تعدّ حرفة "البروكار" من أفخر أنواع الحرف وأدقها عالمياً، حتى غدت لباس الأمراء والملوك، فهو نسيج تجمع فيه خيوط الجمال والتنوع والقيمة الفريدة القادرة على أسر القلوب. وكانت ضمن الحرف التي ساهمت في ترشح "دمشق" كمدينة مبدعة على مستوى العالم.

يقول باحث التراث الشعبي، وأحد أعضاء لجان التراث التي تعمل تحت إشراف منظمة "اليونسكو" لجمع وصون وتوثيق التراث الثقافي غير المادي "محمد فياض الفياض" لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 27 كانون الأول 2017: «"دمشق" اليوم مرشحة لتكون ضمن المدن المبدعة في حرفة "البروكار" الدمشقي، ودعم هذا الترشيح إقامة الفعاليات والنشاطات والمهرجانات التي تتعلق بهذا التراث الثقافي المتعدد الجوانب؛ إذ إن حرفة النسج الحريري موغلة في القدم، تعود إلى خمسة آلاف عام أيام طريق "الحرير"، وطرق التجارة قديماً. وتشير الوثائق المكتشفة في مملكة "إيبلا" التي تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، إلى أن الصناعة كانت ركناً أساسياً في ازدهارها، وأهم تلك الصناعات كانت صناعة الأنسجة التي تعتمد على الإنتاج المحلي، كما تشير الكتابات في الوثائق الهيروغليفية إلى أن الحرفيين السوريين هم سادة صناعة النسيج منذ الألف الرابع قبل الميلاد، وأن المنسوجات السورية قد انتشرت في أكثر مناطق العالم منذ فجر التاريخ، ولم تكن المدن الفينيقية على الساحل السوري في الألف الأول قبل الميلاد مجرد مراكز لتوزيع التجارة فحسب، بل كانت أيضاً مركزاً صناعياً تنتج المصنوعات ذات القيمة الفنية الرفيعة، وقـد اشـتهرت بصناعة الأنـسجة الملونة بالصباغ الأحمر "الأرجواني" التي عرفها العالم القديم. وما شهرة النسيج التقليدي في "سورية" حالياً وتميزه الفريد إلا استمرار لتلك التقاليد العريقة من دون انقطاع، وفي العصور الإسلامية المختلفة، وخاصة العصر الأموي الذي كان عصر الازدهار، وفيه ازدهرت الفنون وتنوعت، وكذلك صناعة النسيج الحريرية».

"البروكار" مصطلح حديث لا يتجاوز عمره 200 عام، ظهر مع ظهور آلة "الجاكار"، تطورت عن حرفة سابقة هي "الديباج" بالكسر والفتح من "الدبج"، وهو النقش والتزيين، وقيل "الديباج" هو الرفرف؛ أي الثوب الرقيق حسن الصنعة، وجاء في موضع آخر أن "الديباج" ضرب من الثياب الخضر تبسط، وجاء في وصف الحرير "الاستبرق" ما خشـن من الديباج، وما رقَّ من الحرير فهو "ديباج"، والسندس ضرب رقيق من الديباج. وجاء في دائرة المعارف: الديباج نسيج من الحرير مختلف الأجناس، استعمل كثيراً في العصور الوسطى في الشرق، وكانت تُصنع منه ألبسة التشريف. وفي المعاجم الفارسية: الديباج معرب "ديبا"، وهو الثوب الذي سداته ولحمته من الحرير الخالص، وقيل ديباج نسيج من الحرير الخالص دقيق الصنعة، ولا يستطيع نسجه إلا الجن، كناية عن امتيازه وحسن صنعه

يتابع "الفياض" عما يعنيه هذه الاسم بالقول: «"البروكار" مصطلح حديث لا يتجاوز عمره 200 عام، ظهر مع ظهور آلة "الجاكار"، تطورت عن حرفة سابقة هي "الديباج" بالكسر والفتح من "الدبج"، وهو النقش والتزيين، وقيل "الديباج" هو الرفرف؛ أي الثوب الرقيق حسن الصنعة، وجاء في موضع آخر أن "الديباج" ضرب من الثياب الخضر تبسط، وجاء في وصف الحرير "الاستبرق" ما خشـن من الديباج، وما رقَّ من الحرير فهو "ديباج"، والسندس ضرب رقيق من الديباج. وجاء في دائرة المعارف: الديباج نسيج من الحرير مختلف الأجناس، استعمل كثيراً في العصور الوسطى في الشرق، وكانت تُصنع منه ألبسة التشريف. وفي المعاجم الفارسية: الديباج معرب "ديبا"، وهو الثوب الذي سداته ولحمته من الحرير الخالص، وقيل ديباج نسيج من الحرير الخالص دقيق الصنعة، ولا يستطيع نسجه إلا الجن، كناية عن امتيازه وحسن صنعه».

نقشة "إليزابيث" من نقوش البروكار

"إبراهيم قاسم الأيوبي" أحد أشهر الحرفيين بنسج "البروكار" الدمشقي، تحدث عن تاريخ "البروكار" السوري بالقول: «لا ريب أن لكل بلد خصوصيته التقنية ومكانته الفريدة، فالواقع الحرفي قد يختلف من مكان إلى آخر، ذلك أن للحرفة جذوراً عميقة تمتد في بيئة كل مجتمع، ويعود وجودها وتطورها إلى أسباب عدة، تجعل منها موروثاً شعبياً مادياً يحمل الإبداع المحلي، ويعبر عن قدرات وتقاليد ومعتقدات يتميز بها كل شعب عن الآخر. أضف إلى ذلك أن المواد الأولية تؤدي دوراً رئيساً في نمو الحرفة وازدهارها، وقد اشتهرت "دمشق" بصناعاتها النسيجية، وكان حيِّ "القيمرية" يدعى (الهند الصغرى)، تبعاً لهذه الشهرة، ففيها كانت تتركز صناعة المنسوجات وتجارتها. وبالنسبة لي فقد ورثت حرفة البروكار من والدي "قاسم الأيوبي" الذي كان يعمل في معمل "جورج النعسان"؛ إذ إن عائلات "النعسان"، و"مزنّر"، و"بولاد" من أشهر العائلات الدمشقية التي حافظت وأسست هذه الحرفة، وفي هذا المعمل نسج والدي العمل الذي من خلاله اشتهرت الحرفة عالمياً، حيث تم فيه تصميم ونسج فستان "إليزابيث" ملكة "بريطانيا" سنة 1948، وقد كان آنذاك 32 نولاً يدوياً مخصصة لهذه الحرفة، وعند توقف المعمل ووفاة والدي قمت بشراء الأنوال، ولم يتبقَّ منها سوى 12 نولاً، جميعها توقفت عن العمل عدا الموجود حالياً في معملي، وحالياً أعمل على تصنيع نول يدوي لتصنيع "البروكار" مع "الديباج" بقماش واحد عليه، لإحياء القماش المنقرض، وقد قمت بتدريب مجموعة من الشباب الدمشقيين، ومن بينهم الشاب المبدع "محمد رنكوس"».

الحرفي "محمد رنكوس" تحدث عما اكتسبه من هذه الحرفة وما تمثله له بالقول: «تتلمذت على أيدي أصحاب المهنة والخبراء، ومن بينهم "أحمد شكاكي"، و"إبراهيم الأيوبي"، وانخرطت بهذه الحرفة في عام 2010، وبدأت تأسيس نواة معمل يدوي وآلي للبركار الدمشقي خاص بي.

حرفي البروكار "إبراهيم قاسم الأيوبي"

النقوش التي تنسج على البروكار مأخوذة من التراث الشعبي السوري؛ إذ سخر الدمشقيون التراث العربي القصصي وطبقوه على المنتج الحرفي، أهمها القصص الشعبية التراثية، كقصة "أبو زيد الهلالي"، و"الزير سالم"، وكذلك تجسيد معركة "حطين"، وهناك نقوش أخذت من التراث الإسلامي في العهد الأموي، كـ"الرسوم الهندسية المثمنة، والإحدى عشر، والاثني عشر ذات الأضلاع"، وأخذنا من التراث العالمي نقش "روميو وجوليت"، ومن التراث الصيني نقش "المروحة"، إضافة إلى نقش "إليزابيث" التي سميت باسم الملكة البريطانية نسبة للعمل الأول الذي نسج لها، والكثير من النقوش الأخرى».

من مشغولات "إبراهيم الأيوبي" من البروكار