عقدت مع الكلمة صحبةً غير متناهية، وجعلت من الحرف سلاحها، تميزت كتابتها الشعرية في الخروج عن المألوف، فمرة اتسمت بالوجدانية والقضايا الإنسانية، ومرة حملت هموم المرأة المعاصرة، لتصبح من رواد الشعر والأدب العربي.

مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 16 تشرين الأول 2020 التقت الشاعرة "لينا المفلح" لتتحدث عن بداياتها قائلة: «بدأت الكتابة في سن مبكرة، وكنت مولعة بالقراءة حيث لاحظ المدرسون نبوغي في الكتابة منذ الصغر، نشأت في بيئة محافظة، وكان هذا يشكل عائقاً في مسيرتي الأدبية، فلم يكن هناك تقبل لفكرة أن أصبح شاعرة وأن أشارك في أمسيات ومهرجانات، وواجهت تحدياً كبيراً، وتمردت على هذا المجتمع، على الرغم من أني ترعرت في ظل عائلة مثقفة تقدس العلم والأدب، حيث كان والدي "فيصل المفلح" شاعراً، وكذلك أخي "تمام"، لكن والدي لم يشجعني على الخروج إلى الوسط الثقافي حرصاً عليّ».

ما بين أهدابي وقافيتي ## صليت نفلك منكراً فرضي ## أولست تعرفني مكابرة ## هذي سماؤك فوقها أرضي

وتابعت: «بعدها درست الأدب العربي تمسكاً بطموحي، وبدأت مشواري في الشعر، حيث توجهت في كتاباتي إلى الشعر العمودي والتفعيلة، والكتابات الوجدانية والقضايا الإنسانية، وهموم المرأة المعاصرة، وروح التمرد الشعرية واضحة جلية فيها، بالإضافة إلى التناقض الذي يعيشه كل شاعر، ففيه تجد المرأة الحالمة والعاشقة والمتمردة والصديقة والحكيمة الناضجة، والمراهقة المستسلمة لإرادة الحب».

غلاف المجموعة الشعرية "نوايا زرقاء"

ومنها مجموعة "نوايا زرقاء" تقول:

«ما بين أهدابي وقافيتي

صليت نفلك منكراً فرضي

أولست تعرفني مكابرة

هذي سماؤك فوقها أرضي».

وتتابع: «تفاصيل الوطن كانت ضمن شعري رغم أنني لم أكتب قصائد وطنية، مثل:

في إحدى الأمسيات الشعرية

تناسى زمان موتنا كل ليلة

ومهما تناسى فالروايات واجبي

تريد حروفي بيت شعر يضمها

بقبضة محروم إلى صدر راغب

تكاثرت وجهاً إلى وجوه كثيرة

ودمعي سخي يحتوي ألف تائب

هي الريح تجري بيد أني عنيدة

ولولا عنادي ما طوى البحر قاربي

من الشام قلبي نازح نازح ضاع حلمه

يغني فتصحو ذكريات الخرائب».

وعن مشاركاتها أضافت: «فزت بجائزتين في الشعر والقصة في مسابقات نقابة المعلمين عام 2007-2009، وحصلت على الجائزة الثانية في مسابقة "المديح النبوي" في مجمع "الصراط" الثقافي عام 2018، كما شاركت في عدة أمسيات ومهرجانات شعرية في "دمشق" وريفها، ونشر لي في عدة مجلات أدبية وثقافية وصحف رسمية كـ "الموقف الأدبي"، "الجولان الثقافي"، "تشرين"، "الثورة"، و"البعث"، وفي عام 2019 فازت مجموعتي الشعرية الأولى بالجائزة الأولى الصادرة عن دار "سين" للنشر والتوزيع، وكانت بعنوان "نوايا زرقاء"».

وختمت "المفلح": «التحدي الأكبر كان في إثبات وجودي وسط هذا الكم من الشعراء، لكنني استطعت أن أصنع مكاناً لي وبصمة خاصة، وأسعى نحو هدف أسمى وهو إعادة الشعر إلى مكانته وألقه وخاصة الشعر النسائي».

الناقد "نائل عرنوس" قال عنها: «"لينا" الشاعرة الغنائية الخليلية، شاعرة الدفقة العمودية المترعة بالقدرة نبضاً وصدقاً، التفعيلة طيعة لشعورها المتأهب فتغدو شطراً ليناً، ومن ثم بيتاً حلو المذاق في الروح قبل الأذن.

قرأتها في كل أغراض الشعر فأجادت، لا ممنوعات على قريحتها المثقلة بهم الحياة، وفوق شاعريتها المعهودة تملك (حرفنة) واضحة في جعل نصها وحدة معنوية كاملة، وتحسن صب الوحدات المعنوية المتفردة بالتميز في قالب موضوعي معنوي مبهر، لا تلمس خللاً في تماسكه لناحية المبنى والمعنى، وتكتب بروح وثابة مملوءة بالشغف.

في شعرها ماء وحياة، تحسن الغزل وتجيد الوصف، وتغضب فيغضب القصيد بغضبها، لكنه غضب وعتاب يدعوك للابتسام، وهجاؤها لين كما فخرها وأغراضها الأخرى، لطالما كسرت أفق التوقع لدى القارئ، وحصل الإدهاش المنشود في مطالعها أو قفلاتها، شاعرة تستحق أن نرفع لها القبعة لأنها تكتب القصيدة الفكرية المتشحة بالعطور».

الكاتب والناقد "عمر محمد جمعة" قال عنها: «تعد الشاعرة "لينا المفلح" من بين أهم الأصوات السورية الجديدة الأكثر تبشيراً بفهم العلاقات الجدلية؛ بل لنقل التكاملية بين الشكل الكلاسيكي للقصيدة العربية بأوزانها وإيقاعاتها الرشيقة القوية، واللغة الشعرية المحكمة المتكئة على صور وجمل ومفردات تشير إلى هذا الفهم العميق ودوره في توظيف أحداثه للتحرر مما هو تقليدي اتباعي لمصلحة ما هو مغاير مفارق لا يشبه إلا نفسه.

واللافت في تجربتها ولا سيّما في ديوانها "نوايا زرقاء" أنها حافظت على انتمائها الفني الذي توزّع بوعي العارف الواثق بما يكتب بين قصيدة البحر ونظيرتها التفعيلة دون الإخلال بموسيقا الوزن أو المعاني والدلالات التي تعبر عما يجول في دواخلها من عواطف متناقضة أو متواشجة، وما يحسب لها أيضاً عدم اللجوء إلى المجانية أو اللهاث وراء القوافي أو الحشو، إذ سيلاحظ المتبحّر في مكنونات قصائدها أنها مضبوطة بعناية كبيرة في لغتها وصورها وشكلها الفني، بل وازنت في جلّ ما أبدعت بين هذا الشكل والمضمون بما يؤكد إدراكها أن الحداثة هي الأسلوب الأغنى والمخلص لمواصلة الكتابة على النمط الكلاسيكي دون الغرق في لجته التي تعتمد على نظم دون مسحة إبداع، أو إشراقة تجعل الشعر خالداً في وعي متلقيه، ولعل المثال الأوضح على ما نقول، يأتي في قصيدتها "حلّق وحيداً" التي تدل على نضج هذا الصوت الشعري وتبوئه مكانة تليق به وقد بلغ من الحكمة أن يقول على لسان "لينا المفلح":

عجباً أتعجب من نفوس أكرمت لكنها سقطت بقاع تحت قاع هذه الحياة

فلا تجرب مرة أن ترتجي الإكرام من سغب الجياع

حلق وحيداً فالسماء عظيمة

في عين طير حين يسمو لارتفاع».

يذكر أنّ الشاعرة لينا المفلح" من مواليد "دمشق" 1980.