زاره الشعر مبكراً، وانعقدت بينهما صحبة لا تنفصل، دمج الشعر والتحفيز معاً فأنتج جرعات أمل يوزعها على فاقديه، خرج من أزقة مخيم "السيدة زينب" يناضل بكلمته التي تعبر عن معنى المقاومة.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت بتاريخ 8 تموز 2020 الشاعر "فادي عيسى" الذي حدثنا عن بداياته قائلاً: «عشقت الكتابة والحبر والأوراق والكتب وكل ما يتعلق بهذا العالم السحري منذ الصغر، كانت بدايتي في عالم الكتابة منذ بداية شبابي، تحديداً بالمرحلة الإعدادية، فكنت عندما أبكي أجد الكتب من حولي تواسيني والأوراق تربت على قلبي والأقلام كالسيوف المسلولة مستعدة لمحاربة الحزن.

استخلصت من سنوات حياتي تجربة صادقة دونتها في أشعار تحمل جزءاً كبيراً مني ومن دموعي بين طياتها، كما تحمل جزءاً أكبر من مقاومتي وأملي، وببساطة كتبت أشعاري للجميع أطفالاً كانوا أو كباراً، حتى يستفيد الجميع من كل كلمة ذكرتها فيها على لسان المرأة والطفل والرجل

انتقلت من القراءة إلى الكتابة، وكتبت قصائد متواضعة ونصوصاً ويوميات أقرؤها لأصدقائي، كما كنت أكتب كلمات ترحيبية في الحفلات والمناسبات التي تقام في المدرسة وألقيها، فتلقى إعجاباً كبيراً من قبل الجميع، وهكذا طورت نفسي رويداً رويداً، وبعد أن كانت الكتابة والكتب جزءاً من عالمي، أصبحت بمرور الأيام عالمي كله، بينها أعثر على نفسي وأهرب إليها في كل مرة محاولاً التخلص من ضجيج العالم باحثاً عن الأمان، وأنا الآن أكتب الشعر الفصيح والقصص القصيرة، ولي ثلاث مجموعات شعرية بالفصحى منشورة وهي "ليس حبراً" و"حبيبة من بقايا وطن" صدرتا عام 2016، و"عندما تصمت الحروف" عام 2018».

من دواوينه

وفي سؤالنا عن الصعوبات التي واجهت مسيرته قال: «تلقيت عدة صفعات من الحياة وتعلمت تجارب قاسية وعايشت آلاماً عميقة رغم صغر سني، شعرت بالنضج مبكراً، وأدركت الكثير من الأمور التي حاولت استغلالها كتجربة شخصية تقودني إلى تقديم يد العون لكل من يحتاجها، وجعلت من سنوات طفولتي المسلوبة دروساً أدركت من خلالها أننا لا نكبر بحكم السنوات، بل تزيد أعمارنا كلما زادت الخيبات».

وعن مشاركاته وأعماله والجوائز التي نالها قال: «حصلت على عدة جوائز وشهادات تقدير من الهيئات الحزبية والثقافية والأهلية وكان آخرها جائزة "الإمام الخميني" عام 2014، ولي مشاركات واسعة في الأمسيات الأدبية والمهرجانات الوطنية السورية، وتمت دعوتي إلى "لبنان" للمشاركة بفعاليات أدبية وطنية، وعملت عضواً ومشاركاً بالندوات والمؤتمرات الشبابية الفلسطينية والسورية، كما أنني عضو "الاتحاد العام للكتاب والصحفيين والأدباء الفلسطينيين"، وعضو الهيئة الثقافية بجمعية "الصداقة الفلسطينية الإيرانية"، وساهمت مع أصدقائي في إقامة فعاليات اجتماعية ووطنية عبر مجموعة أطلق عليها اسم "الألم والأمل"، وفي عام 2016 أعددت وأخرجت مسرحية "أقصانا لا هيكلكم"، وفي عام 2017 أسست مبادرة للأطفال في المخيم تحت عنوان "أطفالنا جيل المستقبل"».

من إحدى الأمسيات الشعرية

وختم قائلاً: «استخلصت من سنوات حياتي تجربة صادقة دونتها في أشعار تحمل جزءاً كبيراً مني ومن دموعي بين طياتها، كما تحمل جزءاً أكبر من مقاومتي وأملي، وببساطة كتبت أشعاري للجميع أطفالاً كانوا أو كباراً، حتى يستفيد الجميع من كل كلمة ذكرتها فيها على لسان المرأة والطفل والرجل».

ومن أشعاره اخترنا لكم المقطع التالي من ديوان "حبيبة من بقايا وطن":

من شهادات التكريم

«الحروف التي تطفو

فوق مدارات الأبجدية

لا سبيلَ لامتلاكها إلا التَقَمُص

أجل.. تَقمَّص حرفاً

كن أنتَ هذا الحرف

مثلاً: قِف كالألف..

وابتسم كالتاء..

وتراقص كالعين..

وتميز كالضاد..

وصُبَ رحابة النون في صدرك

انتشر كالشين في الشمس

نعم هكذا..

وتحرر من ألف بائية الصمت

ثم ماذا..

ثم تمرد كباقي الحروف

إننا كلنا في النهاية

من خزائن اللغة».

"خليفة عموري" شاعر وناقد قال عنه: «"فادي عيسى" من الأصوات الشعرية الفلسطينية الملتزمة بخط المقاومة، يكتب من منطلقاته الذاتية كحالة اللاجئ المتمسك بعودته إلى الوطن.

يكتب من إرث ديوان العرب بفراهيدية الوزن والإيقاع، آخذاً من كلاسيكيات الشعر العربي امتداداً له في خوض التجربة الحداثوية من حيث توظيف الصورة الشعرية بمتخيلاتها الموحية والمرمزة نسبياً للوصول إلى قصيدة ناضجة تتمايز بين المباشرة والحالة الدلالية».

أما الناقد والإعلامي في جريدة "البعث" "عمر جمعة" فقال عنه: «من الطبيعي لأديب وشاعر كـ"فادي عيسى" أن تحتشدَ قصائده بالهمّ الوطني، وتغلب عليها مفردات الشوق والحنين إلى الوطن الذي رآه أبناء المخيمات الفلسطينية في عيون آبائهم وأمهاتهم وقد أتعبها وأرّقها انتظار العودة إلى الديار، بل من المتوقع أن نرى هذا الوجع الذي تحسّسه "فادي عيسى" وهو يمخرُ عباب الذكريات في مخيم "السيدة زينب"، وكتبه بعاطفة مترعة ومشحونة بالأمل في دواوينه الثلاثة والتي برع فيها بجميع أشكال الكتابة، فكانت قصيدة البحر تستكمل ما أبدعه في قصيدة التفعيلة والنص النثري وحتى المقطوعات التي صاغها باللهجة المحكية، كلّ ذلك محمول على جماليات فنية وصور شعرية مركبة تؤسّس لصوت شعري فلسطيني وتجربة متفردة في عطائها».

جدير بالذكر أنّ "فادي عيسى" من مواليد "ريف دمشق" عام 1979.