"خضر مجر"؛ شاعرٌ شابّ أخذته قصيدة النثر، فاختارها عنواناً لتجربته، لينثرَ أفكارَ ذاته بلغةٍ شعريّةٍ شفّافةٍ، تشكّل الصّورة المُبتكَرة فيها، رؤيته الفنّيّة الأكثر إشعاعاً.

مدوّنة وطن "eSyria" التقتِ الشّاعر بتاريخ 4 أيلول 2014، للحديث عن تجربته الشّعريّة، وكان معه الحوار التّالي:

هو من الأصوات التي بدأتْ تشقّ طريقَها بقوّةِ الصّيغةِ الفنّيّةِ للقصيدة، والرّؤية الفكريّة المُتخلّصة من كلّ الشّوائب، التي تنغصّ على القارئ متعتَه الفنّيّة عند القراءة، هو شاعرٌ يرسمُ بفحمِ الكلمات جماليّاتٍ شعريّةً، تفتح آفاقاً متّسعةً جدّاً أمام المتلقّي، كما يرسم بألوان الكلمات فضاءاتٍ متعدّدةَ القراءات، والرّؤى الفنّيّة، ليشكّل بكلّ ذلك مستقبلاً مشرقاً لقصيدة النثر أوّلاً، وللشّعر السّوري والعربيّ ثانياً

  • متى دخلت عالم الشّعر؟ وبمن تأثّرت؟
  • يقرأ في إحدى أمسياته

    ** تسكنني الكتابة منذ الصّغر، حيث كانت محاولاتٍ خجولةً لم تأخذْ شكلها الحقيقيّ، إلّا منذ فترةٍ قريبةٍ، بعد أن كثفتُ قراءاتي وطوّرتُ أدواتي، وكان لدخولي الوسط الأدبيّ تأثيرٌ كبيرٌ في أسلوبي. أمّا عن تأثّري؛ فقد كان النّص الجميل بوصلتي، ومعايير الجمال تكبرُ بكبرِ التّجربة، لذلك لا أجد لنفسي مرفأ أرسو فيه. قرأتُ "نزار قبّاني، والماغوط، ودرويش، وسليمان عوّاد"، و"حسين هاشم" الّذي استطاع التأثيرَ بمكنوناتي بشكلٍ كبير.

  • في كتاباتك طغيان للذات في همومها وهواجسها، كيف تنظر إلى علاقة الذّات بالموضوع في ديوانك "بدايات"؟
  • غلاف ديوانه "بدايات"

    ** الذّات مرآةُ الواقع، وجزءٌ من المجتمع ككلّ، والذات الانفعاليّة المتمرّدة على واقعها، تنقل المواضيعَ العامّة من زاويةٍ خاصّة، وهذا ما يجعلها تلامسُ الذّوات بكلّ أطيافها، أو ما يقاربها على الأقلّ، ولذلك فأيّ موضوعٍ تعرضه القصيدة، مهما كان خاصّاً، سيلامس شيئاً من المتلقّي، وهنا أقول هذا من كوني متلقيّاً، لا من كوني كاتباً.

  • كتاباتك شعرٌ منثور، كيف تجاوزتَ الإشاراتِ الحمراءَ الكلاسيكيّة كالوزن والموسيقا؟
  • الشاعر "خضر مجر"

    ** كلّما اتّسعتِ التّجربةُ، وتخمّرتْ بعامل الاطّلاع والمتابعة لكلّ ما هو قديمٌ وجديدٌ، كلّما ازدادتِ الحرفيّةُ في أخذ النّمطِ الكتابيّ الملائم. لا شكّ أنّ أولى تجاربي، تعثّرتْ بالموسيقا والوزن؛ فجميعنا نولدُ من رحم الشّعر العموديّ والتّفعيلةِ، لكن فيما بعد بدأتْ خطاي تثبتُ أكثرَ في النثر، ولا أستطيع الإنكار بأنّ الهروب من الوزن، ليس بالأمر السّهل، خاصّةً أنّي منغمسٌ قليلاً بالموسيقا والوزن.

  • في لغتك سيطرة للمجاز والانزياح الدلاليّ، كيف يمكن العثور على الواقعيّة في نصوصك؟
  • ** للواقع دلالاته ومفرداته الّتي تحمل القارئ لاستكشافه، وتلمّسه بين مفاصل النصّ. وما الانزياحات الدّلاليّة سوى دفّةِ قيادةٍ، يوجّهها القارئ نحو البحر الّذي يحبّ، حيث يرسم واقعَه الّذي يحبّ.

  • السّاحة الأدبيّة اليوم ليست للشّعر، ويكاد ينحصر قرّاء الشّعر بنخبةٍ قليلةٍ من مريديه وكتّابه، ما السّبب برأيك؟ وكيف يمكن توسيع دائرة التلقّي؟
  • ** ربّما أخالفك الرّأيَ قليلاً؛ فالشّعر اليوم يملأ أيّامَنا، وأحياناً نُصابُ بتخمة الشّعر، من خلال ما تقدّمه المُلتقياتُ الثّقافيّة منذ عامٍ ونصف العام، أو من خلال الوسيلة الأكثر شيوعاً، وهي جدران التواصل الاجتماعيّ "الفيسبوك". وهنا يمكن أن نتحدّث، هل ما يُقال شعرٌ؟ الكثيرون يكتبون، وأوّل جرمٍ يقترفونه يبدأ باللّغة. حالاتٌ تسبّب لكَ الدّوار، ناهيكَ عن التّكرار، والابتعادِ عن طرائق الإبداع والتجديد. كلّ ذلك يأخذ الشّعر إلى مفازاتٍ لم يشهدها سابقاً، إذا لم يستطع الكاتب أن يكون أوّلَ متلقٍّ لعمله الإبداعيّ. وبالتأكيد التلقّي يحتاج إلى ثقافةٍ واسعةٍ ومتابعة واطّلاع، فإذا لم ينجحْ الشّاعر بتذوّق ما يقدّمه ولو نسبيّاً، فإنّه سيقع في هوّةٍ كبيرة بين ما يقدّمه، وبين متلقّيهِ أنفسِهم.

  • كيف تنظر إلى ثنائيّة الكتابة والنقد، في زمنٍ يشيع فيه استسهال الشّعر والنقد؟
  • ** فيما يخصّ النّقد البنّاء، فهو معدومٌ تماماً؛ فالنقد لدينا مرتبطٌ بالعلاقاتِ، ونادرٌ جدّاً ما يقوم على عكس ذلك، وأكثر ما نقرؤه من خلال الصّحف، أو الدّراسات الحديثة القليلةِ في هذه الأيّام، إنّما هي انطباعاتٌ حول النّصّ الشّعريّ، أكثرُ من كونِها نقداً، مع غياب أسس النقد، وقبلها غيابِ أسس الكتابة. بالتأكيد هناك الكثيرُ من الشّعراء الجميلين، ولكن هناك أيضاً الكثيرون من الرّديئين الّذين استطاعوا، ببعض العلاقات الشّخصية، الدّخولَ إلى الوسط الشّعريّ بأبّهةٍ وتعالٍ، لكنّ الكلمةَ الفصلَ للتّاريخ، لذلك أصبحَ الشّعرُ والنقدُ مطيّةً سهلةً للجميع.

    الصّحفي "عمر الشّيخ" قال: «هو شاعرٌ شابّ، لا يبخل على نفسه بالانفتاح على الجميع، يستمعُ للآخر، وينتظر النقد بشغفٍ؛ هذه المرونة التي يفتقدها عشرات الشّعراء الشّباب الآن، وهو صوتٌ شعريّ يعيش في منطقة قصيدة النّثر المعاصرة وينمو بهدوء، قرأتُ له مجموعة قصائد في ديوانه "بدايات"، وشعرتُ للوهلة الأولى بخللِ البوصلة، لتعدّد التأثّرات في النّصّ الشّعريّ من الإرث الموجود، الذي عادةً ما يثير الشّباب، ولكن في النّصف الثّاني من الدّيوان، ظهرتْ ملامحُه الشّعريّة أكثر وضوحاً، حيث الصّورة والانشغال الجدّيّ، بالبحث عن مكانٍ خاصّ يرسم من خلاله نصّه، ومواضيعه الحياتيّة، الأميز في ذلك هو مهارةُ الالتقاط البصريّ البكر لديه، فهي تحتاج قليلاً من الحذف، لتكونَ أكثر نصوعاً وخصوصيّة؛ ولكن هي رؤيته بالمحصّلة، وحبّه اللّحظيّ لكلماته، ولكن كلّما تكثقتِ الصّورة، والتصقتْ بمفرداتٍ جديدةٍ للشّاعر، كلّما كان حضوره أكثرَ قوّةً، ووصولاً للقارئ».

    الشّاعر والقاصّ "مهتدي غالب" قال: «هو من الأصوات التي بدأتْ تشقّ طريقَها بقوّةِ الصّيغةِ الفنّيّةِ للقصيدة، والرّؤية الفكريّة المُتخلّصة من كلّ الشّوائب، التي تنغصّ على القارئ متعتَه الفنّيّة عند القراءة، هو شاعرٌ يرسمُ بفحمِ الكلمات جماليّاتٍ شعريّةً، تفتح آفاقاً متّسعةً جدّاً أمام المتلقّي، كما يرسم بألوان الكلمات فضاءاتٍ متعدّدةَ القراءات، والرّؤى الفنّيّة، ليشكّل بكلّ ذلك مستقبلاً مشرقاً لقصيدة النثر أوّلاً، وللشّعر السّوري والعربيّ ثانياً».

    مقاطع من قصيدته "أجنحة صغيرة":

    (1)

    "الجسر المعلّقُ على ساعديكِ

    عشٌّ لزوجٍ من القبل"

    (2)

    "هدأتِ الرّيحُ في وكناتِ سكوني.

    وحده الخريف في محراب الشّمس"

    (3)

    "الأقحوانة البيضاء.. شامةُ الرّبيع"

    (4)

    "بمحض المصادفة اكتشفتُ

    جزيرةَ الكنزِ على ساحل سرّتك"

    (5)

    "في الحلم الأخيرِ قبل النّوم

    أحلمُ أن لا أحلم"

    (6)

    "البحر البعيدُ في العيادة النّفسيّةِ

    يستلقي فوق السّماء

    مبتلّاً بدموع الفقدان"

    (7)

    "كتبتُ كتبتُ

    حتّى تعبَ النّعاسُ

    مالَ على عنقي بقبلةٍ

    ونام دوني".

    يُذكر أنّ الشّاعر "خضر مجر" من مواليد "دمشق" 1988م. صدر له ديوان شعرٍ "بدايات" عام 2013.