لعبة ابتكرها أهل "الشام"، تعلم القوة والرجولة، يحتاجها الأطفال لتقوية أبدانهم، ويلعبها الشبان لإظهار مهاراتهم، أدواتها عصا ودرع إسفنجي، ورغم شهرتها الكبيرة إلا أنها اليوم موجودة فقط في كتب التراث والتاريخ.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 13 كانون الأول 2014، المربي الفاضل "عمار الأيوبي" الذي تحدث عن لعبة "عصا الخيزران"، ويقول: «يمتلك أهل الشام الكثير من الألعاب الشعبية القديمة التي كانت تسليهم وتمتعهم في أوقات فراغهم، مثل: "السيف والترس"، "النطة"، "التباطح"، و"التناحر" وغيرها، وتلك الألعاب كان يتم ابتداعها ومن ثم تتوارثها الأجيال جيلاً بعد آخر، ومنها لعبة "عصا الخيزران" التي تتميز بإظهار صفات الرجولة والقوة والتحدي والخطورة لدى الرجال، وهي تشبه لعبة "السيف والترس" ولكن لكل منها طريقتها وخصائصها التي تميزها، وهي من الألعاب التي تتم ممارستها والتدريب على طريقة إتقانها منذ الصغر».

من تقاليد لعب "الحكم" عندما يبزر اللاعبان يحملان خيزرانتيهما يتقدم كل منهما الشيخ ويسلمهما "الحكمين" ليقبل كل منهما حكمه، وعندها يقول الجميع: (اللهم ارض عن سيدنا علي)، لشهرته كرم الله وجهه بضرب السيف

ويضيف: «أذكر عندما كنت طفلاً كان والدي يأخذني وأخي إلى بساتين "كيوان" و"الربوة" لنرى مجموعات من الشبان والرجال يمارسون هذه اللعبة، حيث المنطقة مخصصة للتدريب على الألعاب الخطيرة التي تتطلب قوة عضلية وتركيز عقلي في أدائها، حيث كان اللاعبون يأخذون عصا غليظة طولها تقريباً متران، فينقلونها على أصابعهم، ثم يتبارزون في وقت واحد مع رجل أو رجلين من اللاعبين الذين يثبون على بعضهم فيدافع المعرض للهجوم عن نفسه دفاعاً مجيداً، ومن العائلات الشامية المشهورة أيام زمان بهذه اللعبة "بيت الكلاوي" من سكان "الميدان"، الذين ذاع صيتهم بقوة ممارستهم لهذه اللعبة».

المربي الفاضل فاروق الأيوبي أبو عمار

وفي كتاب "الألعاب الشامية" للأستاذ "ماجد اللحام" يذكر فيه كيفية ممارسة هذه اللعبة، ويقول: «لعبة "عصا الخيزران" من الألعاب الشامية الأصيلة القديمة، وتدل على الجرأة والرجولة، وتبدأ تدريباتها منذ الطفولة، عندما يحمل كل طفل بيمينه عصا أو قضيباً وبيساره قطعة من التوتياء "غطاء التنك"، ويتلقى كل منهما ضربات زميله على غطائه أو ترسه، ويكتسب بذلك مهارة مبكرة، وعندما يصل الأطفال مرحلة الشباب يتدربون بـ"الخيزرانة" و"الحكم"، الذي هو عبارة عن ترس من الجلد محشو بالقطن حتى يصبح صلباً وله من باطنه ممسك ليحمله اللاعب بيده، ويتم اللعب بإشراف مدربين يسمى واحدهم شيخ اللعب».

وعن كيفية التدريب يتابع: «يقف اللاعبان أحدهما مقابل الآخر بمسافة ثلاثة أمتار، وكل منهما بنصف اتجاه إلى يمينه، ثم يتقدمان ويتصافحان ويقبل كل منهما أنامل الآخر مجتمعين، ورأساهما أحدهما إلى الآخر، ثم يفترقان إلى تلك المسافة، وينفرد كل منهما باللعب بعصاه تمريناً وترويضاً للأعصاب والأعضاء قبل البدء بالمبارزة، فترى "الخيزرانة" تدور بيد كل منهما إلى سائر أطرافه ضارباً بها جسمه إلى الأمام والخلف، ثم يضرب "الحكمة" بيده اليسرى ويستمر ذلك نحو عشر دقائق، ثم تبدأ المباراة فيتقدم كل منهما من خصمه خطوة حيث تتلامس الخيزرانتان ثم يعودان إلى مكانهما مع ضرب كل واحد لحكمه بيده اليسرى دليل الاستعداد للعب، يمد أحدهما اليد حاملة "الحكم" إلى خصمه فيقدم هذا رجله اليمنى ويضرب ثلاث ضربات مختلفات على "الحكمة" حيث يتوجه يمنة ويسرى، ويعود برجله إلى الوراء، ثم يباشر زميله عمله نفسه عدة مرات، ثم يتبادلان الضرب بالخيزرانة، والخصم يضع حكمه ليرد الضربات على الرأس والخاصرة اليمنى ثم اليسرى حتى يشتد الوطيس عندها يتدخل شيخ الحلقة ليفصل بينهما بعد أن يتلاحما بجسميهما، ويبعدهما ثانية ليتوسط بينهما لاعب ثالث يتقدمهم بالتدريب واللعب، وهو يحمل بيديه خيزرانتين يجيد اللعب بهما وينهال بهما على خصميه فيضرب ذات اليمين وذات اليسار واللاعبان يصدان بحكميهما، ويزداد تسارع الضربات، ثم يستخدم اللاعبان الجانبيان خيزرانتيهما بالهجوم ويشتد الحماس واللعب وتشجيع المتفرجين، وفي أوج اللعب يتدخل شيخ الحلقة ثانية لينهي المبارزة».

الخيزران

ويضيف: «من تقاليد لعب "الحكم" عندما يبزر اللاعبان يحملان خيزرانتيهما يتقدم كل منهما الشيخ ويسلمهما "الحكمين" ليقبل كل منهما حكمه، وعندها يقول الجميع: (اللهم ارض عن سيدنا علي)، لشهرته كرم الله وجهه بضرب السيف».

ويقول السيد "مازن الحجة" من سكان حي "ساروجة": «لقد وثق الكثيرون من المؤرخين بكتبهم عن الألعاب الشعبية القديمة التي كانت دارجة أيام زمان في "دمشق"، و"عصا الخيزران" من الألعاب التي اشتهرت في: "الميدان"، و"الشاغور"، و"العمارة"، و"ساروجة"، وممارستها تبدأ من الصغر بتحريض من الأب لولده لتقوية عظم جسده وتعليمه الدفاع عن نفسه وكيف يصد ضربات الخصم بـ"الطراحة" المصنوعة من القش والمحشوة بقطع من القماش، ويتراوح قطرها بين 25 و30 سنتمتراً، ومغطاة بجلد لتحمي الوجه من الضربات المفاجئة».

مازن الحجة

ويضيف: «حالياً لم يعد أحد من أبناء "دمشق" القديمة يمارس هذه الألعاب الشعبية، ومن بينها هذه اللعبة، وأصبحت محصورة ببعض فرق "العراضة" الشامية التراثية فقط، حتى إن بعض الفرق الأخرى استبدلتها بالسيف والترس الدارج في الوقت الحالي».