لم تظهر الصحافة في بلاد الشام دفعة واحدة بل ظهرت في مراحل متتابعة، ولقد كان لصدور "قانون المطبوعات" الذي أصدره السلطان العثماني "عبد العزيز" في عام 1865م أثره في ظهور أول صحيفة سورية رسمية حملت اسم "سورية" في العام نفسه، تلتها في الظهور صحف ومجلات عديدة، كما حدثنا الصحفي السوري "علي فرزات".

موقع "eSyria" بتاريخ 13/9/2010 التقى بالأستاذ "علي فرزات" ليحدثنا عن بدايات الصحافة الساخرة في سورية وأهم المجلات والجرائد التي اختصت بهذا المجال، وفي بداية حديثه قال: «يذكر الصحافي "منذر الموصلي" في كتابه "الصحافة السورية ورجالها" تعريفاً للصحافة الفكاهية الساخرة بأنها صحافة لها رسالة وهدف شأن أية صحيفة، لكنها تتوصل لأغراضها بقالب ساخر وعبارات نقدية، فيها من الهزل بمقدار ما فيها من الجدية كموضوع، ولطالما تضايق منها أهل السياسية، لأن مواضيعها لاذعة، وتكون معززة بالصور الفكهة وتصدر عادة كمجلات أو صحف أسبوعية أو شهرية، ولقد اشتهر كثير من هذه الصحف والمجلات الساخرة، واشتهر كذلك العديد من الصحافيين الهزليين الذين استخدموا أحياناً العامية الناقدة في مقالاتهم اللاذعة، وقد كانت مرحلة الاحتلالين العثماني والأوربي لبلاد الشام هي المرحلة الذهبية لهذه الصحافة التي ولدت وتطورت في ظل الاحتلال، فسخرت منه ومن رجاله وأعوانه وعساكره بالنكتة المرّة والحادة والأسلوب الساخر، واتخذت نفسها أسماء هزلية وساخرة».

ألو سنترال...أعطينين المسيو بيرار..بونجور مسير بيرار، بلغني أنك رايح تاخذ شركة الريجي على حسابك، إيه شو هاد خزيت العين عنك...باينتكرايح تحوق عالكل..خلي شي إلك وشي لربك"

عن الصحافة الساخرة في مرحلة الاحتلال العثماني يحدثنا الأستاذ والصحفي "أحمد بوبس" فيقول: «مرّت الصحافة الفكاهية الساخرة شأنها شأن عموم أنواع الصحافة الأخرى في أكثر من مرحلة من مراحل الدولة العثمانية، وكان لها في كل مرحلة دورها وصمودها في التصدي للمظالم الكثيرة، لا سيما في العهدين الحميدي والاتحادي، حيث كانت تتطلع إلى التحرر والانعتاق، إلى أخذ العرب لدورهم في بناء الحضارة الإنسانية، ومن أهم الصحف والمجلات الفكاهية الساخرة الصادرة في "دمشق" بهذه المرحلة "حط بالخرج" وهي جريدة هزلية عامية انتقادية، لصاحبها "محمد عارف الهبل" وقد صدرت في دمشق 3 أبريل 1909م في أربع صفحات صغيرة، وتتألف صفحاتها من ثلاثة أعمدة، ومع أن هذه الجريدة هزلية عامية انتقادية فقد بدأت تنشر باللغة الفصحة وتتعرض لمختلف الشؤون، وبعض مقالاتها الفصيحة تأتي مسجوعة فيها بعض التكلف، وما عدا ذلك فهي هزلية بالعامية، تعرضت هذه الجريدة للتعطيل في عامها الأول، لأنها أخذت تنتقد الإدارة العثمانية وتقسو على أرباب الدولة بكتاباتها الهزلية أو الجدية، ففي إحدى الافتتاحيات تندد بسياسة الاتحاديين في مقال عنوانه "أين الدستور" متهمة إياهم بوأد الحريات تسببت لهم كل سوء، ثم تتناول "قومندان الجندرمة" بالطعن والتجريح لأنه ضرب بعض السكان بالكرباج أمام الأجانب في منطقة "المزة"، وكانت تصدر أسبوعية، ثم منذ صيف 1911 صارت تصدر في أربع صفحات من القطع المتوسط وبقي صاحبها "محمد عارف الهبل"، غير أن إدارتها كانت لـ"حلمي الفتياني"، ثم توقفت ورخصت فيما بعد فظهرت في يناير عام 1924 لصاحبها "هاشم خانكان" ومدير تحريرها "توفيق حسن" في أربع صفحات».

أما عن جريدة "جحا" فيقول "بوبس": «هي جريدة هزلية جدية أيضاً، كانت تصدر نهار الأحد من كل أسبوع لصاحبها ومديريها "محيي الدين شمدين"، صدر عددها الأول في 11 فبراير 1911م في "دمشق" في أربع صفحات صغيرة، وفي عامها الثاني تحول امتيازها إلى "خير الدين الزركلي" وبقي "محيي الدين شمدين" مديراً مسؤولاً وأصبحت صحيفة أسبوعية جامعة، تنشر الفكاهة والانتقاد والجد، وبدأت تصدر في ثماني صفحات من القطع الصغير، أما "الحمارة" فهي جريدة هزلية سياسية أدبية فكاهية انتقادية مصورة، لصاحبها "نجيب جانا"، صدرت في بيروت عام 1910 ثم تغير اسمها إلى "حمارة بلدنا" و"حمارة الجبل" عام 1913، ثم انتقلت إلى "دمشق" حيث صدر عددها الأول في 16/2/1919 ويقع في أربع صفحات من القطع المتوسط، وهي رصد هزلي لمعاناة الناس أثناء الاحتلال».

يتابع حديثه متطرقاً إلى الحديث عن جريدة "النفاخة"، فيقول: «هي جريدة هزلية أسبوعية صدرت في دمشق 28 يناير 1910 في أربع صفحات من القطع الصغير، ثم توقفت وصدرت مرة أخرى باسم "النفاخة المصورة" في 10 أغسطس 1911 لصاحبها "عز الدين" شعارها "إذا لم يسمعوا فانفخوا لهم وزمروا" واعتمدت على الرسوم الكاريكاتيرية، وفي هذه المرحلة صدرت في "دمشق" جريدة "بردى" 1911، "أعطه جمله" 1909، "الصاروخ" 1912، وصدرت في العهد العثماني كذلك صحف ومجلات فكاهية في بلاد الشام وهي "مسخرة" حلب 1090، "المكنسة" حماة 1911، "المرسح" حلب 1911، "كشكول" حلب 1911، "جراب الكردي" حمص 1914، "الإخاء" حماة 1910».

جريدة الطبل

أما عن الجرائد من نفس النوع في عهد الاحتلال الأوربي عنها يحدثنا الأستاذ "محمد مروان"، فيقول:«استمر توالي صدور المجلات والصحف الفكاهية الساخرة الناقدة خلال مرحلة الاحتلال الفرنسي لكل من "سورية، لبنان" والاحتلال البريطاني لـ"الأردن وفلسطين"، وشهدت هذه الصحافة تطوراً كبيراً شمل تحريرها وإخراجها الفني، وظهرت على صورة متقدمة من النضج، حيث قادت معركة الكلمة عن طريق النقد السياسي الساخر».

عن أهم هذه الصحف في ذلك الوقت بدمشق يقول: «كان أهمها "الزمر" وهي جريدة أسبوعية سياسية انتقادية فكاهية صاحبها "خليل زقوت المجدلي" وهو رئيس تحريرها، صدرت في عام 1927 وتوقفت عن الصدور عام 1937، "السهم" وهي جريدة أدبية فكاهية انتقادية، صدر عددها الأول بدمشق في 10/10/1921 لصاحبها "محي الدين البديري" في ست صفحات من القطع المتوسط، أما مجلة "المضحك المبكي" كانت تعتبر من أهم المجلات الفكاهية الساخرة حينذاك، مؤسسها ورئيس تحريرها الصحافي "حبيب كحالة"، كانت تعتمد على كل ما هو طريف، هزلي وساخر لعرض مضامينها، كما كانت تستعيد الحكايات الشعبية والأمثال المتداولة واللهجة العامية في تعليقاتها السياسية الحادة، صدرت أسبوعية في 24 صفحة من القطع المتوسط مزودة بالرسوم الكاريكاتيرية الساخرة، صدر عددها الأول في "دمشق" 1929 واستمرت في الصدور إلى عام 1966 ومن النقد اللاذع الذي وجهته للمفوص السامي والفرنسي "بونسو" مايلي:

الصحافة الساخرة

الصبر والله يا زين...خلص

والقلم من همو وصبرو...مرض

إن تتركنا بها لحالة...ظلم

كلمة منك يا ممسيو...ذهب

لطفها تا تطفي منا...لهب

رايحين نفنى بعلّتنا...قهر

لا تخلينا بعقدتنا...دهر».

وفي زاوية كان عنوانها "على التلفون" في العدد 11 ثمة مخابرة تنتهي إلى المسيو "بيرار" تقول: «ألو سنترال...أعطينين المسيو بيرار..بونجور مسير بيرار، بلغني أنك رايح تاخذ شركة الريجي على حسابك، إيه شو هاد خزيت العين عنك...باينتكرايح تحوق عالكل..خلي شي إلك وشي لربك"».

يتابع: «وظهرت إبان الاحتلال الفرنسي لسورية صحف ومجلات أخرى منها في "دمشق" "العفريت" 1920 أبو نواس العصري 1922، "الخازوق" 1928، "الكرباج" 1927، "المزاج" 1930، وكانت هذه الصحف تبعث القلق والفزع في قلوب المحتلين وأعوانهم، وكانت على الدوام ضمير الناس ولسانهم، إنها أضواء على جوانب منسية من صحافة الماضي التي أسد لنا علينا ستائر النسيان».