في إطار احتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية /2008/، صدر حديثاً للفنان التشكيلي السوري "ممدوح قشلان" كتاباً توثيقياً يحمل عنوان "رسالة لونية من الشرق إلى الغرب"، ويقع في /173/ صفحة من القطع الكبير.

حملت صفحات الكتاب مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية العادية والملونة لأعماله في التصوير الزيتي منذ البدايات وحتى اليوم، بمختلف الموضوعات التي عبر عنها واختارها لتكون صورة متكاملة تمثل رؤيته وقراءاته لكل ما يتعلق بالفن التشكيلي خلال مسيرة تميّزه وإبداعه، إلى جانب مقتطفات انتقائية من آراء وانطباعات وشهادات صحفيين ونقاد وباحثي فن من كل الدول الأجنبية التي زارها وعرض فيها أعماله مثل: "بلغاريا، الدانمرك، إيطاليا، فنلندا، إسبانيا، ألمانيا" وغيرها، كما يحوي رأي باحثين يعتبران من أبرز كتاب النقد الفني في الوطن العربي وهما الباحث السوري "عفيف بهنسي" والتونسي "علي اللواتي"،

إن "قشلان" واحداً من الذين حققوا لأنفسهم منجزاً فنياً ذا شخصية واضحة الملامح، واكتسبوا بالتجربة الرائدة أسلوباً فنياً على قدر كبير من التفرد

وللفنان في بداية الدخول إلى هذا المؤلف المرجعي وجهة نظر خاصة ورأي بالفن التشكيلي عموماً من مختلف جوانبه: "الخزف، النحت، الحفر، مذاهب التصوير الزيتي"، ومقتطفات حواريّة قصيرة من أجوبة وتساؤلات حدثت معه خلال تجواله بين دول العالم.

الفنان ممدوح قشلان

وقال في أحدى آراءه: «إن أهم ما يتصف به الفن الجميل هو كونه ذاتي ونسبي في الإبداع والرؤية والتذوق، ولكل منّا رأيه ونظرته فيه، البعض يبحث عن المضمون وتلاؤمه مع الشكل، والآخر عن التقنية والثالث عن الأسلوب وسواه من الملامس والعلاقات الشاملة، ويبقى المهم وهو تلاؤم العمل الفني مع صاحبه، ومدى صدقه في التعبير عن نفسه واتجاه ما يحيط به من مؤثرات ثقافية وبيئية مادية ومعنوية، وكلما تعمق الفنان في الاطلاع والتجربة والثقافة ازدادت خبراته وانعكس ذلك على إنتاجه لدرجات متفاوتة..هذا ما سعيت إليه في عملي أن أكون صادقاً في مشاعري وأحاسيسي في كل ما أنتجه كي تكون اللوحة جزءاً متمماً لي وتعكس وجهة نظري ورؤيتي من خلال الشكل واللون، الذي يعبر بشكل مبشر عن وجود الإنسان في أي مكان وعلى أي مستوى».

شكلت الأعمال الفنية التي تناولها الكتاب في الجزء الأكبر منها بانوراما دمشقية ملونة بالزهو والصفاء، انتقيت موضوعاتها من أحياء "الشام القديمة" وأناسها بإرثهم وتراثهم، والجزء المتبقي توثيقي للتاريخ وبعض المآسي التي وقعت في العالم العربي، وتوجد بعض الأعمال التعبيرية تجلى فيها اهتمامه بعالم الأمومة والتوالد الإنساني.

والنهج التعبيري لدى "قشلان" كما يصفه النقاد يتمتع: «بالبساطة والوضوح والمسار الأسلوبي المحدد في تقنية اللون المميزة والماثلة إلى معرفة أكاديمية غربية واسعة الثقافات والمعارف، ونال حظوته ومكانته، فهو خليط مشرق من ذكريات تمتد جذورها عميقا في مخيلة إنسان شرقي، مارس عمله التشكيلي بتفان وحمل مسؤولية معرفته وآدابه الفنية بإخلاص، يجمعها ويخرجها بين الحين الآخر في مؤلفات تحمل مضموناً ثقافياً علمياً حول التشكيل وأساليبه والمحدثين فيه من أعلامه السوريين والعقبات التي اعترضت مصيرهم، مثال على ذلك دراسته عن الفنان الراحل "لؤي كيالي" ودراسة أخرى تحمل عنوان "نصف قرن من الإبداع التشكيلي"، فهي أعمال باتت في الواقع الثقافي وثائق مرجعية هامة تستند إليها الدراسات والبحوث في الفنون الجميلة المعاصرة».

الحركة البصرية الرشيقة

حول الكتاب قال الفنان التشكيلي السوري "نعيم شلش" لـ"eSyria" التي التقته في مقر اتحاد الفنانين التشكيليين السورين "بدمشق" في 4/8/2008: «الكلام عن الأستاذ والمربي والفنان التشكيلي الرائد "ممدوح قشلان" يطول ويطول والحديث عنه كنقابي أيضا يطول، فقد كان من المؤسسين لنقابة الفنون الجميلة في القطر العربي السوري ونقيبا ذو باع طويل في خدمة النقابة وخدمة الفنانين التشكيليين العرب». وأضاف: «ما أود قوله عن الزميل العزيز "ممدوح قشلان" هو الأهم، فقد لامس فنه قضايا الشعب والبسطاء فيه، وجسد هموم الحارات الشعبية، وموضوعاته عبرت عن قضايا الوطن والأمة بشكل عام، كل ذلك من خلال أسلوب فني خاص به نميزه عن باقي الفنانين، وأهم ما يمتاز به "الفن اللوني والحركة البصرية الرشيقة"، ومهما حاولت أن أوفيه حقه فلن أستطيع لأنه يستحق كل التقدير والمحبة مني ومن جميع من عايشوه عن قرب»

كتبت صحيفة "الحياة ـ لندن" عام 14/6/1991، كما جاء في الكتاب: «لوحات "ممدوح قشلان" انسجام من نوع آخر، يتجلى في تركيبه الشكلي الهندسي الذي يبدو جزءاً من حركة قوية باللون والضوء، ولكن هذه الحركة المنظمة لا تلغي العفوية التي جعلت الشكل يبدو وكأنه ولد بها».

وقال الباحث "علي اللواتي": «إن "قشلان" واحداً من الذين حققوا لأنفسهم منجزاً فنياً ذا شخصية واضحة الملامح، واكتسبوا بالتجربة الرائدة أسلوباً فنياً على قدر كبير من التفرد».

من الذاكرة

ولد "قشلان" في "دمشق" عام /1929/. بدأ مساهماته في النشاط الفني المحلي والعربي والدولي منذ /1951/. أقام أكثر من /80/ معرضاً فردياً في دول عربية وأجنبية. أعماله تشكل جزءاً من مقتنيات مجموعة كبيرة من المتاحف العالمية. ألف مجموعة من كتب الفن والتربية الفنية. أستاذ شرف في أكاديمية "نورما" للفنون الجميلة في "ايطاليا". مؤسس الاتحاد العام للفنانين التشكيليين العرب. مؤسس ومدير صالة "إيبلا" للفنون الجميلة "بدمشق" منذ عام /1980/.