للمطبخ الشركسي شهرة كبيرة بين أهالي المنطقة كما للعسل القوقازي الشهير، فطبيعة البيئة التي عاشوا فيها وفّرت لهم أنواع كثيرة من الحبوب مثل "الذرة والقمح" والبقول ليدخلوا بمطبخهم سلسلة المطابخ الشهيرة في سورية والعالم، ولعل أهمية المطبخ السوري وتعدد أنواعه يأتي من أهمية تاريخ هذه المنطقة التي مرّت عليها الكثير من الحضارات القديمة والتي ورّثت الأرض والإنسان الكثير من المزايا.

موقع "eSyria" التقى الخبير السوري بالمأكولات السورية الشيف "سليمان عوكان" ليحدثنا عن أهمية المطبخ الشركسي وأهم المأكولات التي أشتهر به هذا المطبخ.

للشركس مشروب مشهور يدعى "باخسمه" ويعتقد أن للاسم علاقة "بباخس" إلاه الخمر لأن "بورميسيوس" الذي سرق النار من الآلهة اليونانية صلب في جبل "آلبروس" في وسط "القوقاز" وهو ثاني أعلى قمة في العالم، و"الباخسما" مشروب من الذرة يقدّم ويصبح جاهزاً للشرب بعد التخمير

يقول "سليمان": «هاجر الشركس بعد الحرب القوقازية الروسية التي انتهت عام 1864 باتجاه كل من "بلغاريا، تركيا وبلاد الشام" حاملين معهم تراثهم الشعبي الفني من موسيقى ورقص وغناء وفروسية وكان أحد أهم ماحملوه من موروثهم الشعبي مطبخ غني رفد بمطبخنا السوري بمأكولات شعبية شركسية أثرت تأثيرها الإيجابي وفعلت فعلها الحسن في نفس الذواق السوري».

سليمان عوكان

يتابع "سليمان": «كما أخذ المطبخ الشركسي أيضاً من مطبخنا السوري وتأثر به، وساهم تمركز الشراكس عند وصولهم لسورية قرب مدينة "حلب" المشهورة بمطبخها، فتبادلوا عدة أشياء مع ذلك المطبخ المعروف عالمياً، كما أن وجودهم في "الجولان" مدّهم بالمادة الأولية الغنية للمطبخ، فأبدعوا لنا وصفات جميلة من تراثهم المطبخي».

عن المطبخ الشركسي والمأكولات التي ابتدعها في فترة الحروب يقول "عوكان": «تأثر المطبخ الشركسي بالفترة الطويلة التي استمرت فيها الحرب الروسية القوقازية، فأُبْدِعَ ثقافة القديد والتحفيف للحوم والجبنة حتى يستطيع المقاتل الشركسي وقتها أن يحمل مطبخه معه ولا يضطر لانتظار التموين، حيث كان يحمل فخذي خروف مقدد بسرجه مع أقراص الجبنة المدخنة وأرغفة الخبز، كما امتاز المحارب الشركسي بأنه كان يحمل في "خرزاته" أي جيوبه التي يضع فيها البارود والخردق البهارات والدهن، إضافة إلى ما يسمى "ليتسك غاوا" وهو لحم مجفف، على ذلك كان المحارب الشركسي يحمل مؤونة شهرين حتى لا يضطر أن ينتظر المؤونة من أحد، ومن هنا بدأت قصة المطبخ الشركسي الذي انتقل من مطبخ متنقل مع الجنود إلى إحدى المطابخ العالمية المشهورة».

من المطبخ الشركسي

بهارات ولحوم متنقلة مع الجنود صنع منها مطبخ شركسي شهير، هنا وعن المطبخ الشركسي في عهد السلم يحدثنا "سليمان": «من أشهر مأكولات الشركس في عهد الاستقرار كانت "الشيبس" و"الباستا"، فالأولى هي وصفة معناها الدقيق المحمص مع السمن والجوز والحليب والبهارات، أما "الباستا" فكانت تصنع على نوعين الأولى من عصيرة الذرة الصفراء المحمصة، حيث تصف بشكل كتلة مفرغة من الوسط ويصب فيها الفليفلة المقلاة مع السمن، أما النوع الثاني فكان يصنع من البرغل المسلوق مع الدجاج وتطبخ بشكل جيد ثم تقطع مربعات ويقدم إلى جانبها الدجاج المسلوق بعد فركه بالثوم والملح ويسكب بآواني خاصة إلى جانب "الباستا"».

يتابع "سليمان": «أما "المرامسا" فهي عصيرة الذرة مع الزبدة البلدية والتوابل الحارة، وكان يضاف للأطفال العسل أو أحد أنواع المربيات المصنوعة من الفواكه البرية للمنطقة "التوت البري، الإجاص البري، الخوخ البري والعليق"، وكانت تتم صناعة الخبز على الفرن المصنوع من الطين، حيث كان الخبز يصنع من دقيق القمح منذ تلك الأيام».

من الرقص الشركسي

كانت ومازالت هناك عادة قديمة يمارسها الشراكس في تقديم الأكل والطبخ بمناسبات الأعراس والاحتفالات الكبيرة، عن ذلك يقول "عوكان": «للشركس عادة لطيفة بتناول رأس الخروف أثناء الاحتفالات الجماعية، فإنهم يقدمون رأس الخروف لسيد الجلسة الذي يخرج من حوذته سكينته الصغيرة ويقسم رأس الخروف ويوزعه على عدة أقسام، حيث يعطي جزءاً من الدماغ لكبير آخر من قرية أخرى، وجزءاً من الأذن لشباب الجلسة، والعين يعطيها لمراقب الحفلة والساهر على خدمتها، وجزء من اللسان كان من نصيب حماة العريس إذا كان الاحتفال هو عرس أحد الشباب».

"الجبنة الشركسية" لها اسم كبير في الأسواق السورية والمطابخ المعروفة على المستوى العالمي، عن ذلك يخبرنا "سليمان": «للشركس باع طويل في صناعة الجبن، فكلنا يعرف الجبنة الشركسية المشهورة والمصنوعة من حليب البقر الذي ينفخ من معدة الخروف الصغير، فهم يستخدمون الجبن بطريقتين، الطريقة الأولى يتناول الجبن فيها مباشرة بعد التصنيع المعروف، أما الطريقة الثانية فهي تصنع بأن تعلّق الجبنة داخل مدخنة المنزل وتدخن على نبات "القريص" وتحفظ للمواسم الأخرى، وكان يصنع من الجبنة الطازجة نوع من الفطائر الشهيرة عندهم تدعى "حلفا" وهي عبارة عن فطائر من الجبنة الشركسية تقلى بالزيت، أما "البيدا" فهي رقائق عجينة القمح الأسمر توضع داخلها الجبن مع البندق والعسل وتقدم في الأعياد والمناسبات، كما كانت عند البنات الشركسيات عادة جميلة في تقديم وجبة من الجبن إلى حبيبهنَّ وذلك عن طريق لف الجبن مع العسل على خشبة بطريقة إسطوانية».

المطبخ الشركسي له أصول تاريخية قديمة، وقد أشتهر هذا المطبخ بعدة أنواع من المأكولات والمشروبات، عن المشروبات التي تميز به هذا المطبخ يقول الشيف "سليمان عوكان": «للشركس مشروب مشهور يدعى "باخسمه" ويعتقد أن للاسم علاقة "بباخس" إلاه الخمر لأن "بورميسيوس" الذي سرق النار من الآلهة اليونانية صلب في جبل "آلبروس" في وسط "القوقاز" وهو ثاني أعلى قمة في العالم، و"الباخسما" مشروب من الذرة يقدّم ويصبح جاهزاً للشرب بعد التخمير».