مهنة دمشقية عريقة، اتسمت برائحة زكية، وتزينت بالمنظر الجميل، لتكون ركناً أساسياً في الضيافة الشامية، ولترضي بأنواعها المختلفة بين القدم والتطور الصغير والكبير، إنها "الموالح" ضيافة السيّاح في "دمشق القديمة".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 8 تشرين الأول 2014، السيد "رياض نظام" صاحب محمصة "نظام" الرئيسية تحدث لنا عن تاريخ هذه المهنة: «مهنة "الموالح" من أقدم المهن في "سورية"، واشتهرت بها مدينة "دمشق" بشكل خاص أكثر من باقي المدن السورية، والتزم بهذه الحرفة أصحابها الذين زادت خبرتهم بها يوماً بعد يوم، أسس "محمصة نظام" جدي المرحوم "عزت نظام" عام 1925، وانتقلت هذه الحرفة من الأجداد إلى الأبناء، فمن جدي إلى والدي وأعمامي، ومن والدي "عباس نظام" إليّ وإلى إخوتي، فهي حرفة متوارثة، بدأت بالعمل اليدوي والآن أصبح للآلات دور كبير فيها.

ورثت مهنتي عن أبي الذي ورثها عن أجداده، وأنا متعلق بها ولا أحب العمل في غيرها، فقد أبدعنا في مراحلنا الأولى عدة آلات للتحميص كانت تستورد من الخارج؛ وذلك بجهود وخبرات محلية بحتة، وأنا بدوري سأقوم بتوريثها لأولادي -إن رغبوا- فجيل اليوم ليس كجيلنا

كانت مدينة "دمشق" من أكبر المدن صناعة لـ"الموالح"، وكانت تصدر إلى باقي المدن بكافة المناطق السورية، لجودة منتجاتها؛ وهو ما جعلها مركزاً لتصدير الموالح الدمشقية إلى خارج "سورية"، التي أصبحت مركزاً مهماً لتصدير هذه المواد، إضافة إلى اقتناء السيّاح الأجانب لهذه الأطعمة اللذيذة وتقديمها كهدية لأصدقائهم في بلادهم».

رياض نظام

بين أدوات قديمة وآلات حديثة، تحدث السيد "نظام" عن طريقة تحضير "الموالح": «قديماً كانت المهنة يدوية، فكان "الصاج" المحمي بالآجر والتراب، كيلا ينقل الحرارة أو النار التي توقد في أسفله باتجاه العامل، كانت اليد العاملة وبالقطع الخشبية، تقوم بتحريك البذار مع الماء والملح، وحينما تصل إلى مرحلة مناسبة من النضج، يتم إخراجها ووضع مواد خاصة بالمهنة فوقها، مثل: النشاء، و"الحمض"، أما الآن ومع تطور التكنولوجيا التي ساهمت بتطور المجتمع والمهن المختلفة، فقد كان لمهنتنا نصيب من ذاك التطور، فالماكينة الكهربائية اليوم تقوم بتحريك البذار، والعامل له دور الانتباه ومتابعة كافة مراحل التحميص إلى مرحلة التعبئة والبيع».

أما عن الأصناف التي تقدمها هذه الحرفة فيقول: «كانت الأنواع الأساسية منذ بداية هذه المهنة ثلاثة أنواع ابتداءً بالبذر بأصنافه المختلفة: الأسود الذي كان ينتج من المناطق الشمالية في "سورية" وخاصة في منطقة الجزيرة، والمصري الذي سمّي بـ"بذر العشاق"، والإيراني، والبذر الأبيض، إضافة إلى بذر دوار الشمس الذي كان يسمى غالباً بـ"ميّال الشمس"؛ حيث اشتهرت بإنتاجه منطقة الغاب، والفسّتق الذي يسمى بـ"فستق العبيد"، أو "الفستق السوداني" واشتهرت به المنطقة الساحلية وخاصة "جبلة" و"بانياس"، والحمّص القادم من "درعا" و"القنيطرة"؛ ليصبح فيما بعد "قضامة" مغبرة وناعمة، ولكن اليوم باتت الأنواع كثيرة جداً وتشعرك بالحيرة لتنوعها، ودخلت أنواع جديدة كالكاجو، واللوز، و"المكسرات" الصينية، و"المكسرات" اليابانية، أيضاً وبسبب تطور هذه المهنة، وتطور المواد المستخدمة فيها، فقد أضيفت المنكهات والبهارات والملونات، لنجد العديد من الأنواع المقدمة في المحمصة».

من مراحل العمل

ويضيف: «رغم تعدد الأصناف إلا أن لكل صنف من يرغبه، فالكبار بالسن يطلبون دائماً الفستق، البذار بأنواعها و"القضامة"، أما الشباب فإن الأشكال والألوان المختلفة في المكسرات الصينية تغريهم، على عكس أصحاب المناسبات فإن المكسرات الفاخرة كالكاجو واللوز من الموالح الرئيسية المتواجدة في مناسباتهم، ولا تمر مناسبة عامة كالأعياد أو خاصة كالأعراس والزيارات في أي بيت دمشقي، إلا وكان للموالح النصيب في الحضور على طاولة الضيافة».

أما السيد "فايز بيرقدار" مالك إحدى المحامص، فقد أفادنا في معلومة جديدة حين التقيناه: «تقول الأخبار المتوارثة أن الفستق الحلبي إيراني المنشأ، كانت تشتهر "دمشق" ببيعه وكثرة استهلاكه قبل أن يتم استجلاب البذرة من هناك وزرعها في الأراضي السورية، حيث اشتهرت كل من "حلب، إدلب وحماة" بزراعته، لكن "حلب" كانت المبدعة في الإنتاج من حيث الكم والنوع؛ ما سبب تسميته بهذا الاسم لاحقاً».

آلة التحميص

وعن تاريخه في المهنة يكمل قائلاً: «ورثت مهنتي عن أبي الذي ورثها عن أجداده، وأنا متعلق بها ولا أحب العمل في غيرها، فقد أبدعنا في مراحلنا الأولى عدة آلات للتحميص كانت تستورد من الخارج؛ وذلك بجهود وخبرات محلية بحتة، وأنا بدوري سأقوم بتوريثها لأولادي -إن رغبوا- فجيل اليوم ليس كجيلنا».

يذكر أن الموالح تعد ضيافة راقية في "دمشق" وباقي المحافظات، خاصة تلك الأنواع الفاخرة والغالية الثمن، ويوجد لها في كل محافظة أسواق متخصصة يقصدها الناس لشرائها طازجة.