تعدّ المجموعة الشعرية الجديدة "أكواريل" للشاعرة والإعلامية "سوزان إبراهيم" حالة شعرية فلسفية متناغمة حيث العنوان غير المألوف أولاً، والغرابة ثانياً..

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 7 كانون الثاني 2014 الدكتور الناقد "غسان غنيم"، وتحدث عن المجموعة برؤية نقدية تفكيكية قائلاً: «في هذه المجموعة تشعر بالدهشة أمام العنوان، لتجرك لتعرف ما يوجد خلف هذا العنوان، "أكواريل" ليس عنواناً مألوفاً، وفيه شيء من الغرابة، الحقيقة ما كنت أعرف معناه، إلى أن بدأت الكاتبة في الصفحة الأولى تعرّف هذه الكلمة بأنها تعني الألوان المائية، وهي محقة ربما لها تجربة في الرسم وتظهر تجربتها هذه من خلال مقطوعات التي قدمتها، "سوزان" أنا عرفتها كاتبة قصة وتعاملت مع نصوصها سابقاً في أكثر من موقع، الآن في مجموعتها الشعرية "أكواريل" مارست عملية القص في الشعر، هذه واحدة من الخلاصات، في المقطوعة الأولى في المجموعة تبدأها الشاعرة الكلمة المفتاحية فيها هي الماء، الذي يجعل الكاتبة تستجلب كل الطيف اللفظي الذي تستحضره كلمة "الماء" مثل: "الغيوم، البخار، الطوفان، الثلوج، الجليد، الندى، الغرق، المطر الغزير، الزخات، السدود، السيول، السواقي..."، كلها مفردات موجودة في ثنايا المقطوعة التي تدعى "أكواريوم"، وربما استحضر هذا الطيف الواسع من الكلمات التي لها علاقة بالماء، بمعنى أن المقطوعة كلها دخلت في ملكوت الماء، ومع هذا الاستحضار الذي تتدخل فيه الإرادة الواعية، تتراجع شعرية النص لحساب المعادلات المنطقية، الشعر عمل ينبغي فيه محاولة تنحية للعقل، لأنه لا يخرج بالحقائق بل سيطرة منه تقوم على كبح الحقيقة التي تريد إيصالها، وبالتالي تقوم المقطوعة على مجموعة من القفشات التي تكسر أفق التوقع لدى المتلقي، دون أن تحمل شحنات وجدانية إلا أقلها، أو شحنات روحية قادرة على عقد اتصال مع المتلقي، بل يشعر المتلقي بتخشب العلاقات القائمة بين الألفاظ، وجفافها».

"أكواريل" هي تقنية الرسم بالألوان المائية حيث تتداخل الألوان بشفافية وهذا ما أردته من ذلك العنوان وتنقسم المجموعة إلى أربعة أبواب هي: "أكواريوم"، إنه الرسم بالماء، ومضات متلاحقة في توصيف الماء وظواهره. "أكوامارين"، الطبيعة والمرأة والحب في أوراق خضراء، التقاط للمهمل والمنسي حولنا. "أكوا دي أورينت"، ومضات وقصائد تقتنص ظلال الواقع العربي في لقطات خاطفة بسيطة لكنها عميقة الغور مفتوحة التأويل. "أكوا دي جيو"، قصائد تسلط أشعتها السينية على وجع الأرض والوطن والإنسان، تلتقط تفاصيل الرعب والدم المسفوح في شوارع البلاد

وأضاف: «تقوم المقطوعة على مجموعة من الوحدات اللغوية التي تعتمد الإدهاش، ولكنها لا تقدم شعراً لتبدو مجرد مقطوعات تعجب من حيث الصناعة. وفي المقطوعة الثانية "أكوامارين" في مقطع "أ" بداية موفقة إلى مدى حيث تبدو الحالة شعرية، وإن كانت آلية قصة قصيرة جداً، حيث تقدم بأقل من الكلام حكاية متكاملة لشقاء امرأة في الحب مع رجل يهمل عواطفها، ويشكل حالة شعرية حقيقية تظهر فيها بعض الغنائية المحببة، وبعض ملامح الروح، حيث ترتفع نبرة الشعرية في بعض المقاطع الأخرى بشكل جيد، وحيث يسود بعض الرمزية مع نوع من التوافق اللفظي الذي يعوض غياب الموسيقا، مع إيحاءات وجدانية قادرة على البث، وعلى إقامة جسور تواصل.

د. غسان غنيم

مجموعة "أكواريل"، مجموعة تجريبية بامتياز، وليس التجريب في النصوص هو ما يشكل دائماً حكماً قيمة إيجابية، بل قد يكون حكماً على عدم التماسك، فالشعر في قصيدة النثر يحتاج إلى مواصفات تقرّبه من حالة الشعرية، صحيح أن قصيدة النثر تفتقد إلى الموسيقا، ولكنها تحترم اللغة الشعرية، وتحترم نوعاً من التوازن الصوتي الذي قد يعوض فقْد الموسيقا».

بينما يرى الدكتور "عاطف بطرس" نموذجاً للقصيدة في هذه النصوص، قائلاً: «تتداخل الأجناس في هذه المجموعة بوضوح، بدءاً من العنوان كما جاء في الشرح أنه يعتمد على الألوان تتداخل مع بعضها بعضاً وتشكل حالة جديدة، هناك نموذج القصيدة، على أساس وحدة الموضوع والتنامي العضوي والأثر الذي يتركه عند المتلقي، والقصيدة لها سمة عليا بل أعلى أشكال الكتابة ولها شيء من القداسة، وفي المجموعة أيضاً ما يمكن أن يطلق عليه قصصاً قصيرة جداً حين إنها تتضمن الحوار وتعدد الشخصيات والسرد، وهذا التداخل يطرح قضية نظرية على غاية كبيرة من الأهمية، المجموعة أربعة أقسام: في القسم الأول هناك رصف صوري في خيال توليدي أقرب إلى السوريالية مع نزعة فلسفية مع مفرقعات أقرب إلى المحاكمات العقلية».

د. عاطف بطرس

وتابع: «حقيقة إن الإنسان ليس عاطفة وانفعال وروح فقط، هناك إنسان لا يتجزأ، متكامل فالشعر يجب أن يقدم هذا الإنسان في وحي كينونته جسداً وروحاً، على الشعر أن يقدم احتراق روح في تجليات الجسد واحتضار الجسد في احتضار الروح، هذه الوحدة العضوية والمفهوم الذي تحدث عنه "أدونيس" حيث لا يمكن أن نقسم الإنسان إلى طوابق: "عقل، جسد، روح، فكر.." بل الإنسان كيان، والشعر إذا لم يحرك في الإنسان عواطفه وانفعالاته يسقط كقيمة فنية شعرية لأن الشعر ليس عرضاً لا للتاريخ ولا لتقديم لوحة بالأسماء، الشعر يجب عليه أن يقدم كل الأشياء قد يتعمد على واقعة تاريخية ولكن علينا أن ندرج جوهر حركة التاريخ، هناك قصيدة جميلة يجسد اللعب على الزمن تريد السيرورة على السيرورة تريد أن تغير حتى ترتيب الأيام أن تغير فعل الزمن، وهذا أيضاً يشكل مرحلة التجاوز المتقدمة، ما تبين بأن "سوزان" قد تأثرت بتجربتين دون أن تعي وهذا ليس بعيباً بل يندرج في مفهوم التناص "أدونيس" في الماء ليس جواباً عن العطش، و"ذكريا تامر" في قصصه القصيرة "النمور في اليوم العاشر"، أحيي نزعة التجريب المخفقة أحياناً والناجحة أحياناً أخرى، يكفي مأثرة أن نخرج من القوالب، أن نتنفس برئتينا وأن نرى بعينينا وأن نكتب بأصابعنا.

وللناقد "إبراهيم حسو" حديث آخر، يصف بها هذه المجموعة بالشبق إلى المعرفة والوحشة إلى كمالها قائلاً: يكتمل "أكواريل" بتصنيع رؤى وحيزات شعرية متناغمة وغير اعتيادية، تبدأ بذاتها، بتجلياتها للعوالم الجوانية للنفس البشرية، الشبق إلى المعرفة والوحشة إلى كمالها والتعمق فيها إلى أبعد من كونها تراكماً تاريخياً وفلسفياً وحياتياً، بل خلق أشياء نعيشها بإهمال، خارجة عن سياقاتها الدلالية والسلوكية، فتتحول دلالة "الماء" إلى أعمال وإشارات ومعيشة حسية، إلى تكوين مقدس تقوم مقام الولادة لحياة جديدة، حياة صادرة بعمد العودة إلى الطباع الأولى، الأحاسيس المحبوسة تحت جلد الكلمات. تسلك "سوزان إبراهيم" كيفيات تعبيرية وإيصالية وعرة ومتشابكة، فتشرك المتضادات والثنائيات والعلامات ذات الأصوات المتعددة "فلسفية، تشكيلية، حوارية العناصر" كرؤية صوفية، أيضاً التناقضات المتوالية ما بين الحياة والموت: "الماء، الفناء، العدم، الوجود، التفكك، اللاجدوى" والمفردة التي تعطي أكثر من معنى وأكثر من محتوى أو ثقل ذهني».

الكاتبة سوزان إبراهيم

أوضاف: «نصوص "سوزان إبراهيم" هي من النصوص الصادمة، المقتحمة، التي تشبه اللطمات مناوبة، المباغتة التي تغتنم فرصة الاستحواذ على اللغة والجري بها إلى أقصى مستويات المعنى، إلى أبعد من اللغة ذاتها، لتصدم بجدار البلاغة الإسمنتي، بالمجازات الملتمعة التي تشكل عصب وبنيان الكتابة الشعرية لديها، وأحياناً تصل هذه المجازات إلى ما يمكن تسميتها بالصوفية "الداخلية" التي تظل تنادي بها على اقتضاب محتوى النصوص في رحلة البحث عن "قدسية" الماء أو ما يعارضه من مدلولات فلسفية وحدسية "الأرصفة آذان الطريق، العطر بهارات الأنوثة، الرمل زمن محترق"، جولة البحث عن حساسية جديدة لمفردة واحدة تظل تلهب كيان النصوص وعن جذور أخرى لمعنى "الماء" أو "الأكواريل" المعنى الأبدي المتبدل والمتحول في مواجهة الحقيقة الإنسانية والميتافيزيقية للأشياء والفطرة وتفسيرات متعددة لهذه الاختزال التعبيري والمجازي للمقولة نفسها والحكمة من استطرادها الملغز في هذا السياق بالضبط».

"سوزان إبراهيم" صاحبة المجموعة قالت: «"أكواريل" هي تقنية الرسم بالألوان المائية حيث تتداخل الألوان بشفافية وهذا ما أردته من ذلك العنوان وتنقسم المجموعة إلى أربعة أبواب هي: "أكواريوم"، إنه الرسم بالماء، ومضات متلاحقة في توصيف الماء وظواهره. "أكوامارين"، الطبيعة والمرأة والحب في أوراق خضراء، التقاط للمهمل والمنسي حولنا. "أكوا دي أورينت"، ومضات وقصائد تقتنص ظلال الواقع العربي في لقطات خاطفة بسيطة لكنها عميقة الغور مفتوحة التأويل. "أكوا دي جيو"، قصائد تسلط أشعتها السينية على وجع الأرض والوطن والإنسان، تلتقط تفاصيل الرعب والدم المسفوح في شوارع البلاد».

يذكر أن للشاعرة مجموعتين شعريتين هما: "لتكن مشيئة الربيع"، و"كثيرة أنت". وفي القصة لها: "حين يأتي زمن الحب"، و"امرأة صفراء ترسم بالأزرق" و"ولأنني لأنك".