تميزت حرفة "التكفيت" عن مثيلاتها من الحرف الأخرى بالتفرد والتألق؛ إذ تُعدّ من الحرف الدمشقية المتميزة التي اشتهرت بها مدينة "دمشق" منذ الأًزل، وما زالت.

كما نعلم أن "دمشق" وفق قاموس الصناعات الشامية كانت تشتهر بأكثر من 438 حرفة يدوية، منها حرفة "التكفيت" التي تميز بها الحرفي "جاد محمد السيد"، الذي التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 شباط 2018، وقال: «حرفة "التكفيت" من الحرف التي تحتاج إلى ذوق فني فريد، ولهذا تفردت "دمشق" عن بلدان العالم العربي والإسلامي بهذه الحرفة؛ إذ تُعدّ حرفة السلاطين والملوك والأمراء؛ لما تتميز به من أصالة وترف فني، وكلمة "تكفيت" تعني عملية جمع وضم جزء من معدن على شكل أسلاك غالية الثمن نحو الذهب والفضة داخل حفر عميق وعريض مسنن على سطح معدن آخر وتثبيته بالطرائق التتابعية من دون استخدام اللحام، لكن بتسليط الحرارة، وأصل كلمة "تكفيت" عربي؛ إذ جاء في القرآن الكريم (وجعلنا الأرض كفاتاً*أحياء وأمواتاً)، والكفت في اللغة العربية هي الجراب الذي يوضع ويضم الشيء فيه بغية حفظه».

حرفة "التكفيت" من الحرف التي تحتاج إلى ذوق فني فريد، ولهذا تفردت "دمشق" عن بلدان العالم العربي والإسلامي بهذه الحرفة؛ إذ تُعدّ حرفة السلاطين والملوك والأمراء؛ لما تتميز به من أصالة وترف فني، وكلمة "تكفيت" تعني عملية جمع وضم جزء من معدن على شكل أسلاك غالية الثمن نحو الذهب والفضة داخل حفر عميق وعريض مسنن على سطح معدن آخر وتثبيته بالطرائق التتابعية من دون استخدام اللحام، لكن بتسليط الحرارة، وأصل كلمة "تكفيت" عربي؛ إذ جاء في القرآن الكريم (وجعلنا الأرض كفاتاً*أحياء وأمواتاً)، والكفت في اللغة العربية هي الجراب الذي يوضع ويضم الشيء فيه بغية حفظه

وأضاف "السيد": «هذه الحرفة بدأت في "الموصل"، وتميزت على يد الحرفي الفنان "سنقر البغدادي"، وانتشرت منه إلى "بغداد" و"دمشق"، فـ"القاهرة" و"مراكش"، وحالياً "دمشق" هي العاصمة التي ما تزال مستمرة في التألق بهذه الحرفة، وهي تحتاج إلى مواد أولية غالية الثمن، مثل: النحاس كمادة أساسية، والذهب، والفضة؛ إذ يتم حفر الأواني النحاسية بغية تطعيمها وتكفيتها وتنزيلها بخيوط الذهب والفضة برسوم هندسية ونباتية متعددة، وأساليب فريدة، إضافة إلى الخطوط العربية التي تُضيف إلى هذه القطع الجمال والذوق والأصالة. وفن التكفيت وملحقاته واحد من الفنون الزخرفية التي ترعرعت مع تطور الفنون اليدوية المصنعة من المعادن، ويتمثل هذا الفن باستخدام رسوم يدوية على السطوح المعدنية بعد تحويلها إلى نقوش بارزة أو غائرة، تترك بعد معالجتها أثراً واضحاً للبعد الثالث عبر إسقاطات الأضواء والظل، وتتم عملية التكفيت بأقلام حفر فولاذية، ثم تحشى الأجزاء المحفورة بأسلاك رقيقة أو رقائق عريضة من الفضة أو الذهب بطرائق متعددة، وقد كان لهذه الحرفة سوق خاص بها في المدن العربية والإسلامية؛ ففي "مصر" كان يسمى سوق "الكفتيين"، وفي "دمشق" سوق "النحاسين"».

الحرفي "جاد محمد السيد"

الحرفي "فياض سليمان السيوفي"، حرفي في تكفيت السيف الدمشقي، قال: «حرفة السيف الدمشقي المكفت بالذهب والفضة لها شهرة عالمية كبيرة، اكتسبتها من المعدن المصنوع منه، وهو الفولاذ الأسود ذو الكربون العالي، والفولاذ الأبيض ذو الكربون الأقل، إضافة إلى الطراز المشغول به، إذ يتميز بالرشاقة ودقة الصنعة، وقد ارتبطت صناعة السيف الدمشقي بحرفة التكفيت، ولا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى؛ إذ كانت تُزين أنصال وأغماد السيوف من خلال تنزيل الذهب والفضة عليها برسوم هندسية مباشرة من دون رسم أولي، باستخدام خيوط ثخانتها واحد بالعشرة من الميليمتر؛ إذ تُرصف الخيوط بعضها إلى جانب بعض لتؤلف مجتمعة الرسم المطلوب، وبعد تعريضها للنار تظهر الرسوم قطعة واحدة، والآن أصبح السيف الدمشقي رمزاً يُقدم كهدية تذكارية لمن يزور "دمشق"؛ لما يحمله من أصالة ودقة في الصنع».

باحث التراث "محمد فياض الفياض"، قال: «فن تكفيت النحاس وتطعيمه بالذهب والفضة من أهم وأصعب الحرف اليدوية؛ إذ يتطلب هذا النوع من الفنون الحرفية جهداً كبيراً لإنتاج قطعة واحدة مكفتة ذات جودة عالية، والتكفيت هو الطريقة المثلى للتطعيم، ففي متحف "المتروبوليتان" أربع قطع تمثل صناعة "دمشق" وبراعتها الفائقة في فن التكفيت، وهي عبارة عن مقلمة ومبخرتين وصحن، وكل واحدة من تلك القطع غنية بتكفيتها بالفضة والذهب، ولا شك أن "دمشق" تميّزت عن سائر المدارس الأخرى في هذا النوع من الحرف التقليدية لأسباب متعددة، أولها موقع "دمشق" التاريخي والجغرافي وأصالة هذه المدينة، والسبب الثاني توافر المادة الأولية، والأهم من ذلك كله وجود أيادٍ ماهرة متمكنة مبدعة، كلّ هذه الأشياء مكّنتها من التفرد في حرف متعددة تجاوزت -كما ذكرت كتب التاريخ- 400 حرفة ومهنة ذات طابع تخصصي. أما بالنسبة لهذه الحرفة، فقد برزت العديد من العائلات الدمشقية التي تركت بصمات واضحة ما زالت ماثلة حتى يومنا هذا، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: "بولاد، وجوهر، والسيوفي، وصقال، واللاطي، والزيبق، والبقاعي، والطرابلسي"، وغيرها، لكن الحقيقة التي لا بد من ذكرها، أن هذه الحرفة ازدهرت في فترة حكم المماليك في "مصر" و"سورية" في الفترة الواقعة ما بين عامي 1250-1517، وبعد هذا التاريخ ولا سيما بعد الاحتلال العثماني للوطن العربي تربعت على عرش هذه الحرفة العائلات اليهودية الدمشقية، وأصبحت حكراً عليها، وكان منهم حرفيون مهرة إلى عهد قريب، أمثال: الحرفي "موريس نصيري"، و"غياث الأخرس"، وغيرهما، لكن هذه الحرفة في النهاية عادت إلى سابق عهدها على يد عدد من المبدعين البارعين، أمثال: "فياض السيوفي ووالده، وجاد السيد"؛ بغية إعادة الألق إليها وإحياء مجدها مجدداً».

ابن الحرفي "فياض السيوفي" من وارثي الحرفة
بعض القطع النحاسية المكفتة