ناهز الستين من العمر ومازال يحلم بتأسيس دارة للترجمة في قريته الهادئة جنوب "سورية" ليستضيف فيها مترجمي العالم، وقد ترجم 104 كتب عن الإسبانية.

"كل ترجمة ليس عليها اسمه لا يعول عليها"... هكذا يقول عنه قُراء الأدب الإسباني.

إن الحديث عن "صالح علماني" يقتضي تذكر عبارة تقول "إن الترجمة خيانة"، فإذا كانت كذلك فإن أكثرنا وفاء لهذه الخيانة هو "صالح علماني"

في أيار الماضي من هذا العام دعته "مدرسة طليطله للمترجمين" الإسبانية لتكريمه مؤكدة بذلك اعترافها بلقبه المعروف بـ "كولونيل الترجمة" عن الإسبانية كما يلقبه كثيرون.

متوسطاً المترجمين محسن الرملي وأحمد اليماني

أمضى حتى اليوم ثلاثين عاماً في الترجمة وعملها الشاق، وأنجز فيها ترجمات مميزة تعرّف فيها قراء العربية أدب أميركا اللاتينية عموماً وأدب الواقعية السحرية بشكل خاص، فترجم لـ"غابرييل غارسيا ماركيز، وخوسيه ساراماغو، وماريو بارغاس يوسا، إلى إيدواردو ميندوثا، خورخي بورخيس، وإيزابيل الليندي، وإدواردو غاليانو، وآخر العنقود لويس لانديرو".

في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 كانون الأول 2013 يقول المترجم عن الإسبانية الدكتور "محسن الرملي": «إن الحديث عن "صالح علماني" يقتضي تذكر عبارة تقول "إن الترجمة خيانة"، فإذا كانت كذلك فإن أكثرنا وفاء لهذه الخيانة هو "صالح علماني"».

من ترجماته في أحد معارض الكتاب

ويضيف إلى قوله: «"صالح علماني" درس حيّ وتاريخي لنا جميعاً نحن المترجمين، حيث تخلى عن كل شيء ليجعل الترجمة طريقاً وهدفاً له، تخلى عن دراسته الأكاديمية، وتخلى عن الكاتب فيه لمصلحة المترجِم فأذاب الروائي في المترجِم كما تذوب قطعة سُكّر في قدح الشاي، لذا نلمس هذه العذوبة في أسلوبه لكل ما ترجمه، وقد راهن "علماني" على الترجمة ولم يخسر، فحقق شهرة تفوق شهرة الكثيرين من الكُتاب حيث لا تكاد تخلو أية مكتبة عربية عامة أو خاصة من كتاب يحمل اسمه».

أنجز "علماني" ترجمة كتبه الستة الأولى وهو منبطح على الأرض قبل أن يقتني آلة كاتبة، بعد ذلك تغيرت عاداته عندما اقتنى حاسوباً، وقد شرح ذلك قائلاً: «أقرأ النص خمس مرات، ثم أترجمه مباشرة على الكمبيوتر، وعندما أنجز بضع صفحات، أقرأ النص الذي ترجمته بصوت عال لمعرفة الإيقاع السمعي للجملة، وأنا أصرّ على أن المهم في الترجمة "الدقة أولاً قبل الأمانة"، فالأمانة وحدها لا تبرر تخريب النص الأصلي، وهذا لا يعني تغييراً في أفكار النص، فلكل لغة منطقها الخاص، وليس بالضرورة أن يتقاطع المنطقان بلاغياً». وأضاف: «يرتكب بعضهم آثاماً لا تغتفر باسم الترجمة الحرفية، إذ لا يتعلق الأمر بوضع كلمة بدل أخرى، بل بتشكيل جغرافية النص جمالياً ومعرفة أسرار اللغتين، اللغة الأم واللغة المترجم عنها، أنا أرى أن الترجمة تجعل جميع اللغات منفتحة على بعضها بعضاً، ولا حاجة لصاحب اللغة الضعيفة أن يتعلم لغة القوم، لأن الترجمة توفر له أن يقرأ ما يُكتب بلغة القوم؛ إذن من هذا الجانب هي ديمقراطية، هي تحافظ على كل التداولات والاختلافات اللغوية في العالم، وبالتالي تحميها وتبقيها».

من حفل تكريمه الإسباني

هذه الطريقة جعلت من ترجمات "صالح علماني" كأنها مكتوبة بلغته هو، فإيقاعها اللغوي العربي ينطبق على الذائقة العربية، وهذه إحدى مشكلات الترجمة الفعلية، فعلى المترجم كما يقول "علماني" أن يبحث في لغته عن طرق التعبير التي تحمل المضامين والأساليب الجمالية والفنية للنص الأصلي، فالترجمة بدأت تتحول إلى جنس أدبي قائم بذاته، والمترجم صار يعتبر مؤلفاً للترجمة، كما تعرفه قوانين وأنظمة الملكية الفكرية».

في لقائه الأخير مع طلبة الدراسات العليا في مدرسة "طليطلة" للمترجمين وهي تتبع إلى جامعة "كاستيلا لا مانشا"، تحدث عن مشكلات الترجمة من الإسبانية إلى العربية فقال: «أبرز المشكلات هي غياب قواميس متخصصة عن هذه اللغة التي يتكلمها ملايين البشر، في الولايات المتحدة وحدها 23 مليون إنسان يتكلمونها، ومع ذلك غير معترف بها كلغة رسمية، ورغم الانتشار الواسع للغة الإسبانية بقيت الترجمة عنها إلى اللغة العربية حتى عهد قريب تتم عن طريق لغة وسيطة، فعرف أبناء العالم العربي "لوركا" مترجماً عن الإنكليزية والألمانية، وهذا على سبيل المثال يترك خللاً في الحصيلة النهائية للمادة المترجمة».

بعد ثلاثين عاماً على هجرته لدراسة الطب في "سرقسطة" حيث تحول إلى برشلونة وبدأ مشوار الترجمة من هناك، محققاً الشهرة بعد ترجمته رواية "ماركيز" الشهيرة "ليس للجنرال من يكاتبه"، كتب في الصحف السورية واللبنانية ليتخلى عن الكتابة لمصلحة الترجمة كلياً، ويقول "صالح علماني" أن مبيعات الكتب التي ترجمها إلى العربية في أميركا اللاتينية وحدها زادت على خمسين ألف نسخة.

قال فيه الشاعر الراحل "محمود درويش": «إن هذا الرجل مؤسسة يجب تأميمها».

في حين يعترف الروائي العالمي "ماريو بارغاس يوسا" (صاحب رواية "التيس" التي ترجمها علماني) بعد لقائه "علماني": "إن لهذا الرجل فضل كبير بمعرفة ملايين القراء العرب لأفضل مؤلفي الرواية في أميركا اللاتينية".

يذكر أن "صالح علماني" من مواليد عام 1948 لأب من أصول فلسطينية.

عمل موظفاً في وزارة الثقافة السورية لسنوات طويلة، غادر "سورية" أوائل الخريف الجاري إلى "طليطلة" مع زوجته وابنه الذي يدرس حالياً في مدرسة "طليطلة" للمترجمين، وفيها يجد نفسه اليوم محاطاً بآلاف المراجع الإسبانية والعربية التي ستسهل له عمله في الترجمة.

أنجز مؤخراً ترجمته لرواية "الهدنة" للروائي الأورغواي "ماريو بينيدتي"، وبدأ ترجمة رواية "في غياب الأبيض" للروائي "أنطونيو مونيوز مولينا" لتكون الرواية رقم 105 التي يترجمها.