بموهبتها الفطرية، ورغبتها الكبيرة في التعبير عن مكنوناتها، استطاعت "دانة عدنان حبال" أن توجهه للقارىء من خلال كتاباتها رسائل عن الحب والحرب، حيث تحمل الوطن معها أينما حلت في عقلها وقلبها وثنايا ذاكرتها.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت معها عبر مواقع التواصل الاجتماعي بتاريخ 26 آب 2018، وعن موهبتها الأدبية تقول: «لا أذكر بأي عمرٍ تحديداً لمست موهبتي، أذكر فقط أنني ومنذ طفولتي أمسكُ قلماً ودفتراً أدوّن كل ما يجول في خاطري، لكن العمر المحفور في ذاكرتي هو عمر السادسة عشرة؛ أذكر أنني حينئذٍ كتبتُ قصيدةً نثرية عن الانتفاضة الفلسطينية أبهرت والدي الراحل "عدنان حبال" فنشرها لي في الصحيفة كنوع من التحفيز، فهو الذي دعم موهبتي، كان كاتباً وناقداً، ومن مؤسسي الدراما السورية، كان يشجعني بشتى الوسائل على القراءة والكتابة، ووالدتي كان لها دور كبير في دفعي إلى الاستمرار كلما بهتت همتي أو تعبت، وكذلك القرّاء هم الداعم الأكبر، وتربطني بأغلبهم علاقة محبة وتطورت مع بعضهم إلى صداقة، فكانوا بذلك الحصن الذي يحميني من نفسي إذا حاولت الابتعاد عن الكتابة، حيث أصدرتُ رسمياً أول كتاب لي في عام 2015، فأنا أكتب لأحافظ على ما تبقى من إنسانيتي في حياتي، وأتركَ أثراً طيّباً فلا أموت بعد أن أموت. اخترت النثر أسلوباً لأنني أرى فيه سلاسةً وحرية تشبهني كثيراً؛ لذا أراني أكتبه بالفطرة، في حين كتبت قصيدةً شعريةً واحدةً فقط في حياتي ولا يبدو أنني سأكررها، لأنني أحب الشعر فقط كقارئة، وأراه صعباً ومُقيِّداً، لأنني لم أخلق شاعرةً، وككاتبة تراني أقطف من بستان كل كاتب زهرةً تعجبني وتناسبني، لكنني أستطيع القول إنني معجبة جداً بأدب "جبران خليل جبران" و"المنفلوطي"».

هي الأمسية الأولى لي على أرض الوطن مع مجموعة من الكتاب والشعراء المميزين، ورافقنا فيها صوت مطرب شاب يمتلك حنجرة ذهبية وعازفٌ عود شاب له أصابع من مرمر، الأمسية لها قصة أتمنى أن تصل إلى الجميع، أعود فيها إلى رواية "فوبيا النرجس"، حيث تعود البطلة إلى وطنها بعد انتهاء الحرب وأول ما تفعله قبل أن تبدأ بناءه. الأمسية الشعرية بعنوان: "وطن يولد من الحرب" منها انطلقت مع مجموعة من الشباب يعمّرون الوطن حجراً حجراً بأيديهم، للمصادفة البحتة عدت من غربتي من دون قرار مسبق لأجد مجموعة من صديقاتي يخططن للأمسية حتى تكون مفاجأة لي في غربتي التي لم يعلمن أنها انتهت فشاركت معهن، ألقينا قصائد ونصوصاً للوطن والحب والإنسان، غنينا وعزفنا، وخرج الحضور بنرجس مزهرٍ في قلوبهم على حد وصفهم

وعن الموضوعات التي تتناولها تقول: «خلال سنوات غربتي العشر كان يطغى على كتاباتي مواضيع الغربة والحنين والصعاب التي تواجه كل من ابتعد عن وطنه، كما كتبت أيضاً عن أحلام المغترب بالعودة، وأمله ببناء ما هدمته يد الحرب البغيضة، اليوم وأنا هنا في حضن الوطن صرت أكتب عن كل شيء تقريباً وأحاول تحقيق ما حلمت به في الغربة حقيقةً لا خيالاً، إضافة إلى الاستمرار في الكتابة عنه، وأحاول أن ألامس أوجاع الناس لعلّها تهدأ وتستكين، أن أزرع أملاً، إيماناً، طاقةً إيجابيةً، ومحبةً بعضنا لبعض ولوطننا، لكن رسالتي الأساسية وهمي الشاغل حالياً هو بذل كل طاقتي في محاولة بناء هذا الوطن، وذلك لا يكون إلا بالتحفيز والتنفيذ، التحفيز كان عن طريق روايتي الأولى "فوبيا النرجس"، التي -بفضل الله- تركت أثراً كبيراً في نفوس كل من قرأها وكتب لي رأيه، حيث كانت رؤية بسيطة لـ"سورية" بعد الحرب بطريقة أكاديمية نوعاً ما، لكنها مشحونة بكمية كبيرة من الأمل والحب وربما الخيال، لكن الخيال الإيجابي القابل للتحول إلى حقيقة. أما التنفيذ، فلا يزال في الخطوات الأولى غير المستقرة، خاصة أنني عدت إلى البلد قبل سبعة أشهر فقط؛ لذا سأصرح عنه في وقته».

إصداراتها

وعن إصداراتها تكمل حديثها قائلةً: «أول إصداراتي كان عام 2015 بعنوان: "صداع وقطعة سكر"، وهو عبارة عن نصوص نثرية تحاكي واقع المغتربين في أغلبها، وعلى هامشه عدة قصائد تحاكي واقع المرأة العربية، و"بتوقيت الدندنة" وهو كتابي الثاني صدر عام 2017، وهو الكتاب المجنون كما أحب تسميته؛ فرّغتُ فيه كل ضجيج الحرب، يجد فيه القارىء قصائد نثرية وخواطر قصيرة جداً تارةً، وتارةً أخرى رسائلَ وخواطر طويلة إلى حدّ ما، كتبتُ فيه عن الحرب والحب، عن الحياة بالكثير من تفاصيلها ودروسها. "فوبيا النرجس" روايتي الأولى صدرت عام 2018 ووقعتها في معرض الكتاب الأخير، وهي خلاصةُ أحلامي الورقية التي أتمنى أن تصبح حقيقة من لحم ودم، ويأخذ كل من الوطن والمرأة المساحة الكبرى من أبجديتي، عن الوطن كتبتُ قصيدةً بعنوان: "دورة حياة" سردتُ فيها دورة حياة كل دمشقي شهق شهقته الأولى في "دمشق" كتبتها في الغربة، أقتبس منها:

ما بكَيتْ

أذكُرُ أني ضحكتْ

تمايلتْ

ثم رقصتْ

عانقتُ قلبَ أمي

قبّلتُ يدَ الطبيبة

ربطتُ حبليَ السريّ

إلى نارنجة قريبة

من أمسية "نرجس" مع الأصدقاء والقراء

ما بكيتْ

توقيع رواية "فوبيا النرجس" في معرض الكتاب

في لقاحي الأوّل

حقنوا في يدي ورداً جورياً

وفي الثاني

قطروا في فمي بُناً شامياً

وفي الباقي

ملؤوا أوردتي شعراً نزارياً».

وفيما يتعلق بالصعوبات التي تواجهها وطموحاتها المستقبلية تقول: «بصراحةٍ مطلقة وقبل الحديث عن الصعوبات، دعيني أتوقف عند لقب كاتبة فأنا أخافه جداً وأراه كبيراً وفضفاضاً عليّ ليس محاولةً للتواضع، إنما هو إيمان كامل بأن الكاتب الحقيقي هو الذي يموت فلا يُنسى، حينئذٍ فقط يستحق أن يطلق عليه لقب كاتب، من هنا أنطلق إلى الصعوبة الكبرى التي يعانيها أغلب الذين يحاولون الكتابة حاملين رسالة سامية بضمير صاحٍ ولغةٍ عربية قوية، في هذا الوقت وسط ضجيج الكتب التي تنشر لمن يسمون أنفسهم كُتّاباً من دون رقابة كافية على المحتوى واللغة؛ وهو ما يجعل الوسط خطراً على الجميع من كتاب وقراء، وأرى نفسي في كل خطوة إلى الأمام أعود ثلاثاً إلى الوراء خوفاً من الخلط واللغط يا للأسف. وأطمح إلى إقامة مهرجان للمواهب الشابة على الصعد كافة يجتمع فيها الكتّاب والرسامون، العازفون، المغنون، المصورون، وأصحاب الحرف، مهرجان إبداع سوري بامتياز يجعل الكون أجمع يرى "سورية" الحقيقية».

وعن مشاركتها في أمسية "نرجس" الأدبية التي جرت بتاريخ 18 آب على مدرج "جمعية خريجي المعاهد التجارية"، تتابع قائلةً: «هي الأمسية الأولى لي على أرض الوطن مع مجموعة من الكتاب والشعراء المميزين، ورافقنا فيها صوت مطرب شاب يمتلك حنجرة ذهبية وعازفٌ عود شاب له أصابع من مرمر، الأمسية لها قصة أتمنى أن تصل إلى الجميع، أعود فيها إلى رواية "فوبيا النرجس"، حيث تعود البطلة إلى وطنها بعد انتهاء الحرب وأول ما تفعله قبل أن تبدأ بناءه. الأمسية الشعرية بعنوان: "وطن يولد من الحرب" منها انطلقت مع مجموعة من الشباب يعمّرون الوطن حجراً حجراً بأيديهم، للمصادفة البحتة عدت من غربتي من دون قرار مسبق لأجد مجموعة من صديقاتي يخططن للأمسية حتى تكون مفاجأة لي في غربتي التي لم يعلمن أنها انتهت فشاركت معهن، ألقينا قصائد ونصوصاً للوطن والحب والإنسان، غنينا وعزفنا، وخرج الحضور بنرجس مزهرٍ في قلوبهم على حد وصفهم».

من جهته الشاعر "ميشيل عيد" يقول: «لعلّ الذي يقرأُ لـ"دانة عدنان حبّال" ويدخلُ في دهاليز أفكارها، يعرف أنّ كلَّ بوّابات المتاهة توصل إلى الوطن. هذا الوطن الكبير؛ تجدُهُ زمناً لا تتوقّفُ عقاربُهُ بتوقيتها. من فرط تعلّقه بذاكرتها يصيبُها بصداع الغربة، فتعودُ إليه قطعةَ سكّرٍ تحلّي تربة لغتها لتلد نرجس الأنثى قبل الزَّهرة، أتابعها منذ عامين، إنّها تكتبُ نفسَها من خلال غيرها، وتكتبُ غيرَها من خلال نفسها. هي امرأةُ التّفاصيل البسيطة التي تمنحُ الحياةَ عمراً آخر، تكادُ تشتمُّ بين سطورِها ياسمين "دمشق" وجدرانها، فإنّ "الشّام" أمُّها المربيّة التي علّمتها كيف تصبح أمّاً وكاتبة. لهذا لم يكن الرّجلُ وجبتَها الأساسية في النّزف على الورق. الحبُّ عند "دانة" مكمّلٌ لشخصيّتها الجائعة للأحلام والخلود. حيناً تهاجمُهُ بتهكّم التصوّف، وحيناً تسير إليه كعقرب أعمى الخطى يلدغُ كلَّ شيءٍ لهفةً، وتتميّزُ كتاباتها بالمباشرة البلاغية التي تضع المعنى مولوداً صغيراً بعبارة قليلة المفردات عميقة الفكرة، لا بدّ من الوقوف على أطلال صورها للتذوّق. كاتبةٌ متعدّدة الشخصيّات، تجيد التّمويه النسائيّ في الاعتراف وتتقنُ شفافيّة الأسرار، تبتسم بكلمة وتبكي بأخرى. تستطيع ببساطة أن تستلّ فكرةً من أيّ شيءٍ حسّيٍّ وروحانيّ. فإمّا تطلقُ عنان سخريتها وجنونها، أو تَغرق حتّى الاختناق بحكمتها وفلسفتها تجاه الأشياء. وفي الحالتين تراها واثقةً ثابتةً كشجرة تعطي الثمّار حتّى لمن يرشقونها بالحجارة، لقد تجاوزت بنضجها اللغويّ مراحل كثيرة في التّعبير، استحقّت عبر الأمل والتفاؤل والصمود الإنسانيّ أن تسكن نفوس وقلوب الكثيرين. "دانة" المقاتلة في معركة الحياة الواقعية والورقية، ماتزال تبحث عن نصرٍ جديد لها يؤرّخ تأثيرها في مكتبة الأدب».

يذكر أن "دانة عدنان حبال" من مواليد "دمشق" 2 تشرين الثاني عام 1984، خريجة كلية الاقتصاد جامعة "دمشق"، وإلى جانب موهبتها في الكتابة، تعمل حالياً مديرة إدارية في نقابة "المهن المالية والمحاسبية" في "دمشق".