أكلة حلوة معروفة لدى أهل الشام في فصل الشتاء، تعيدك لأجواء الحارات الدمشقية القديمة وتجعلك تغير طريقك لتتناول زبدية "حبوبية"، أدواتها بسيطة ومتوافرة في كل بيت لكن لها نكهتها الخاصة عند أصحاب الخبرة والكرم.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 26 تشرين الثاني 2014، السيد "رضوان جوهر" صاحب محل لبيع "الحبوبية"، فحدثنا قائلاً: «"الحبوبية" أكلة شعبية لها ناسها ومحبوها، وتقول الرواية الشعبية إنها تعود لسيدنا نوح عليه السلام عندما صعد على السفينة ومعه ثمانون رجلاً، فجمع جوزين اثنين من الحبوب من كل شخص قمح، فاصولياء، حمص وفول؛ ومن هنا أتت تسميتها "حبوبية"، وهي اسمٌ على مسمى».

هي كلة عريقة، كانت سابقاً تُقدم للشخص العائد من العمرة في الشتاء، مضافاً إليها المنكهات ومزينة بحب الرمان الحلو مع أهزوجة شعبية محببة تقول: ## "صلي على المحبوب ## صلي على الحبيب ## يلي كنت عندو"

يعود عمر مهنته إلى 40 عاماً خلت، فوالده كان يمارس المهنة من قبله وهو تعلمها منذ صغره، حيث كان يأتي مع والده إلى ذات المحل الذي يعود إلى السبعينيات من القرن الماضي ويساعده في تحضيرها وتعبئتها في "الزبادي"، وخاصة يوم الجمعة حيث يزدحم المصلون أمام المحل بعد الانتهاء من صلاة الجمعة؛ يتابع: «أعتاد المصلون أن يكافئوا أولادهم عند الخروج من المسجد بتقديم "زبدية" من هذه الأكلة الطيبة والمفيدة، وهناك من يفضل تناولها مع العائلة حيث يقوم بإحضار "قرطاس" لوضع "الحبوبية" بداخله، وهو مصنوع من "الستالس ستيل" ومزود بغطاء محكم يحول دون أن تفقد الأكلة سخونتها، فهي تؤكل ساخنة، أما مكوناتها فهي من القمح -المكون الأساسي- إضافة للفول والحمص والفاصولياء، وتحضر الآن من القمح والحمص، وقد أحبها الزبائن بهذه الطريقة لأنها أخف على المعدة، فالزمن تغير، إذ كانت أجسامنا في السابق بحاجة إلى طاقة أكبر بسبب صعوبة العمل وبرودة الطقس، أما طريقة تحضيرها فهي تبدأ بغسل كل نوع على حدة، ثم سلق المكونات بذات الطريقة، فالحمص لا يحتاج ذات الفترة التي يحتاجها القمح في النقع أو السلق، بعد ذلك نقوم بجمعهما في إناء واحد كبير يسمى "الحلة"، وبعد الغلي على النار نساعدهما بقليل من النشاء الذي نشتريه من "البزورية"، إذ نضيفه بعد إذابته بقليل من الماء البارد وتحريكه جيداً، لنضيف بعد ذلك السكر أو الدبس (دبس العنب أو التمر)، ولكن زبائني يفضلون السكر، كما يفضلون أن تكون مائلة للحلاوة أي (جارح حلوها، بالمنطوق الشعبي)، وعند الاستواء نضيف المنكهات من ماء زهر أو يانسون أو شمر أو جوز الهند، حسب الرغبة والطلب، ونقوم بتزيينها بالجوز وبعض المكسرات إن أردنا وحسب الإمكانيات المادية».

"حلة" الطبخ

كما التقينا "فايز سليق" أحد المارة في الحي وممن ينتظرون دورهم لتناول زبدية من "الحبوبية"، فحدثنا قائلاً: «أسكن في "الصالحية" وأجعل طريق مروري من هذا الحي، لأنني لا أستطيع مقاومة هذه الأكلة، وخاصة في فصل الشتاء وأشم رائحتها منذ دخولي الحارة فهي تربطني بذكريات الطفولة والأصدقاء الذين كنا نجتمع معهم عند العودة من المدرسة أمام هذا المحل لنتشارك معاً لذة تناول "زبدية الحبوبية"».

وأثناء جولتنا في المنطقة توجهنا إلى السيد "غسان مسرابي" أحد الأشخاص المعروفين هناك، وسألناه عن معرفته بهذه الأكلة بحكم هوايته في جمع وحفظ تاريخ الحارة والصيت الذائع له عن حبه للتراث؛ فحدثنا قائلاً: «هي كلة عريقة، كانت سابقاً تُقدم للشخص العائد من العمرة في الشتاء، مضافاً إليها المنكهات ومزينة بحب الرمان الحلو مع أهزوجة شعبية محببة تقول:

رضوان جوهر

"صلي على المحبوب

غسان مسرابي

صلي على الحبيب

يلي كنت عندو"».

وتابع: «القمح متعدد الاستعمالات، فهو يشبه الأرض بتنوعه، فكما يدخل في تكوين الحبوبية يدخل أيضاً في أكلة "السنونية" التي تحضر للاحتفال بظهور أسنان الطفل الأولى وتزين بالمكسرات والحلويات، وتحضر في بعض المنازل مالحة وخاصة في المحافظات الأخرى، وقد تعلمها أهل الشام بحكم اختلاطهم مع أبناء المحافظات الأخرى، أما "الحبوبية الحلوة" فلها نكهتها المميزة مع أهل حارته و"عالماشي" حيث مع كل "زبدية" تسمع قصة أو طرفة».

الجدير ذكره، أن الأسواق الدمشقية تغص بأنواع كثيرة من الأكلات الشعبية البسيطة التي ترتبط بذكريات وتاريخ لزبائنها، لذا نرى أنها -وعلى الرغم من رخص ثمنها- مرغوبة ومطلوبة من كل الطبقات الاجتماعية.