طوّعَ قلمه في كتابة النصوص الثقيلة، التي جاء وزنها من مواضيعها وحبكتها وشخوصها، فكتب "دمشق" مسلطاً الضوء على أجمل محطات تاريخها، وأنجز أعمالاً درامية لم تبرح ذاكرة مشاهدها.

مدوّنةُ وطن "eSyria" تواصلت وبتاريخ 29 شباط 2020 مع الكاتب "خلدون قتلان" ليحدثنا بالقول: «في الحقيقة قبل البدء بالكتابة الدرامية، كانت لي محاولات في كتابة القصة القصيرة، ولكني كنتُ أكتبها لنفسي، فلقد كنتُ القارئ الوحيد لتلك السطور التي أحاول أن أفرغ -عبر معانيها- فهمي لكل ما قرأت من روايات ومسرحيات وشعر، وحدث أن اطلع صديق لي على تلك القصص، معرباً عن إعجابه فيها، وقال لي يجب أن يشاهد الأستاذ "مدحت عكاش" ما تكتب، وفي الحقيقة اعتقدت في البداية بأنه يسخر مني، فهو يقصد الصحفي الكبير الأستاذ "مدحت عكاش"، عميد الأدب السوري وواحد من أهم مثقفي "سورية"، مؤسس مجلة "الثقافة" الأسبوعية، تلك المجلة التي كان لها الفضل في تقديم أهم الشعراء والأدباء العرب، وكانت الداعم الرئيس لكل موهبة شابة، وأذكر حينها سعادتي الغامرة عندما رأيت قصتي القصيرة "الانتظار" في فقرة اخترنا لك، بعد أسبوع واحد من تقديمها للمجلة، ولكن القراءة في تلك الفترة كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة فالقليل فقط كان ما يزال مهتماً بمتابعة تلك المجلة صاحبة التاريخ الذهبي الطويل، ولهذا كان قراري أن أحترف الكتابة وأوسّع دائرة الانتشار عبر دراما التلفزيون، وقد قمت بكتابة نصي الأول "البقعة السوداء" وقدمت حلقاته الأولى إلى الأستاذ الراحل "محمد شيخ نجيب" وفي الحقيقة واجه النص صعوبات رقابية كبيرة، وخضع لتعديلات كثيرة، وبقي حبيس الأدراج حوالي الخمس سنوات، ليعرفني الجمهور فيما بعد وللمرة الأولى بمسلسل "زهرة النرجس"».

في النصوص الاجتماعية البسطاء هم أصل الحكاية فهم من يحتفظون بهوية المجتمع وإرثه الشعبي، وشخصية واحدة كافية للشروع بنسج حكاية، ولا يزعجني ارتباط اسمي ككاتب درامي بالأعمال الشامية رغم تنوع كتاباتي الدرامية

وعن تميزه بكتابة النصوص الدرامية ذات المحتوى الضخم بالتواريخ والشخوص تابع قائلاً: «عندما تكون المعرفة في خدمة التحليل تكون حياة كل شخص قصة قابلة للاكتشاف، وأنا أحاول دائماً أن أُغني من قلة معرفتي باكتشاف سلوك كل فرد من حولي، فلكل فرد دوافعه الخاصة في تصرفاته الإيجابية أو السلبية، وكل شخصية بالنسبة لي هي مدرسة بحد ذاتها، وبما أن لكل شخصية قصتها فلنتخيل عدد القصص التي تمر من حولنا وتنتظر من يتلقفها ليغربل ما يصلح منها للتقديم الدرامي».

من تصوير "قناديل العشاق"

وحول كتابته لأعمال الدراما الشامية قال: «لـ"الشام" سحرها، وأي عمل يقدمها على حقيقتها أو مشوهة سيكون متابعاً، وبالرغم من أنني أعترض دائماً على تسمية (بيئة شامية)، وإذا صح معنى بيئة بمعنى المجتمع الدمشقي فمعظم تلك الأعمال لا تصلح لها تلك التسمية لأنها لم تقدم ذلك المجتمع على حقيقته، فعندما قررت أن أكتب عن "دمشق" كان ذلك بسبب ما قدمته بعض تلك الأعمال من صور مبتورة عن المجتمع الدمشقي، فقدمت "بواب الريح" وجرى تصنيفه على أنه عمل (تاريخي) رغم إغراقه بتفاصيل المجتمع الدمشقي، وكذلك جرى تصنيف "قناديل العشاق"، وسبب انحدار بعض الأعمال التي كتبت عن "دمشق" هو استسهال المنتج في تقديم مادة تطلبها المحطات، فبعض الذين يكتبون هذا النوع من الأعمال لا يجوز وصف أحدهم بكَاتب درامي أصلاً، وفي رقابهم يُعلق ذنب تدهور الدراما السورية التي تشهد الموت السريري».

وعن الصعوبات التي يواجهها الكاتب الدرامي قال: «إن أعظم الصعوبات التي تواجه الكاتب الدرامي الحقيقي هي غياب المشروع الفني، فلقد أصبحت الدراما دمية بأيدي بعض الأشخاص تعبث بها، وتنسف ماضيها بتقديم أعمال استهلاكية خالية من المضمون، هم لا يعرفون أن أساس تقديم أي فرجة كانت هو المغزى، أي العبرة التي تحملها الحكاية، وهي الهدف من سردها إلى المتلقي، وأعتقد أن الحل يأتي عندما يتم التنبه لدور الدراما وتأثيرها على المجتمع وهذا ما انتبهت إليه الكثير من دول العالم وعملت به منذ عقود، وأحب أن أكرر ما أقوله دائماً (الدراما سلاح ثقيل لكننا لم نحسن استخدامه) فهي تقدم الحكاية مقترنة بالترفيه، ذلك الترفيه الذي يتابعه الشارع في كل يوم، ويمكن أن نبني من خلاله جيلاً كاملاً، ولكن اليوم لا أحد هنا مهتم بما يُقدم للشارع».

المايسترو "طاهر مامللي"

واختتم "قتلان" قائلاً: «في النصوص الاجتماعية البسطاء هم أصل الحكاية فهم من يحتفظون بهوية المجتمع وإرثه الشعبي، وشخصية واحدة كافية للشروع بنسج حكاية، ولا يزعجني ارتباط اسمي ككاتب درامي بالأعمال الشامية رغم تنوع كتاباتي الدرامية».

المايسترو "طاهر مامللي" والذي جمعته بالكاتب "خلدون قتلان" أعمال شعرية مغناة قال عنه: «هو العاشق الشغوف المجتهد لكل ما يكتبه وهو صاحب كلمة ذات انسيابية موسيقية خاصة، وهذا ما شرفني بالتعاون معه بأكثر من عمل، فهو ليس فقط صاحب كلمة شعرية، بل أذن موسيقية أيضاً، وأظنه يغني ويلحن النصوص التي يكتبها وهذا ما يضفي النغمات على كل نصوصه، ومن ناحية أخرى هو ذلك المبدع الذي يسمع الآخر، ويناقش ويبحث في كل التفاصيل التي ترتقي بالعمل الفني مؤمناً بأن الشراكة الفنية وتكامل الجهود سبيل الارتقاء».

المخرج "سيف سبيعي"

المخرج "سيف سبيعي" والذي تعاون مع الكاتب "خلدون قتلان" في عدد من الأعمال الدرامية قال بدوره: «أعتبره من الشركاء الذين عملوا على مشروع هام، وهو توثيق "دمشق" بعيداً عن ظلم البيئة الشامية وبتر جوانبها المشرقة، وكان همه دائماً البحث في أروقة تاريخ هذه المدينة الحقيقي، والانطلاق منه دون تحميله قصصاً مشوهة، فهو يعمل على صناعة المادة الدرامية بناءً على الظرف التاريخي الصحيح، وهذا تجسد في عملين تعاونت بهما مع "خلدون"، أحدهما أبصر النور وهو "قناديل العشاق"، والآخر لم يكتب له بعد الإنجاز وهو "حرملك آغا"، فأنا اعتبره شريكاً حقيقياً في هذه المهمة التي تهدف إلى توثيق "دمشق" الغنية تاريخياً».

يذكر أنّ الكاتب "خلدون قتلان" من مواليد "دمشق" عام 1970.