في السكن الأول لأهالي "دمشق" هناك الكثير من القصص التي تداولت عبر الزمن، فكونت أساطير عربية أصحبت جزءاً من الجبل، يضم مغارات مقدسة ارتبطت بأسماء عدد من الأنبياء.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 31 كانون الأول 2014، الباحث التاريخي "عماد العاني" الذي تحدث عن تاريخ جبل "قاسيون"، ويقول: «سكن أهل "دمشق" هذا الجبل قبل أن يسكنوا المدينة، ثم عاشوا فيه أجيالاً طويلة من الزمن، حتى إذا كثروا وتناسلوا وارتقت معارفهم وتجاربهم هبطوا إلى السهل المنبسط أسفله، وبنوا مدينتهم "دمشق"، ولكن مدينتهم الأولى هي "قاسيون" ففيه نشؤوا أولاً وإليه رجعوا اليوم، وقد أحيط "قاسيون" بالقصص والأساطير، فيقال إنه في سفحه الأدنى كان يسكن أبو البشر "آدم" عليه السلام، وفي أعلاه قتل "قابيل" أخاه "هابيل" ففتح جبل فاهه لفظاعة هذا العمل يريد أن يبتلع القاتل، وأخذ الجبل يبكي وتسيل دموعه حزناً على "هابيل"، وبقي لون الدم الصخرة التي قتل "قابيل" عليه "هابيل" ظاهراً بادياً، وفي كهف "جبريل" جاءت الملائكة إلى "آدم" تعزيه بابنه "هابيل"، وفي شرقي "قاسيون" حيث تقع قرية "برزة" كان مولد "إبراهيم" عليه السلام، وفي غربه "الربوة" التي أوى إليها المسيح وأمه عليهما السلام، وقرب "الربوة" في "النيرب" كان مسكن "حنة أم مريم" جدة المسيح».

أهل "دمشق" اختلفوا كثيراً لأي معنى سمي بذلك، فقيل لأنه قسا على الكفار فلم يقدروا أن يأخذوا منه الأصنام، وقيل لأنه قسا فلم تنبت فيه الأشجار على رأسه على الأغلب، وقد رأينا به شجرة تين وكان فيه أخرى فيبست، وفي "مغارة الدم" شجرتا أرزة وزيتون وفي كهف "جبريل" شجرة رمان

كما ذكر "خليل الطيب" في كتابه "تاريخ دمشق" جبل "قاسيون" بالقول: «في أعلى الجبل صخور لونها أحمر بلون الدم، وبجانب هذه الصخور توجد مغارة سميت بـ"مغارة الدم"، وقد أحاط الكثيرون من مشايخ "دمشق" المغارة بالقدسية وذكروا فيها أحاديث كثيرة، ومن ثم بني في موقع الدم كهف سمي بمقام "الأربعين" اشتمل على مقام ذي هيبة ووقار وأبنية لطيفة تشرق منها الأنوار، وعنده مسجد لطيف كان فيه منارة بقي منها الآن آثارها، فقد قال "ابن القاضي" في تاريخه إن الذي بنى مقام "الأربعين" المعروف بكهف "جبريل" هو "محمد بن عبد الله أبو الفرج الدمشقي" المعروف بـ"ابن المعلم"، ويقال إنه في هذا الكهف مقام الأبدال الأربعين، يأوون إليه ويتعبدون فيه ولهم أربعون محراباً فيه؛ وهو مقام مشهور وله قدسيته عند أهل "دمشق"، وفيه محرابان داخل مغارة نسب أحدهم إلى "إبراهيم الخليل" عليه السلام، والثاني إلى "جبريل" عليه السلام، كما ذكر في تاريخ "أبي المعلي الأسدي" أن "مغارة الدم" صلى فيها "إبراهيم" و"موسى" و"عيسى" و"لوط" و"أيوب" عليهم السلام».

مغارة الدم

ويتابع: «وفي أعلى جبل قاسيون أيضاً كهف منسوب لـ"آدم" عليه السلام، وعليه بناء وهو موضع مبارك، وتحته في حضيض الجبل مغارة تعرف بـ"مغارة الجوع"، ذكر أن فيها سبعين نبياً ماتوا جوعاً، وكان عندهم رغيف فلم يزل كل واحد يؤثر به صاحبه ويدور عليهم من يد إلى يد حتى لحقتهم المنية جميعاً، إن "دمشق" فاقت جميع البلدان في فضائلها ومزاراتها وأنبيائها وأوليائها فكانت الرابعة من المدن المقدسة».

وعن تسمية جبل "قاسيون" يفيدنا "العاني" بالقول: «أهل "دمشق" اختلفوا كثيراً لأي معنى سمي بذلك، فقيل لأنه قسا على الكفار فلم يقدروا أن يأخذوا منه الأصنام، وقيل لأنه قسا فلم تنبت فيه الأشجار على رأسه على الأغلب، وقد رأينا به شجرة تين وكان فيه أخرى فيبست، وفي "مغارة الدم" شجرتا أرزة وزيتون وفي كهف "جبريل" شجرة رمان».

كتاب "تاريخ دمشق"

ويختم بالقول: «إن جبل "قاسيون" جزء مهم من أجزاء "دمشق" لا ينفصل عنها، بل هو أعظم مظهر من مظاهرها، فموقعه المميز بإشرافه على "الغوطة" الفسيحة الأرجاء، ومرور نهري "يزيد" و"ثورا" في سفحه اللذين يزيدانه جمالاً وروعة ونضارة، كان أكبر عامل في إغراء الشعراء والأدباء على مدح "دمشق" وما حولها من الحدائق والمناظر الجميلة، لـ"قاسيون" سفحان يفصل بينهما نهر "يزيد" فما كان على الضفة الشمالية فهو السفح الأعلى، وهو سفح خالٍ من الماء لا ينتفع إلا بزرع الحنطة والشعير المسقيين بالمطر، ولم يكن فيه شيء من البناء إلا محلة "دير مران" وبعض الدور المتفرقة في أنحائه وبعض الأنبية المقدسة كالأديرة والمغارات، أما السفح الأدنى فهو ما كان على ضفة يزيد الجنوبية؛ وهو سفح مزدهر ناضر عملت فيه يد الإنسان ونظمته ونسقته، وبالحقيقة سفح "قاسيون" هو خير بقعة زراعية في "دمشق" لطيب أرضه ووفرة مياهه وتسلط أشعة الشمس عليه من الجنوب والشرق والغرب».