بالقرب من تمثال "عبد الرحمن الداخل" فاتح الأندلس تقع الحدائق النحتية السورية؛ تلك التي أقيمت بأزاميل نحاتين ونحاتات سوريين صنعوا الجمال على الحجر ليعبر عن مدى الحب والصداقة بين الشعبين السوري والإسباني.

موقع "eSyria" بتاريخ 10/7/2010 التقى النحات السوري "أكثم عبد الحميد" ليحدثنا عن مشروع "الحدائق النحتية السورية" في "إسبانيا"، والتي تضم مجموعة كبيرة من الأعمال النحتية لنحاتين سوريين.

في عام 2005 قام ملتقى النحاتين السوريين الشباب تحت اسم "من دمشق إلى المنكب"، حيث ترك ثمانية نحاتين شباب بإشراف الفنان "أكثم عبد الحميد" بصمة جمالية نوعية في المنكب، منفذين أعمالاً رائعة تبرعوا بها للبلدية حيث أصبحت الحديقة النحتية السورية القائمة في الحديقة النباتية "الماخولو"، والتي دشنت فيما بعد في تشرين الأول 2006

بداية الحديث كان "الأندلس" ومدى أهمية "عبد الرحمن الداخل" لدى الإسبان، عن ذلك يقول "أكثم": «لم أكن أتصور بأنني سأقف يوماً ما على الشاطئ الآخر للبحر الأبيض المتوسط، أمام تمثال "عبد الرحمن الداخل"، الموجود على تلة صغيرة قريبة من منطقة دخوله لمدينة "المونيكار"، علماً بأن مجلس المدينة وعمدتها يفتخرون بشخصيته ويعتزون بأنه اختار مدينتهم لتكون الأولى في دخوله إلى الأندلس، فترجموا هذا الافتخار بنصب تمثال له تجاوز طوله ثلاثة أمتار من البرونز وجعلوا الأختام الرسمية للمراسلات لعمدة المدينة تحمل رسم وجه "صقر قريش" بين الأمواج ورسم الزورق الذي دخل عليه إلى المدينة».

أنثى ورجل

يتابع "أكثم" ليحدثنا عن فكرة "الحدائق النحتية السورية" في "إسبانيا"، فيقول: «الحدائق النحتية السورية هي جهود مبذولة من الفنانين السوريين، ومن معهد الفنون التطبيقية وبمشاركة فنانين آخرين مميزين بإشرافي وتنظيمي، حيث تضمنت أربعة ملتقيات بدأت في عام 2005 وانتهت في عام 2008، كانت فكرة الملتقى الأول من قبل الأستاذ "رفعت عطفة" مدير المركز الثقافي السوري السابق بمدريد مع عمدة المدينة الدكتور "خوان كارلوس بينا بيدس"، من خلال الإصرار على استدامة هذه الملتقيات النحتية السورية، حيث كانت البداية صعبة وكادت توءد لولا الأيادي البيضاء من الشعب السوري والإسباني بما قدموه من الدعم المادي والمعنوي للفنانين السوريين».

يتابع: «انعكس هذا الدعم بإقامة الملتقى النحتي السوري الأول والذي كان وقعه جميلاً على وجوه أهل المدينة وعمدتها ففي عام 2006 دعا السيد عمدة المدينة الدكتور "رياض نعسان آغا" وزير الثقافة لزيارة المدينة، ولرفع الستار عن النصب التذكاري في الحديقة والتي دون عليها باللغة الإسبانية "الحدائق النحتية السورية"، وتوج هذا الاحتفال أمام تمثال "صقر قريش" بأنغام للنشيد السوري ممزوجة بأصوات أمواج المتوسط، وأصوات مطارق وأزاميل الفنانين السوريين، إضافة إلى وجه صقر قريش البرونزي الذي كان يتراءى لنا بين ثنايا العلم السوري تارة، والعلم الأندلسي تارة أخرى، لحظات لن يمحوها الزمن من ذاكرتنا، ستبقى شعلة في القلب، ومن هنا أبدع فيها النحاتون السوريون أجمل القطع النحتية، نحتوها بأصابع الروح وبمخيلة مبدعة حققوا فيها أعلى درجات البلاغة التشكيلية، ذلك من خلال المضمون الثقافي الراقي للثقافتين السورية والإسبانية، بسمات شرقية قريبة من روح الشعب الاندلسي، فكان هناك قبولاً وتفاعلاً واضحاً لأهل هذه المدينة لتلك الأعمال النحتية ولهذه الثقافة الفنية السورية».

عبد الرحمن الداخل

عمدة المدينة السيد "خوان كارلوس بينابيدس" خلال افتتاحه للحدائق تحدث عن أهمية الحدث قائلاً: «في عام 2005 قام ملتقى النحاتين السوريين الشباب تحت اسم "من دمشق إلى المنكب"، حيث ترك ثمانية نحاتين شباب بإشراف الفنان "أكثم عبد الحميد" بصمة جمالية نوعية في المنكب، منفذين أعمالاً رائعة تبرعوا بها للبلدية حيث أصبحت الحديقة النحتية السورية القائمة في الحديقة النباتية "الماخولو"، والتي دشنت فيما بعد في تشرين الأول 2006».

يتابع: «تزايدت الحديقة النحتية السورية كل عام ومع كل ملتقى بأعمال جديدة ضمن أروقة الحديقة بإطارها النباتي، الأثري والتاريخي لحديقة "الماخولو" سابقاً، حيث كانت أفضل مكان يضم هذه التظاهرة الفنية، لقد أصبح فيها الآن مجموعة نحتية مؤلفة من 32 قطعة نحتية هي أفضل تعبير عن التواصل والمعرفة بين الثقافتين العربية الإسلامية والمسيحية الغربية، والتي على الرغم من العولمة التي نعيش بها ما تزالان مجهولتين بالنسبة للكثيرين وخاصة الأوروبيين، على الرغم من أننا نشترك في بحر يوحدنا وفي قرون من التواصل الدائم».

النحاتين المشاركين

أما وزير الثقافة الدكتور "ياض نعسان آغا" فيتحدث عن أهمية الحدائق النحتية السورية في كتاب خصص لتوثيق هذا المكان: «لم أكن على يقين من أهمية حديقتنا النحتية السورية في "المونيكار" حتى أتيحت لي زيارة "الأندلس" لافتتاح هذه الحدائق النحتية عام 2006، كان صديقي النحات "أكثم عبد الحميد" قد حدثني بزهو عن هذا المشروع الثقافي الذي أسجل له جهده المتميز فيه، وكانت المفاجأة أن بين فريق الفنانين فنانات نحاتات شابات، ولم أكن من قبل أعلم أن نحت الصخر وما فيه من مشقة وعناء يغري البنات اللواتي كان فنهن المفضل التطريز والزركشة وما يتصل بالنعومة والرقة وحدهما، أما أن أجد جيلاً من الصبايا اللواتي يخرجن من الانوثة قوة تنحت الصخر، فلم يكن ميدان إعجابي وحدي بوصفي شرقياً، إنما وجدته ميدان إعجاب الإسبان والأوروبيين أنفسهم، فقد كان الزائرون وهم يفدون بالآلاف يقفون مندهشين مسرورين وهم يتأملون رهافة بناتنا السوريات في تعاملهن بالصخر الصلب، وقد كسا الغبار وجوههن ولففن على رؤوسهن عصابات تصد رياح النثار، وكنت مزهواً بهن وهن يمثلن ما وصلت إليه المرأة السورية من اقتحام متين لكل ميادين الفن والعمل».

أما عن الإبداع الذي يزين "الحدائق النحتية السورية" فيقول الدكتور "رياض نعسان آغا": «في الحدائق النحيتة نجد إبداع فنانينا وفناناتنا وهم من خريجي وخريجات المعهد التقاني للفنون التطبيقية التابع لوزارتنا، ونتأمل رؤيتهم الراهنة للأندلس، ونرى كيف عبر الفنانون عن هذه التجربة الحضارية التشاركية الفريدة في خصوصيتها، وما الذي نقلوه إلى أصدقائهم الإسبان من ثقافة أمتهم ورموزها الضخمة الكبيرة، وإن الأمر الهام في مشروع الحدائق النحيتة السورية أنه مشروع مستمر، يغذيه إصرار الشعبين على التواصل والتفاعل وحرص الحكومتين على الارتقاء بالعلاقات بين سورية وإسبانيا إلى سوية تليق بما لدى البلدين من تاريخ مشترك».

الجدير بالذكر أن الفنانين المشاركين في العمل على الحدائق النحتية السورية هم: "أكثم عبد الحميد، محمد بعجانو، عماد الدين كسحوت، فؤاد أبو عساف، زكي سلاّم، إياد بلال، حمزة ياغي، سماح عدوان، همام السيد، عبير وردة، نزار بال، نور الزيلع، هادي عبيد، سمر سليمان، علي نيوف، ربيع فرعوني، كنانة الكود، نسرين الصالح، فادي جبور، يسرى محمد".