الوجوه التي رآها، والحكايات التي سمعها وعاشها الكاتب "مهند العاقوص" هي الزاد الذي يستقي منه أفكاره، ليقدمه كزوادة غنية بالأفكار العميقة والمركبة واللغة الشعرية والقيم التي يرغب بإيصالها إلى كل طفل، سواء كإعلام مرئي أو قصة مكتوبة لتعرف طريقها إلى قلب الطفل وعقله.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع "العاقوص" بتاريخ 1 أيار 2017، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، فقال: «أكتب وأنا أحلم بجيل سيأتي يحب بعضه بعضاً، ويقبل الاختلاف مع الآخر، ويتطلع إلى مكانة في عالم يكاد يطردنا من مساحة تفكيره لفرط ما أسأنا لأنفسنا نحن الكبار في هذا الشرق الذي يحتاج إلى الدواء، وأفضل علاج يكون بالوقاية قبل استفحال المشكلات.

تميّزت عن أقراني في المرحلة الابتدائية، فكنت متفوقاً في جميع المواد، لكنني تميّزت أكثر في مادة اللغة العربية. أذكر في المرحلة الإعدادية حين كان يطلب منا كتابة موضوع إبداعي يتضمن أبياتاً من الشعر، كنت أصوغ أبياتاً وأنسبها إلى أحد الشعراء، فكانت الحيلة تنطوي على المعلمين. لكنني لا أذكر أن موهبتي تم اكتشافها وتوجيهها في المدارس. في المرحلة المتوسطة بدأ الميل نحو القراءة خاصة الشعر، فكانت روحي ترقص على إيقاعات القصائد الممتدة من الشعر الجاهلي إلى الحديث

أنحدر من قرى مدينة "اللاذقية"، وأحمل جيناتها مشبعاً بكل ما فيها من بساطة ورضا، قابضاً على عشق قرية لم أسكنها، لكنها سكنتني، فكتبت عنها:

جائزة عن أفضل نص مسرحي في الكويت

"قريتي نهرُ الحكايا... في شراييني دفقْ

نبعها أمُّ المـرايـــا... ملءُ عينيهِ الشفقْ

غلاف قصته "هل أنت زيز؟"

قلبها عطرُ النوايا... في وعاءٍ من حبقْ

قريتي مثلُ الوصايا... في كتابٍ كالورق"

الشاعر عصام زودي

طفولتي متواضعة جداً وغنية في آن واحد، فقد قضيتها في مخيم للنازحين، وهناك عشت الحكاية كما هي في الواقع، فجدران المخيمات ووجوه أهلها هي حكايات متحركة تتجدد كل يوم. كنت أقطف تلك الحكايات كما يقطف الفلاح ثماره وأضعها في سلة ذاكرتي من دون أن أدري أنها ستصير حكايات للأطفال ذات يوم. تعلمت كلماتي الأولى من أمي التي لا تجيد القراءة والكتابة، لكن قلبها يجيد الحب بامتياز، فكانت تزودني بالأساسيات الأولى من أرقام وحروف وأناشيد "سليمان العيسى" التي استيقظت في روحي منذ البداية، ولم تنم حتى اليوم».

وعن المرحلة المدرسية، قال: «تميّزت عن أقراني في المرحلة الابتدائية، فكنت متفوقاً في جميع المواد، لكنني تميّزت أكثر في مادة اللغة العربية. أذكر في المرحلة الإعدادية حين كان يطلب منا كتابة موضوع إبداعي يتضمن أبياتاً من الشعر، كنت أصوغ أبياتاً وأنسبها إلى أحد الشعراء، فكانت الحيلة تنطوي على المعلمين. لكنني لا أذكر أن موهبتي تم اكتشافها وتوجيهها في المدارس. في المرحلة المتوسطة بدأ الميل نحو القراءة خاصة الشعر، فكانت روحي ترقص على إيقاعات القصائد الممتدة من الشعر الجاهلي إلى الحديث».

في البداية كتب الشعر واحتفظ بمجموعة من القصائد التي كتبها في المرحلة الثانوية وما بعدها، وتابع قائلاً: «عندما بدأت الكتابة، قمت بمحاكاة ومعارضة شعراء الجاهلية في لغة كانت قاسية وصعبة استطعت مع مرور الأيام تليينها وترويضها لتناسب ما أكتبه للطفل. أكتب من أجل طفولتي ولأجل طفولة تشبه طفولتي، وطفولة أفضل لجميع الأطفال. ودائماً أشعر بأنني أكتب للطفل الذي كان بائعاً متجولاً في شوارع "دمشق"، أكتب له معتذراً باسم مجتمع يهمل الطفولة، محاولاً أن أمسح البؤس عن وجهه دائماً، وأقول له: "لولا شقاء تلك السنوات لما كتبنا لأطفال العرب، ولما كنا قادرين أن نكتب لأطفال العالم لاحقاً". لدي الكثير من الكتب التي تخفي وراءها حكايات حقيقية حية، وأذكر منها على سبيل المثال كتباً أتمنى أن تشق طريقها نحو العالمية: "هل أنت زيز؟"، "الفتى الذي ورث حذاء أبيه"، "الحمامة الكريمة"، "جدائل خضراء". كتبت القصة القصيرة للكبار، فكانت تجربة ذاتية أهدف من خلالها إلى الترويح عن النفس، ومرافقة قلم كان صديقي والناطق باسم أحاسيسي، وسفير النيات الحسنة لأعماق قلبي وروحي الصامتة».

وعن مرحلة قطف الثمار، قال: «بدأت الكتابة للطفل رسمياً عام 2011، ونشرت أولى قصصي في مجلة "العربي الصغير"، التي كانت البوابة نحو عالم الطفولة، وبعدها كتبت أولى وأجمل قصصي وهي "هل أنت زيز؟" التي تحدثت فيها عن قصة واقعية لا تخلو من خيال فيه، فوصلت إلى أطفال العرب، وفازت بمحبتهم قبل أن تفوز بجائزة. في ذلك الوقت، لم أقرأ كتباً للأطفال باستثناء ما ورد في المقررات المدرسية، لذلك حين بدأت الكتابة للأطفال أدركت أنني أكتب بأسلوب مختلف عن السائد، بلغة شعرية وأفكار عميقة مركبة وخيال خصب جداً؛ وهذا ساعدني على الانتشار بسرعة. لذلك دائما أقول: "إذا أردت أن تكتب فقط، فاقرأ في الحقل الذي تودّ الكتابة فيه، أما إذا أردت أن تبدع، فاقرأ في كل شيء إلا حقل أنت تطمح للإبداع فيه"».

ولدى سؤالنا عن سبب اختياره الكتابة للطفل علماً أنه يجيد الكتابة للكبار، أجاب: «أنا أؤمن بأن أدباً رفيعاً نوجهه إلى الأجيال قادر على خلق جيل نحلم به منذ عقود، وأنا كجدي "سليمان العيسى" أردّد دائماً: "أنا خلية في مجتمع عربي يمرض ولا يموت"، وأشبه الأمر برجلين، أحدهما يدفع صدقة علناً، وآخر يدفعها بصمت. أديب الكبار جمهوره واعٍ، وسهل الوصول إليه، بينما أديب الأطفال يزرع بصمت، وجمهوره قد لا يعرف اسمه فلا يحقق شهرة، لكنه بالتأكيد أكثر تأثيراً في حركة المجتمع. إذا افترضنا أن الكلمات هي رصيد كل أديب، فإن استثمارها في قضايا الطفولة هي زرع دائم الخضرة».

وتابع: «لكل كتاب كتبته حكاية، وفي كل حكاية أضع بعض روحي، وأستمدّ حكاياتي من رؤى الطفولة التي تشبه نهراً كلما قلّ ماؤه تشرق شمس في قلبي لتذيب الثلوج على ضفافه المرتفعة، فيفيض من جديد حكايات تنساب كالماء، وأنا أول العطاش في رحلة دم عربي يسري في عروقي وينبض بحلم إنجاز كبير. منذ ست سنوات بدأت الكتابة للطفل، وهذا عمر قصير جداً، لذلك أراني مازلت أحبو وأتعلّم كل يوم، وأشحذ همتي لأصل يوماً إلى ما أريد، وآمل أن يدخل أدب الطفل في العملية التعليمية التربوية. حققت بعض الجوائز المحلية والعربية في القصة والمسرح عن أعمالي، منها: "أنت صرصار أيضاً"، "هل أنت زيز؟"، وغيرهما، لكن الجائزة الأكبر هي وصول كتبي إلى كل قطر عربي، وأغلاها "فلسطين"».

مدرّس لغة إنكليزية، وعلى علاقة وثيقة بالأدب والشعر "عصام زودي"، قال عن "العاقوص": «هو القابض على الريح في خضم العاصفة، قرأت له الكثير، ففي شعره الطفل هو المنجم، ومنه نتعلم. أرى في أشعاره عن الطفل نغمات المرحوم "سليمان العيسى"، فالكلمة عنده مرنة بليونة الطفل، واعتمد التقطيع اللفظي على طريقة السجع اللطيف والجناس والطباق، وككاتب قصة يرى الأسطورة بعين معاصرة، وكأن الماضي يمتطي الحاضر، لم أقرأ كل الكتب؛ لأنها -يا للأسف- تسوق خارج القطر، لكن من خلال متابعتي له بمجلة المهدي اللبنانية رأيته يسوق عمله للعالم لا لجهة ما. دخل مؤخراً الإعلام المرئي عبر أغانيه التي تبث على قناة "براعم"، وهذه تجربة رائدة؛ فنحن في عصر الصورة والسرعة؛ والأهداف والقيم التي يرغب بإيصالها من خلال الطفل الذي ما زال يحتفظ به ويحافظ عليه، ستدخل إلى قلب وفكر كل طفل».

"مهند ثابت العاقوص" من مواليد "دمشق"، عام 1983. خريج معهد إعداد مدرّسي لغة إنكليزية، عمل أميناً لتحرير مجلة "أسامة" للأطفال عام 2014، ترجم بعض الأعمال الأدبية إلى الإنكليزية، وهو كاتب وشاعر للأطفال واليافعين، حازت كتبه عدة جوائز في مجال الأدب.