لم تكن السيدة "ماري الياس سمعان" ذات الـ89 عاماً أكبر معمرة في القلمون الغربي في محافظة ريف دمشق، بل هي أول امرأة تقود السيارة في سورية، فعندما كانت السيدة تقود سيارتها سواء في مدينة "دير عطية" مسقط رأسها، أو في "دمشق" متنقلة بين المحافظات السورية يبدو لك للوهلة الأولى أن السيارة تسير من دون سائق لقصر قامتها الذي لم يمنعها من إتقان قيادة السيارة بمهارة عالية.

قصة حياة

تقول "ماري" في حديث خاص لـ"مدوّنة وطن": إن أول مرة قادت فيها السيارة كانت عام 1950، وإنها سافرت الى عدة دول عربية وأجنبية وعملت في القبالة والتمريض في "سورية" و"لبنان" و"السعودية" وعدد من دول الخليج العربي، كما عملت في "دمشق" و"بيروت" كسائقة تكسي لمواجهة مصاعب الحياة.

ورغم بلوغ "ماري" من الكبر عتيا 89 عاماً، إلا إنها لم تخف عشقها للسيارات ورغبتها في قيادة سيارة في هذا العمر وهي التي تعودت منذ نعومة أظفارها على ذلك وكان حلمها أن تصبح كابتن طيار.

ماري تقود سيارتها

تروي السيدة قصتها مع الحياة -وهي التي تتحدث الإنكليزية بطلاقة- أنها حائزة على شهادة القبالة والتوليد عام 1955 من جامعة لندن في المملكة المتحدة، عندما قلدتها ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية وسام الشرف في قصر باكينغهام، حيث مارست القبالة والتوليد هناك بمهنية عالية، وأثناء عودتها من بريطانيا تابعت مسيرة عملها في القبالة والتمريض فكانت تتنقل بين المدينة والريف والأحياء تعمل على توليد هذه ومعالجة تلك.

لا تزال السيدة "ماري" اليوم تتنقل بين مدن "القلمون" والعاصمة "دمشق"، وهي تقود سيارة نوع "نيسان" الذهبية وإلى جانبها أشياؤها الخاصة، وتؤكد أنها لا تواجه أية مشاكل خلال القيادة بسبب التقدم بالعمر، تعيش وحيدة اليوم بين أصدقائها ومعارفها متنقلة بين بيتها الذي كانت تسكنه في منطقة "برج الروس" في "دمشق" وبيتها في أحد أحياء مدينة "دير عطية" الراقية، تتمتع بذاكرة قوية تحافظ على سر نضارتها وبهاء حسنها وهيئتها.

مع أمين سر جمعية دير عطية صديقة للمسنين

أسلوب حياة

من جهتها تتذكر الصيدلانية "ليلى شحادة" وهي صديقة مقربة لـ"ماري" وجارة لها منذ زمن طويل، كيف كانت تأخذها وبنات الجيران في (مشاوير) إلى "بيروت" في بداية الثمانينيات وهي التي كانت افتتحت هناك في "الرياق" عيادة خاصة للتوليد، وتضيف: "لديها خلفية علمية وطبية جيدة حتى في مجال المعالجة الفيزيائية.. وهي تولي نفسها أهمية خاصة ما ترك هذا الأمر أثراً ايجابياً عليها وعلى وضعها الصحي والعقلي، فهي تعرف جيداً ما الذي يفيدها وماذا يضرها، مشيرة الى أن"ماري" تعتمد على نفسها في تدبير شؤون منزلها وإعداد طعامها وحياكة ملابسها بنفسها، فضلاً عن تمتعها بحاستي السمع والبصر رغم كبر سنها.

وتقول شحادة، إن "ماري" التي تنام جيداً وتتناول دواء وحيداً لتغذية الذاكرة، تعتمد في غذائها بشكل رئيسي على الفواكه والخضار على شكل عصائر، كما تعتمد على المكسرات ( اللوز – الكاجو- الجوز) وتحرص على تناول الحليب الطازج والبيض والسمك والعسل والقليل من اللحوم الحمراء. وذكرت لــ ( مدونة وطن ) أن "ماري" التي تلعب طاولة الزهر تتمتع بشخصية مرحة تحب الحياة والفرح، تمازح كل من حولها وتحرص على مشاركتهم أفراحهم وأتراحهم، ويغلب عليها صفة الكرم وإطعام الناس وتحب الضيف، تتصدق على الفقراء مما أنعم الله عليها.

وتروي الصيدلانية "شحادة" أحد المواقف التي تعرضت لها "ماري" فتقول : "عندما عادت من لندن الى دمشق كانت كتلة من النشاط والحيوية والجمال، كانت تركب الدراجات الهوائية وكانت حينها حكراً على الرجال.. وعندما قادت دراجة هوائية في شوارع دمشق تعرضت لعشرات التحرشات من قبل الرجال وفي إحدى المرات ضربت أحد من المتحرشين بـ "منفاخ البسكليت".

بارقة أمل

الدكتور محمد زرزور أمين سر جمعية "دير عطية صديقة للمسنين" ومدير المركز الصحي فيها يقول في تصريح لــ ( مدونة وطن ): "على الرغم بلوغ السيدة "ماري" من العمر عتيا، فإنها لا تعاني أياً من الأمراض المزمنة أو غير المزمنة التي تصيب كبار السن كالضغط أو السكر، أو فقدان الذاكرة، وهي الى اليوم تتمتع بذاكرة قوية وإن كانت تراجع المركز الصحي بين الحين والآخر للاطمئنان على وضعها الصحي وأخذ حقنة (دم ذاتي) والذي يهدف الى رفع المناعة الذاتية وهو إجراء تعلمته من طبيبة روسية.

ووصف الدكتور زرزور "ماري سمعان" بأنّها "بارقة أمل" في زمن تفشّي فايروس "كورونا" المستجدّ في العالم، حيث تصدت لهذا الوباء من خلال تطبيق الإجراءات الاحترازية والالتزام بالتعليمات الطبية وقال: "إنها سيدة صلبة، رائع أن أراها تلتزم بالتوجيهات الطبية ومتمسكة بها".

أمنيات

عود على بدء، عاشت "ماري سمعان" الحياة بطولها وعرضها وحلوها ومرها واثقة من نفسها ورغم ذلك تقول : "بعد كل هذا العمر أشعر بالوحدة، أشعر بشيء ثقيل يجثم على قلبي، لقد انطفأت روحي بعدما كانت كتلة مشتعلة، و باتت أحلامي حبراً على ورق، وكل ما أتمناه أن تعود المحبة إلى قلوب الناس، والشيء الوحيد الذي أريده هو البكاء الشديد بين أناس يحملون في قلوبهم الحنان الكافي كي تهدأ روحي و تعود كما كانت".