عبق الياسمين المعرّش على فسحة بيتها الدمشقي ظلّلها وترك أثره على مفردات كلماتها وصور قصصها وحكايات أشخاصها، واستطاعت في غمرة الازدحام الأدبي والإعلامي أن تترك حضوراً لافتاً لها.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 3 آب 2017، الأديبة والإعلامية "ديمة داوودي"، التي قالت: «في مدينة الياسمين والشموخ "دمشق" الإباء، وضمن بيئة شامية بامتياز أبصرت عيناي النور، بداياتي مع الأدب كانت في سن مبكر حينما اكتشفت والدتي شغفي بالقراءة، أذكر كيف أحضر لي والدي قصصاً قصيرة على الرغم من أنني لم أتجاوز الخامسة، وكنت دوماً أطلب المزيد، وكانت والدتي دوماً تترك ما تقوم به عندما أخبرها أنني حاولت كتابة شيء، ومن هنا يبدو أنني حصلت على كمٍّ جيد من الكلمات بالنسبة لعمري؛ وهو ما جعلني أتميز في الإلقاء المدرسي في المناسبات الوطنية، أذكر تماماً كم كنت أشعر بالفخر والسعادة حينما تنادي المديرة باسمي لألقي ما كتبته حول المناسبة الوطنية التي نمر بذكراها، وكيف كانت إحدى المدرّسات تتطوع لحمل مكبّر الصوت الذي كان يعيقني حمله وأنا طالبة في الصف الثالث الابتدائي، وأولى كتاباتي كانت عن القضية الفلسطينية.

في الحقيقة هي مجموعة حكم كثيرة، أهمها: "إن أردت النجاح اربط حياتك بأهداف وليس بأشخاص"، "وأنت في قمة سعادتك لا تعطِ وعوداً، وأنت في قمة غضبك لا تتخذ قرارات"

أما بداياتي الأدبية، فكانت مع الخاطرة، وكم كنت أستمتع بكتابة الرسائل، وحاولت كتابة ما يشبه المذكرات، كتبت القصة القصيرة، فهي هواء الأدب بالنسبة لي، وجميع كتاباتي تتحدث عن الوجع الإنساني وقضايا المحبة والعلاقات بوجه عام، ولأنني أحب الأدب البرازيلي والروسي لا بد أن كتاباتي تأثرت بهما، فلا يمكن أن ننسى قصص "تشيخوف، وماركيز، وغوركي" وغيرهم. أحببت أسلوب "زكريا تامر، وألفت الإدلبي، ومحمد الماغوط، وحنا مينا" وغيرهم. أمعن في الرمزية بمختلف كتاباتي، وهذا ما يجعل قصصي في الأغلب تقرأ أكثر من أن تسمع، وعلى المتلقي التركيز وإلا ستنفلت منه بعض التفاصيل ما قد يضيع جمالية القصة، وهذا ما ألصق بي تهمة المغامرة بكتابة قصة تقرأ ولا تسمع، المعروف عني أنني قارئة نهمة، والمقربون يلقبونني فأرة كتب، أول مجموعة قصصية نشرت لي عام 2007، كانت بعنوان: "لمسة امرأة"، ولي قيد الطبع مجموعة قصصية بعنوان: "على مقام النار"، تتحدث بمعظمها عن الأزمة السورية كمجتمع، وكيف نتخطاها».

خلال إحدى مشاركاتها الأدبية

عن تجربتها بمجال الرواية، تابعت: «روايتي "الروح الثامنة" مازالت الأقرب إلى قلبي، لقد أتعبتني تفاصيلها وشخصياتها، وكانت التعب الجميل، أحاول العودة إلى رواية كنت بدأتها قبل مدة طويلة تنتمي إلى أدب السجون، إلا أن العمل الإعلامي سرقني منها بالكامل، وكذلك أحاول التعديل على سيناريو فيلم كتبته، عنوانه المبدئي: "مثل الحلم مكسور"».

وتضيف عن علاقتها بالشعر: «للشعر في قلبي مكانة كبيرة؛ فهو الأقرب على الرغم من صعوبته، كتبت شعر التفعيلة والشعر الحر، وحتى قصيدة النثر، إلا أنني أحب الشعر الجاهلي وأستمتع بقراءته، الشعر هو خبز الأدب الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وهو ما أحاول التركيز عليه في مختلف كتاباتي وعملي الإعلامي، مشاركاتي الأدبية كانت في أكثر من مكان ثقافي، وبالتأكيد للمكان حيز كبير في صقل الشخصية الأدبية، وهنا أعترف بفضل الصالة الكبيرة بمن فيها من أدباء رائعين ونقاد موضوعيين في فرع اتحاد الصحفيين والكتاب الفلسطينين فمن طاولتها المستطيلة انطلقت الكثير من الأسماء الكبيرة، إلى جانب المراكز الثقافية داخل "سورية" وخارجها، جميع مشاركاتي كانت مهمة وزادت من رصيدي بمشاركيها ومتلقيها وجمهورها والنقاد».

خلال توقيع روايتها

وعن الفائدة المحققة من مشاركاتها، تضيف: «هناك فائدة من المشاركة في المراكز الثقافية والأمسيات والاجتماعات الأدبية؛ فكل شخص بحاجة إلى الآخر، ولا يمكن لكاتب أن يستأثر بتجربته إن أراد التطور والانتشار، المشاركات تزيد المسؤولية، وتعزز الثقة بالنفس، وتحقق الانتشار، تسهل التواصل بين الكاتب والمتلقي، وهنا لا بد من التنويه بأمر انتشار المنتديات الأدبية الإلكترونية التي تعدّ وسيلة رائعة للانتشار، وخاصة لمن هم في بداية الطريق، إلا أنها لن تغني عن الكتاب الورقي، والمنتديات الإلكترونية والملتقيات الأدبية جميعها أمور ضمن سلسلة واحدة لا يمكن لأحدها أن يلغي الآخر، لكن على النقاد في مواقع التواصل الاجتماعي أن يراعوا عمر التجربة للكاتب في بداية مشواره، وعلى الكتاب الإلكترونيين أن يوقنوا أن متعة الكاتب تكمن بين سطوره الملموسة، وعلى الكاتب أن يكون صوت بيئته ومجتمعه، وذلك لا يمنعه عن الكتابة عن شيء آخر، لا بد من التواصل عبر الحياة اليومية ليتمكن من التعبير عن جوانيات الإحساس والمشاعر، ويلامس شغاف القلوب، وعليه أن يهتم بالقراءة، وأن ينمّي موهبته الأدبية لأن الموهبة لا تلغي العلم، والعلم لا يلغي الموهبة، فلا بد من توفر العنصرين ليتمكن الكاتب من تحقيق ذاته أدبياً وتنمية مهارته وقدراته».

وتقول عن التكريم: «كل ظهور على المنبر هو تكريم بحدّ ذاته يفرحني تماماً ويبهرني في كل مرة، تم تكريمي من أكثر من جهة في العديد من المهرجانات، ولكن أبرزها وأقربها إلى قلبي تكريم فرع "دمشق" لمهرجان "أدب وطن نقد"، أتوجه بالشكر إلى اتحاد الكتاب العرب فرع "دمشق"؛ لاهتمامه بجيلنا وتكريمنا، وتكريم جمعية الصداقة الفلسطينية الإيرانية بمهرجان "المرأة والياسمين"، كما أشكر اتحاد الكتاب والصحفيين الفلسطينين الذي يعمل بإصرار على دفعنا إلى الأمام بكل ثقة، ولدوره الكبير في نبش أفضل ما لدينا من مواهب».

من إصداراتها

أما عن تجربتها الإعلامية، فتقول: «الإعلام والصحافة فيهما لب اختصاصي، اخترت الأمور الثقافية والأمور الخاصة بالمجتمع، وأظنّ أنني قدمت شيئاً مهمّاً عبر عملي الإعلامي، وما زال مشواري طويلاً، الإعلام هو عملي الذي أحب، بينما الأدب هو عالمي ومكاني، إنه الهواء الذي لا يمكنني الابتعاد عنه، ولا يمكنني التخلي عنهما، ففي النهاية أحدهما يكمل الآخر، وأجد في ارتباطهما سراً من أسرار النجاح الحقيقي».

وتختتم حديثها عن حكمتها في الحياة: «في الحقيقة هي مجموعة حكم كثيرة، أهمها: "إن أردت النجاح اربط حياتك بأهداف وليس بأشخاص"، "وأنت في قمة سعادتك لا تعطِ وعوداً، وأنت في قمة غضبك لا تتخذ قرارات"».

ومن كتاباتها:

"وجع

أخبروني أن للحزن.. رائحة المشيمة

وما دروا أن..

شيطاناً نبش تراب صدرك

قطع حبل وصلك

وكان الدم!"

عنها قال الناقد "عمر جمعة": «أديبة تعرف ما وكيف ومتى ولماذا تقول، فالرغبة بالكتابة ليس همّها الأوحد، بل رسالة الفن والأدب السامية هي ينبوعها الثرّ الذي تنهل منه، في كلّ ما قدمته وستقدمه في القادم من الأيام، تبدو في تجربتها الإبداعية مفتونة بالتجريب، مغرمة في تحطيم الحدود بين فنون الكتابة، كتبت الشعر، لكن انحيازها الأوضح كان باتجاه القصة التي حقّقت في فنها خطوات بوأتها مكانة مرموقة بين الأصوات الجديدة في المشهد الإبداعي السوري».

وأضاف الروائي القاص "حسن حميد": «الأسماء اللافتة للانتباه على الرغم من قلتها تكاد تكون معروفة بسبب مثابرتها وحرصها على الإحاطة بمتطلبات النص الأدبي، ولعل في طالعها الأمور الثلاثة: "المعنى، المبنى، المغنى"، وكل أمر من هذه الأمور يتطلب لياقة ما، وروحاً مأمورة بالجميل النائي الذي لم تعرفه الدروب التي شقها أهل الإبداع في الأزمنة الماضية، وفي طالع هذه الأسماء الأديبة "ديمة داوودي"؛ ففي كل محاولة من محاولاتها الأدبية نصّ أو كتاب، تقدم ما هو لافت للانتباه، ومؤيد بروح الجمال الأدبي».

يذكر أن "ديمة داوودي" من مواليد "دمشق"، عام 1983.