهبي الذي برزت وعاشت فيه، ففي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت "دمشق" مرحلة من الإبداع الذي شمل كافة الصعد، في الفن والثقافة والمجتمع ككل، كما أن مهناً كثيرةً مرتبطة بالفن كانت قد بدأت تشرع في مجتمع يعدّ محافظاً، إضافة إلى أهمية موقعها وسط العاصمة "دمشق" بجانب مجلس الشعب (البرلمان)، وانتقاء القائمين عليها لنوعية الأفلام ذات المحتوى المهم والغني؛ وهو ما جعل الأهالي حينئذٍ يثقون بهذه السينما ويدفعون بأولادهم لقضاء أوقات فراغهم بمشاهدة فيلم سينمائي في رحابها، ولمسرحها ثقل تاريخي نشأ بفعل الأسماء الكبيرة التي وقفت عليه وأحيت حفلاتها وغنت أغنياتها؛ وهو ما أضفى رونقاً خاصاً على ذاك المسرح المتميز بمؤسسيه وجمهوره وأنواع عروضه وحفلاته

المؤرخ الدكتور "سامي مبيض" تحدث حول الأهمية التاريخية لسينما ومسرح "الزهراء" بالقول: «أهمية هذا المكان تنبع من العصر الذهبي الذي برزت وعاشت فيه، ففي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت "دمشق" مرحلة من الإبداع الذي شمل كافة الصعد، في الفن والثقافة والمجتمع ككل، كما أن مهناً كثيرةً مرتبطة بالفن كانت قد بدأت تشرع في مجتمع يعدّ محافظاً، إضافة إلى أهمية موقعها وسط العاصمة "دمشق" بجانب مجلس الشعب (البرلمان)، وانتقاء القائمين عليها لنوعية الأفلام ذات المحتوى المهم والغني؛ وهو ما جعل الأهالي حينئذٍ يثقون بهذه السينما ويدفعون بأولادهم لقضاء أوقات فراغهم بمشاهدة فيلم سينمائي في رحابها، ولمسرحها ثقل تاريخي نشأ بفعل الأسماء الكبيرة التي وقفت عليه وأحيت حفلاتها وغنت أغنياتها؛ وهو ما أضفى رونقاً خاصاً على ذاك المسرح المتميز بمؤسسيه وجمهوره وأنواع عروضه وحفلاته».

شباك تذاكر السينما

وقد توقف نشاط سينما ومسرح "الزهراء" خلال فترة الحرب على "سورية" مطلع عام 2011، وعادت إلى نشاطها عام 2018 عبر فرقة "نبض" التي أحيت حفلين هما: "جرعة موسيقا"، و"يطول عمرك أم زياد"، في يوم ميلاد السيدة "فيروز".

يذكر، أن العائلات المؤسسة لسينما "الزهراء" هي: "فرح"، و"حتاحت"، و"دقاق"، و"لبابيدي".

صورة "أرشيفية" لدعوة افتتاح سينما ومسرح "الزهراء"
صالة سينما ومسرح "الزهراء"