ينتمي "سعيد حورانية" إلى جيل الرواد المؤسسين لحركة الأدب في سورية، فهو قاص وروائي قدم في أعماله صورة واقعية للمجتمع السوري بكل أبعاده مستخدماً تقنيات جديدة في عالمه القصصي.

ولد "سعيد حورانية" في دمشق عام 1929وتخرج في جامعة دمشق قسم اللغة العربية ثم حصل على دبلوم التربية، وعمل في التدريس في العاصمة دمشق والسويداء وفي لبنان أيضاً ولأسباب متعددة غادر الوطن إلى موسكو وبقي هناك حتى عام 1972 ومن ثم عاد وبقي يعمل في وزارة الثقافة حتى عام 1995.

لم يبق حورانية تقنياته القصصية على ما هي عليه، بل طوّرها نحو التنوع، فاستعمل الوثيقة، والبناء المقطعي، وحرص على الافتتاحية الصادقة، وعلى مستوى اللغة ازداد إبحاراً في كتابة حوار القصة بالعامية، وكتب نصوصاً عدّة ترتكز بصورة كبيرة على العامية

مدونة وطن eSyria التقت الناقد والشاعر "وفيق سليطين" بتاريخ 22/5/2013 فتحدث عن سيرة حياة "سعيد حورانية" بالقول: «مرت القصة السورية بمرحلة "تكوين" تأثرت فيها بمختلف أنواع التأثيرات الأدبية المحيطة من ترجمات وتقليد إلى أن وصلت إلى مرحلة التفتح والازدهار على يد كوكبة من المبدعين من أمثال "فؤاد الشايب" في مجموعته "تاريخ جرح"، و"عبد السلام العجيلي" في "بنت الساحرة"، وكان "سعيد حورانية" هو أول من ربط القصة القصيرة بالواقع اليومي المعيش في أول قصصه بعنوان "عريضة استرحام"، و"قيامة أليعازر"».

وفي الناس المسرة

ساهم "سعيد حورانية" في تأسيس اتحاد الكتاب العرب وكان اسمه وقتها "رابطة الكتاب العرب" مع "حنا مينه"، و"محمد دكروب"، و"حسين مروة"، و"شوقي بغدادي" وآخرون، وترأس فرع اتحاد الكتاب في سورية، ويرى الكاتب والمسرحي "رياض عصمت" في دراسته لاتجاهات القصة السورية القصيرة أن "سعيد حورانية" هو رائد الاتجاه الواقعي الاشتراكي في القصة السورية القصيرة، وكذلك القاص "عبد الله عبد"، كما يرى أن "سعيد حورانية" لعب الدور نفسه الذي لعبه "غوغول" في القصة الروسية، وهو واحد من الرواد الرئيسيين الثلاثة لاتجاهات القصة السورية القصيرة الفنية مع "عبد السلام العجيلي، وزكريا تامر".

ويذهب الروائي السوري الكبير "حنا مينه" في تقديمه لمجموعة حوارنية القصصية الأولى (وفي الناس المسرة) التي كتبت عام 1953 إلى القول: "... وفي الناس المسرة، ليس هذا بالعنوان الضخم.. إنه بسيط كالناس الطيبين، إلا أنه انتزع إعجابي، كدت أقول تصفيقي".

سنتان وتحترق الغابة

أصدر سعيد حورانية بعد ذلك مجموعتين هما "شتاء قاس آخر" عام 1962، و"سنتان وتحترق الغابة" عام 1964، ونجد فيهما كما يقول الناقد "أحمد جاسم الحسين" في كتابه "خبز الواقعية المر" هموماً متنوعة مختلفة ونضجاً فنياً في معالجة الموضوعات، فقد سلك القاص "حورانية" مسلك الواقعية النقدية المشبعة بالسخرية والقدرة في الوقت ذاته على القبض على نبض الحدث والإحساس به.

فيما يرى الناقد "أحمد محمد عطية" أن قصص سعيد حورانية في مجموعته "شتاء قاس آخر" تتراوح بين التقنية الفنية الجيدة والأداء الفني الحديث، وبين الخطابية والوصف الخارجي، ولكنها تتفق جميعها في تقدمية المضمون، والعناية بالواقع الاجتماعي والاحتجاج ضده ورفضه.

خبز الواقعية المر

هذا الإبداع المستمر عند حورانية ظل وفياً لمصادره الأولى، يتحدث الروائي السوري "فيصل خرتش" عنه فيقول: «ما انفك سعيد حورانية يجعل سيرته الذاتية وتجربته الحياتية منبعاً رئيسياً من منابع نصّه القصصي، دون أن يعني ذلك أنه وقع في حبائل التوثيق، بل توقف عند الآخر في سيرته فيما شاهد أو عايش، أو نقل روح التفاصيل مما يخصّ الأنساق الاجتماعية التي نمت تجربته في كنفها، ويمكن أن نتتبع عدداً من نصوصه بالتوازي مع مراحل عمره، لنجد أنها خير شاهد عليه (العلاقة مع الأسرة، والطرد من البيت، سجنه، وظيفته، عمله في السويداء، ونقله إلى الحسكة، خدمته العسكرية، عودته إلى دمشق)، إذ استطاع أن ينفذ إلى حياة الناس وبيئاتهم على الرغم من تكونه في بيئة بعيدة عنهم، لكنّه وصل إلى ما يشغلهم ويعذبهم، إضافة إلى الغنى الوجداني والنفسي والاجتماعي لتكون مدخلاً إلى معاناته التي عاشها في بعض الأحيان».‏

ويضيف "خرتش ": «لم يبق حورانية تقنياته القصصية على ما هي عليه، بل طوّرها نحو التنوع، فاستعمل الوثيقة، والبناء المقطعي، وحرص على الافتتاحية الصادقة، وعلى مستوى اللغة ازداد إبحاراً في كتابة حوار القصة بالعامية، وكتب نصوصاً عدّة ترتكز بصورة كبيرة على العامية».‏

ويقول سعيد حورانية عن نفسه في تقييمه لتجربته: «ربما كنت واحداً من أكثر القصاصين السوريين كتابة عن حيه وبيته، فقد كتبت مجموعتي الأولى (وفي الناس المسرة) عن علاقتي مع عائلتي بالذات.. عن ثورتي عليها.. وأول اهتدائي للأفكار المخالفة لأفكارها وصراعي معها، والصراع بين العاطفة العائلية في مجتمع متخلف. المجموعة الأولى تعكس بالضبط تلك الأجواء العائلية الاجتماعية التي اصطدمت بها، فصورت صراعي معها، صراع رجل مع مفاهيم لم نؤمن بها، وخروجه من عائلته، وكان هذا في ذلك الوقت شيئاً ثورياً».

صدرت الأعمال الكاملة للقاص سعيد حورانية عن وزارة الثقافة السورية عام 1995 وضمت مجموعاته القصصية المذكورة أعلاه إضافة إلى مسرحية "صياح الديكة"، وقصتيه "عند منعطف الجسر" و"الثلاثة"، والسيرة وأحاديث أخرى له، إضافة إلى مقالات لاحقة كتبها في صحيفة الثورة السورية.