الرواية فن المدينة، هذا ما يقوله جبرا إبراهيم جبرا، وإذا كانت المدينة العربية قد حققت في العقود الأخيرة تطوراً على مستويات متعددة فإن الرواية العربية في موازاة ذلك التطور حققت إنجازات نوعية متميزة شكلاً ومضموناً حتى أضحت أكثر التصاقاً بالحياة اليومية،

وبالقضايا المصيرية التي تخص الإنسان العربي، وأكثر احتواءً لقضاياه مما جعل من فضائها فناً أدبياً مهيمناً على المرسل والمتلقي في آن معاً.

يوسف الابطح أحد كتاب الرواية العربية في القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين، هذا ما أكده المشاركون في الندوة الثقافية التي أقيمت في المركز الثقافي بكفرسوسة، وحملت عنوان دمشق في روايات يوسف الابطح، تناول خلالها المشاركون الجوانب الجمالية والتوثيقية والسردية والحكائية والفكرية والثقافية التي حملتها رواياته الخمس، و جميعها تنضوي بامتياز تحت مسمى الرواية التاريخية الاجتماعية فهي تؤرخ لمراحل تاريخية حدثت فيها أحداث عاشها هو في كثير من الأحيان، وأحداث لم يعشها ولم يعايشها في بعض الأحيان.

موقع eSyria التقى الأساتذة المشاركين في الندوة وسألهم عن رؤيتهم للرواية عند يوسف الابطح وتأثير دمشق فيها .

الدكتور حسين محمد حمادة قال: يوسف الابطح شخصية مركبة، ابتدأ من المسرح والإذاعة ومن معهد الفنون الجميلة، له خبرة على مسارح القطر لأكثر من أربعين عاماً، انتقل لكتابة الرواية وأنجز العديد منها: الكباد حكاية حب دمشقية، ديب الأبرش، المأزوم، عقارب الوحل، قبلتي يا شام بجزأيها ، الواقعة والتحدي، وأضاف صلة يوسف الابطح ببلاد الشام صلة عضوية، اهتم بعمرانها، بآدابها، واجتماعياتها، اهتم بنا سها والعلاقات المتحولة التي طرأت على مدن بلاد الشام وخاصة دمشق، الشام عند يوسف الابطح ليست دمشق، الشام عنده تبدأ من زاغروس وأعالي جبالها وحتى العريش ومنبسط سهولها في رواق الشوام، يوسف الابطح له رسالة غائية وله وظيفة مُستهدفة، يريد مما يكتب أن يضع يده على عذابات الناس وعلى آلامهم داخل الأسرة وداخل المجتمع وداخل الدولة، يوسف الابطح له حس جمالي باقٍ يتتبعه بالحوار من خلال أفكار محدودة ويتتبعه بالمفردات الجميلة التي تنم عن ثقافة وعن روح وثابة يهتم بمضامينها وصولاً إلى الارتقاء بالحياة والإنسان الذي يعيش على أرضها.

أما الدكتور ماجد أبو ماضي الذي تناول الجانب السردي والحكائي للروائي فقال :

تناولت جانب الحكائية والسردية في أعمال يوسف الابطح الروائية، ومجمل الروايات وموضوعاتها والحقب الزمنية التي تناولتها هذه الروايات، لقد استطاع الابطح من خلال موضوعات راوياته والحقب الزمنية التي تحدت عنها رواياته أن يتناول مدينة دمشق ضمن السور وخارج السور بالوصف الدقيق والتفصيلي، ووصف الجزئيات لمدينة الياسمين وتمكن من خلال هذه الروايات أن ينقل الأحداث السياسية والتجاذبات السياسية والعسكرية التي حصلت في مدينة دمشق في القرن الماضي والقرن الذي سبق، وصور البيئة الدمشقية والحياة الاجتماعية وحارات دمشق وأزقتها وياسمينها تصويرا واقعيا، وله عنوان خاص عن الكباد في دمشق ونعرف جميعا أن الكباد لا يخلو من أي بيت دمشقي وهو موجود في كل البيوتات الدمشقية طبعاً.

ويضيف الدكتور ابو ماضي، لقد تمكن أديبنا أن يجعل القارئ لهذه الروايات أن يحيا ويعيش في دمشق، ولو أنه لم يقطن فيها على الإطلاق، لأننا عشنا في هذه الروايات، في دمشق،و في جو القرن التاسع عشر والعشرين، وعرفنا كيف كانت العادات والتقاليد وكثير منها لم يعد له وجود في الوقت الراهن لأن الأمور الاجتماعية والتقاليد تبدلت، ليس هذا فحسب بل صور دمشق من خلال بيئاتها، فبيئة الشاغور تختلف عن الصالحية،واستطاع من خلال هذه الروايات أن يصور كل هذه البيئات، وأن يجسد الأسماء التي كانت موجودة في تلك الفترة، وغير موجودة مثل التتن /الدخان/ ، الشك /عملة قديمة/، الجندرمة، الحوش، السرايا وذكرنا بالماضي العريق واستطاع أن يبني رواياته بناءً روائياً جميلاً ممتعاً شائقاً ولو أنه كان يطيل في الحوادث والسرد لأنه تاريخ وآثار وتربية وعلم نفس.

الدكتورة فاديا مليح توقفت في مداخلتها عند التكوين الاجتماعي والثقافي، أو بالأحرى الفكري لأديبنا الابطح، فهو برأيها من جيل البحث عن طريق الخلاص والثورة على الواقع المعاش ببعديه العام والخاص، هذا الجيل الذي وجد في الأفكار المطروحة قبولاً فاعتنقها ببراءة هي أقرب إلى براءة الطفولة ، وتعلق بها وآمن وأخلص لها، دون أن ينتبه إلى الأبعاد والأهداف المبطنة وراء من طرح وأشاع هذه الأفكار في مجتمعاتنا متجاهلاً قيمها الأصيلة، وتراثها الإيجابي مستغلاً الشوائب والأساطير والأوهام، إضافة إلى الفقر والظلم الذي خيم على المجتمع، وأضافت أن توجهه إلى كتابة الرواية بهذه الغزارة في الإنتاج ما هو إلا تعبير ورغبة للخلاص، وتفريغ للهموم، وتحقيق لما يمكن تحقيقه من أبناء الجيل المخضرم حيث تبقى الكتابة بعد التفكير العميق، والقراءة الواسعة هي الطريق الممكن، ولا سيما في حال توفر الموهبة، وإمكانات الإبداع كما هي حال أديبنا الابطح.

لقد استطاع الابطح، تقول الدكتورة فاديا مليح أن يفرغ في رواياته همومه وتطلعاته وإبداعاته، فأجاد وصوّر وتخيّل فعاش فيها وأرخى بظلال هذه الخيالات على قرائه.

يوسف الابطح في سطور:

من مواليد فلسطين عام 1941، له خمس روايات هي: قصة حب دمشقية تناولت الفترة التاريخية والاجتماعية بين عامي 1941 و2000.

رواية ديب الأبرش تناولت الفترة من عام 1940 حتى عام 1963.

رواية مأزوم تناولت الفترة ما بين الحرب العالمية الثانية 1944 حتى عام 1990م.

رواية عقارب الوحل تناولت الفترة 1954- 1975.

رواية قبلتي يا شام من جزأين: الجزء الأول حمل عنوان الواقعة تناولت الفترة مابين 8 تموز 1860 حتى تشرين الثاني من العام نفسه.

رواية التحدي ( الجزء الثاني من قبلتي يا شام تناولت الفترة مابين 1860 حتى 1875.