خرجت من عباءة التراث مرة جديدة لتعود إلى الاستخدام الفعلي كأثاث يحتاج إليه المنزل، وتبقى مجرد تحف للزينة ضمن البيت الدمشقي التراثي، معتمدة على التصنيع اليدوي الذي بدأ في "دمشق" قبل 600 عام.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 10 أيار 2015، "مرهف الساير" من أهالي "المزة"؛ الذي تحدث عن مكانة "كراسي القش" في البيت الدمشقي، ويقول: «منذ بضعة عقود من الزمن كانت الكراسي المصنوعة يدوياً من القش والخشب تتواجد في كل بيت دمشقي، وتعدّ من أساسياته، فكانت موجودة إلى جانب بحرة باحة البيت وداخل الغرف، ناهيك عن انتشارها في الدكاكين والمقاهي، ولكن الأمور تغيرت حينما غزت الكراسي الرخيصة الثمن المصنوعة من البلاستيك والمعدن السوق المحلي، ولكن حالياً عادت تلك الكراسي إلى البيوت بعد مضيّ سنوات على نسيانها، الأمر الذي جعل الورشات التي تعمل في مجال صناعة الكراسي الخشبيّة مع "القش" أو "الخيزران" تعاود نشاطها وتسترجع مجدها في البيع، وتتركز تلك الورشات بوجه خاص في "باب الجابية" و"القنوات"».

صناعة "كراسي القش" لا تزال تأخذ حيزاً من حياة أهل الريف، وذلك بصناعة عدة أنواع من القش كالمكانس والأطباق والسلال وحتى الكراسي الصغيرة والكبيرة، وهذا يعود إلى ملامستهم منتجات الطبيعة ومخلفاتها مباشرة، وتوافر المواد الأولية اللازمة لتلك الصناعات اليدوية التي تمثل جزءاً من التراث الشعبي

ويضيف: «تمثل "كراسي القش" جزءاً من التراث الشرقي، ما حدا بالعديد من المطاعم والفنادق والمقاهي في "دمشق القديمة" إلى إعادة استخدامها انسجاماً مع طبيعة هذه الأماكن وتصاميمها ومواقعها في منطقة قديمة، إضافة إلى كونها صحية أكثر للجسم؛ فالعديد من المختصين أثبتوا أن هذا النوع من الكراسي مريح لجسم الإنسان أكثر من غيره».

محمد خبير

"محمد خبير" صاحب ورشة لتصنيع "كراسي القش" في "القنوات" يقول: «هذه المهنة معروفة في "دمشق" منذ 600 عام، وتعتمد بوجه أساسي على الخشب وقش القمح؛ وهما المادتان الأساسيتان في صناعتها التي تتم يدوياً، فبعد إحضار "القش" الناتج عن القمح بعد حصاده، نقوم بترطيبه بالماء حوالي أربع أو خمس ساعات وتغطيته بقطعة من "الخيش" المبلول، ثم نقوم بتمشيطه بمشط خاص، حيث إن القش عريض والمشط عبارة عن قطعة خشبة فيها مجموعة مسامير على شكل مشط الشعر بهدف تقطيعه، حتى يصبح كشعر البنات، ثم يُجدّل (يضفر) ويتم تشكيله على الكرسي.

وتتوزع الأنواع المصنعة منه ما بين "كنبة" وكرسي السفرة وكرسي الاستخدام الخارجي أو الداخلي، وصناعة الكرسي الواحد تحتاج إلى وقت قد يصل إلى يوم كامل، بعد مرحلة تجميع القش التي تستغرق ثلاثة أيام متتالية».

تمشيط القش

الباحث في التراث "محمد الفياض" يقول: «صناعة "كراسي القش" لا تزال تأخذ حيزاً من حياة أهل الريف، وذلك بصناعة عدة أنواع من القش كالمكانس والأطباق والسلال وحتى الكراسي الصغيرة والكبيرة، وهذا يعود إلى ملامستهم منتجات الطبيعة ومخلفاتها مباشرة، وتوافر المواد الأولية اللازمة لتلك الصناعات اليدوية التي تمثل جزءاً من التراث الشعبي».

ويضيف: «في الفترة السابقة كانت هذه الكراسي يقتنيها الأغنياء كأثاث للصالونات والشرفات وحدائق بيوتهم، وفي المطاعم والمنشآت والمقاهي السياحية التي تهتم بالتراث، حيث شهدت هذه الصناعة تراجعاً في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي بسبب ازدحام السوق بالكراسي البلاستيكية، ولكن مع مرور الوقت لاحظ الكثيرون أن كراسي القش أفضل وأكثر راحة للجسم.

الباحث محمد الفياض

وما زالت "كراسي القش" مثل تحف تزين البيوت الدمشقية القديمة منها والحديثة، وتعطي البيت شعوراً بالدفء والجمال، حيث عمل الحرفي الدمشقي على استعمال النقوش عليها؛ وأبرزها: "الطاووس"، و"عين الشمس"، و"النسر"؛ وجميعها يتداخل فيها الفن مع الصناعة».