يتناول الكاتب بشار ابراهيم في مقدمة كتابه "دريد ونهاد" بحديث شيق عن الفنان نهاد قلعي (رحل بعمر 65عاماً). ويقول عنه إنه الفنان الإنسان القادم من شتى تجارب الحياة، والذي مر على عدة مهن ووظائف، وبنى أحلاماً وشرّع أمالاً وصال وجال دون أن يدري أن القدر لن يفيض عليه إلا بعمر واحد فقط (1928-1993) ويعلق على عمره القصير بأنه لا يمكن لأحد بحال من الأحوال الإدعاء أن هذا العمر كان عمراً طويلاً أو مديداً، كما أنه لم يكن أبداً فسحة من الزمن الهانئ الرائق، فالفنان نهاد قلعي عاش أكثر من ربع عمره الحقيقي يعاني من المرض الذي داهمه نتيجة حادث أليم، وتكاثرت عليه الأوجاع والمصائب، بل إنه لم يكن حينها قد حط، بعد، على شواطئ الخمسين من عمره.

ويصف بشار ابراهيم أن منجز الفنان نهاد قلعي خلال أقل من خمسين عاماً أضحى تراثاً فنياً سورياً وعربياً على السواء.

ثم ينتقل إلى الفنان دريد لحام الذي جاء إلى الوسط الفني دون سابق دراسة عميقة بملابساته، أو دراسة علمية لأصوله أو معرفة بتفاصيله التقنية.

فالفنان دريد لحام الذي لم يكف عن القول: "حاولت أن أتعلم"، سيتحول إلى مدرسة خاصة في الأداء، وسيغدو نموذج الكوميديا الراقية في مشرق الوطن العربي ومغربه.

ويقول أن دريد ونهاد شكلا ثنائية عظيمة تنتمي إلى طراز التجارب الناجحة غير قابلة للزيادة أو الاستعادة، وهي لم تعد ملكاً لأي طرف ولا للمساهمين فيها، بل باتت ملك التاريخ والذاكرة.

وعندما يتحدث عن مسيرة الفنان نهاد قلعي يضع عنواناً مؤثراً هو: "مأساة فنان أضحك الناس.. وبكى"

ولد في دمشق 1928 لأب يصفه الفنان الراحل بأنه "كان من عشاق السهر بالبردوني وكان يصحبني معه وكنت أشعر بالسعادة كأي إنسان يهوى الصفاء".

انتسب الفنان نهاد قلعي إلى مدرسة التجهيز الأولى بعد حصوله على شهادة "السرتفيكا" المعروفة وذلك بثانوية جودت الهاشمي، وتتلمذ على يد الأستاذ عبد الوهاب أبو السعود، وكانت أول مسرحية شارك فيها هي: "مجنون ليلى". كانت محاولاته الأولى باتجاه دراسة الفن في مصر حيث كان يتوفر فيها وحدها معهد للتمثيل، لكنه لم ينجح بالسفر إلى مصر.

انتسب إلى نادي "استديو البرق" أوائل سنة 1946 وكانت أولى مسرحياته بعنوان هناك بعنوان: "جيشنا السوري".في عام 1954 قام بتأسيس نادي الشرق. في سنة 1959 عهدت إليه وزارة الثقافة في الجمهورية العربية المتحدة مهمة تأسيس المسرح القومي وإدارته. في العام 1960 قدم مسرحية "ثمن الحرية" لعمانوئيل ووبلس، ثم قدم عام 1961 مسرحية "البرجوازي النبيل" لموليير

في سنة 1963 قدم آخر مسرحياته "مدرسة الفضائح" لشريدان.

وعن عمله في المسرح القومي يتحدث الفنان نهاد قلعي ويقول: "عام 1962- 1963 هو البداية الحقيقية للمسرح القومي عندما قدموا موسماً كاملاً اشتمل على خمس مسرحيات، وكان بناء مسرح القباني قد أكتمل عام 1962 وأصبح مقرأ للمسرح القومي ولقد فرحنا به كثيراً على علاته لأنه للمرة الأولى أصبحنا نملك مسرحاً امتزج بعرقنا ودموعنا حتى أصبح قطعة منا وكل ركن فيه يشهد على ذلك ويضيف لقد تعلمت من المسرح وكنت أنادي بعدم تقييد الموظفين بل الاكتفاء بمطالبة الفنان بالعطاء والانتاج".

شارك في التلفزيون السوري لدى إنشائه ببرنامج "الأسرة السعيدة" وهنا التقى بالفنان دريد لحام، وشكلا معاً لأول مرة ثنائيتهما الناجحة عبر برنامج "سهرة دمشق".

ثم يروي الفنان قلعي قصة اسمه "حسني البورظان" فيقول: "كان اسمي حسني وذات مرة كنت أتحدث بالهاتف على الهواء مباشرة وأنا أقوم بالتمثيل فنسيت الحوار وحاولت تذكره فقلت والسماعة بيدي أنا حسني، ثم أضفت متسائلاً لإضاعة الوقت حسني مين؟ في تلك الأثناء لمحت خلف الكواليس أحد أفراد الفرقة الموسيقية يحمل بورظاناً فقلت حسني بورظان وأصبح اسمي من ذلك الحين".

ويتابع الكاتب ولادة اسم غوار الطوشة الاسم الذي عرف به دريد لحام فيذكر ما قاله لحام عن ذلك بأن هذا الاسم اقتبسه من أحد الموظفين في التلفزيون حيث كان يدعى غوار.

استمرت التجربة الثنائية للفنانين دريد ونهاد منذ 1960 حتى 1976 وقدما أعمالاً تلفزيونية ومسرحية وسينمائية مهمة مثل "عقد اللولو" و"مقالب غوار" و"حمام الهنا" و"صح النوم".

لكن الفنان نهاد قلعي يقول عن السينما: "لم نكن نحلم بالنجاح في السينما بل أقصى ما كنا نطمح إليه كان تجنب السقوط والفشل".

وعن مسيرة الفنان دريد لحام وضع ابراهيم فصلاً تحت عنوان "دريد لحام يتكئ على سماء الفن وينظر إلى أعلى".

تحدث لحام عن لقائه الأول مع الفنان نهاد قلعي الذي دخل التلفزيون السوري بفضل الأستاذ صباح قباني، واعتبر أن ما دفعه إلى طريق الفن والتحالف الفني مع نهاد قلعي هو حب المغامرة، وأنهما "تبنيا الفن من دون تفكير، من دون أن أدرّسه، أو يدرّسني، جمعنا استديو التلفزيون السوري، وأصبحنا أصدقاء منذ اللقاء الأول، ولم نقرر بأننا سوف نستمر مع بعضنا البعض، الاستمرار جاء مصادفة".

ويتابع لحام حديثه عن ثنائيته مع قلعي: "خارج الشاشة -أقصد الأستاذ نهاد قلعي وأنا- لا نشبه أحدنا الآخر، لكن داخل الشاشة كنا أصدقاء لكن لم نعش سوياً، لأن كل شخص كان لديه فلسفته ولديه أسلوب في الحياة مختلف عن الآخر، والفن جمعنا". وأن "نهاد قلعي هو من بادر وكتب بيده (دريد ونهاد) لأول مرة".

ويستمر لحام في سرد وقائع قصته مع اسم غوار: "بدأت بعد برنامج "الإجازة السعيدة" عند فشله، فالناس تتعاطف مع تراثها، مع فنونها، ليس مع فنون الآخرين، ولم أحتج وقتاً طويلاً لأدرك موديل الشخصية، شكلها كموديل، وليس كمضمون. أي لا أستطيع أن أقول إن "غوار" لديه عيد ميلاد في يوم كذا.. هو تكوّن تكويناً، بدأ بالشكل، ومن ثم تبلور رويداً رويداً.

هنا أقول أنا وغوار دخلنا في بعضنا البعض بشكل أو بآخر وأصبح من الصعب أن أخرج منه كغوار، أي لا يمكن أن تفصل غوار عن الشروال، النظارة، والقبقاب.

في بعض الأفلام كان اعتماد المنتج على الثنائي "دريد ونهاد" وهما دائماً كان يوجد لديها مواصفات لها علاقة بينهما. بقيت هذه المواصفات حاضرة سواء غيرنا الملبس أم لا لقد بقيت، فرأس غوار كان سيطل حتى من خلال البدلة السموكن ورأس حسني سيطل حتى من خلال القمباز.

وعندما توقف الأستاذ نهاد نتيجة مرضه بعضهم عرض علي أن نشكل ثنائياً، أنا كنت أقول لهم إن المسألة ليست مسألة شخص سمين مكان شخص سمين أو شخص رفيع مكان شخص رفيع، فأنا لا أستطيع تبديل الأستاذ نهاد وهو لا يستطيع تبديلي، من المستحيل أن نكون ثنائياً آخر لأنه كان هناك توافق كنا أثنين، ولكن كنا واحداً".

وعن لقائه مع الكاتب والشاعر محمد الماغوط يقول لحام: "أول لقاء كان حرب تشرين تحديداً في نقابة الفنانين وتحدثنا عن أشياء فوجدنا حالنا في الطريق ومن هنا والأسلوب نفسه وطريقة التفكير ذاتها ومن هنا جاءت مسرحية "ضيعة تشرين" حيث كنا نرى أن الجندي العربي لم يهزم عام 1967 وإنما عاد بهزيمة أخذها معه أصلاً إلى الحرب. فاللقاء مع الماغوط عملياً هو زواج فني طبيعي لشخصين من خلفية فنية وسياسية ولديهما نظرة تقريباً متناغمة فأنتجت هذه لأعمال. شقائق النعمان كانت العمل الأخير مع الماغوط".

كذلك يتحدث الكاتب في هذا الكتاب عن المنتج السينمائي تحسين القوادري ودوره في إنتلج السينما وتحديداً سينما دريد ونهاد.

الكتاب: دريد ونهاد

الكاتب: بشار إبراهيم

الناشر: وزارة الثقافة (سلسلة الفن السابع)