"هيفاء رزق" قاصة وناقدة أدبية مربية، برعت في كتابة الشعر والقصة القصيرة بأسلوب ممتع، ولغة عربية متينة.

الأديبة "سماء محاسني" صديقة عمرها قالت عنها: «رحلت الأديبة الموهوبة والصديقة الغالية عام 1998 وهي لاتزال في سن العطاء والنضج، وقد عرفتها بوقت مبكر عندما كنت أعمل مديرة للمطبوعات في المكتبة الظاهرية بدمشق، كانت محبة للمطالعة والبحث الأدبي ولم يكن من السهولة بمكان اختصار الحديث عن سيرتها الأدبية وصداقتها المخلصة في سطور قليلة. أصدرت كتابها "دراسات في الأدب" بعد وفاتها ابنتها الكبرى عام 1999 وضم دراسات مميزة جداً عن موضوعات قيمة بالأدب العربي، وستبقى ذكراها عطرة في مسيرة أدبنا المعاصر بآثارها الأدبية المبدعة وفي قلوب محبي أدبها وطالباتها عبر ما قدمته أيضاً خلال تدريسها اللغة العربية وآدابها».

وأجدني لا أغالي إذا قلت إن الكاتبة استطاعت أن تعرض أحداث قصصها بأسلوب أقرب إلى الواقع، مستمدة الأحداث من مجتمعها المحيط بها ومصورة أبطال قصصها من بيئتها التي تعيش فيها

مدونة وطن eSyria التقت شقيق الأديبة الموثق "أكرم رزق" بتاريخ 15/6/2013م فقال: «ولدت في صيدنايا 1941 وتلقت علومها الابتدائية، ثم انتقلت مع أهلها في بلدات سورية عديدة كحوران وإدلب وحماة والقنيطرة بحكم مسؤوليات والدها في سلك الشرطة، وتلقت العلوم الإعدادية في مكتب عنبر ومدرسة الآسية، وقد لفتت نظر أساتذتها في النقد الأدبي والشعر العربي الجاهلي والغوص في مفردات اللغة العربية، انتسبت لجامعة دمشق قسم اللغة العربية وتخرجت عام 1965 وكانت صافيتا محطتها الأولى في التدريس، تزوجت من "رفيق بشور" وهو من صافيتا سافرت معه إلى القنيطرة حيث كان مديراً للمصرف الزراعي فيها ثم انتقلت إلى دمشق وعملت في مدرسة "بسام حمشو" لمدة ثلاثين عاماً».

الأديبة التربوية هيفاء رزق

ويتابع الموثق :«كان الليل ملهماً لها في نبشس كتب الأدب العربي وكبار شعراء الجاهلية، وشعراء العهدين الأموي والعباسي ثم عصر الانحطاط، ولم تغفل دراسة كبار شعراء سورية قبل الاستقلال وبعده، كانت من رواد المكتبة الظاهرية تعكف على دراسة المراجع النادرة في الأدب العربي وأهم دواوينه ونصوصه. لقد شحن انكبابها على المطالعة في المكتبة فكرها وعقلها وذاكرتها بالمعلومات وزودها بكنوز ثمينة من العلم والمعرفة، لكن هذه الثروة التي حصلتها بجدها وكدها تبددت أدراج الرياح حين فاجأها المرض العضال عام 1996 فانصرفت عن التحصيل والمطالعة والتأليف إلى الاهتمام بصحتها ومعالجة مرضها، ومع ذلك لم تنفك عن الإنتاج الأدبي والفكري فكان لها ديوانها "همسات من القلب" عام 1998 قبل أن تفارق الحياة بوقت قصير، وأهدته إلى كل من سبر بفكره أسرار الوجود ولمس بشعوره نبض الإنسانية».

ضم ديوانها "همسات من القلب" ستاً وثلاثين قصيدة من الشعر الموزون المقفى نظمت أكثرها في أمها وأولادها وكلها مطبوعة بطابع الحزن والأسى والتأثر بالطبيعة الجميلة، ففي قصيدة الربيع في الطبيعة تقول:

الموثق أكرم رزق.0

لوح الصبح وحدق / وتعرى الكون يشرقْ

غنوة الطير بسمعي / رف إحساس تدفقْ

راقني الصبح بنور / كحنين الأم أورقْ

وفي قصيدة كتبتها لوالدتها تجلت عاطفتها الجياشة ورقة أحاسيسها في قصيدة "أمي" قالت:

يا أمي يا فيض شعر راعش / فاض نداه شذى على الأوراد

ياهمسة صاغ الإله عبيرها / فبددته أنامل الحساد

وتكثر من الشكوى في قصائدها، ولا غرابة في ذلك وهي المريضة المهددة بالموت بين يوم وآخر، وتتحسر على الماضي الجميل الذي مر كالحلم تقول:

أمشي وأمشي أين واحتي الظليلة / دون مبتغى شأو رحلة طويلةْ

ورحت أمشي في طريق / أتعبتني وألقتني عليله

وفي إصدارها "الأوراق التي سقطت سهواً" عام 1998، وهي مجموعة قصصية واحدة أهدتها للذين بعثوا في خيالها الأمل، ضمت المجموعة سبع عشرة قصة استمدت أحداثها من واقع الحياة وما يعانيه الناس البسطاء الفقراء والمهمشون من كدح وتعب وإرهاق في سبيل تأمين لقمة العيش».

وعن صفات شعرها يقول: «يغلب على شعرها طابع النظم ورصف الكلمات، ويفتقر إلى إشراق الصور وعذوبة الألفاظ وعمق المعاني، وجدتها كأنها كانت تقول شعرها للتسلية وللتعبير عما تعانيه وتحسه في قرارة نفسها».

أما عن صفاتها الشخصية فيتابع: «امتازت الكاتبة بالتكيف مع متاعب الحياة المختلفة والصبر وضبط النفس، فالعطاء عندها غير محدود دون ان تنتظر مقابلاً لذلك، وكانت تشدها فكرة الصالونات الأدبية لما فيها من إتاحة المساحة للمواهب والطاقات الشعرية والأدبية، وكانت تواكب الندوات الأدبية والشعرية في المراكز الثقافية، وترى أن احتضان البيئة الاجتماعية للمفكرين والأدباء يعطي المسألة الفكرية بعداً وطنياً وقومياً يتماشى مع الأحداث والتطورات».

وعن خصائص قصصها قال الأديب الراحل "مدحة عكاشة" في إحدى كتاباته: «وأجدني لا أغالي إذا قلت إن الكاتبة استطاعت أن تعرض أحداث قصصها بأسلوب أقرب إلى الواقع، مستمدة الأحداث من مجتمعها المحيط بها ومصورة أبطال قصصها من بيئتها التي تعيش فيها».

يذكر أن الأديبة المربية "هيفاء رزق" رحلت إلى الديار السماوية بعد صراع مع المرض في الخامس عشر من أيلول 1998 قبل أن تتجاوز السابعة والخمسين من عمرها.