بالتعاون مع جمعية أصدقاء دمشق، ألقى الشاعر عصام الحلبي محاضرةً في ذكرى ميلاد نزار قباني، بالمركز الثقافي العربي- أبو رمانه، المحاضرة كانت أقرب إلى الأمسية الشعرية وليس ذلك ما يميزها فقط، بل اجتمعت فيها كل الميزات لتجعل منها أمسية ناجحة...الإعداد الجيد، وأسلوب الإلقاء، و الحضور الكثيف من مختلف الشرائح العمرية ، والشخصيات الاجتماعية والثقافية المرموقة... احتفالاً بشاعر دمشق والمرأة،والحب والعروبة ... نزار قباني.

استمتع الجمهور لما يزيد على الساعة و النصف بكل كلمةٍ نطقها ( المحاضر- الشاعر )، وصفقوا طويلاً لبراعته في التقاط أهم ملامح مسيرة نزار وشعره...

(الأمسية- المحاضرة) كانت قصيدة حبٍ طويلة نظمها الأستاذ عصام الحلبي لمناسبة مرور خمسةٍ و ثمانين عاماً على ميلاد نزار قباني، وعشرةٍ أعوامٍ على وفاته.

مقتطفات من المحاضرة....حياة نزار

إنه نزار قباني ، مالئ الدنيا وشاغل الناس... الشاعر الذي داعب أحلام العذارى، والحالمين منذ نيفٍ و نصف قرن، فرسم في عيونهم و قلوبهم قصص حبٍ لا تنسى... عاشوا معها في اليقظة والحلم على السواء.

ولد نزار قباني في الحادي و العشرين من شهر آذار عام 1923 م ...أبوه: توفيق قباني، وأمه السيدة: فائزة آقبيق حفيدة أبي خليل القباني.

بدأ حياته الدراسية في الكلية العلمية الوطنية ، وأحرز شهادة البكالوريا(القسم الأدبي).... أستاذه الذي علمه اللغة العربية و آدابها: الشاعر الكبير خليل مردم( مؤلف النشيد العربي السوري )... انتقل إلى مدرسة التجهيز ليحصل على شهادة البكالوريا الثانية( قسم الفلسفة)، وفي عام 1945م تخرج من الجامعة السورية( ليسانس حقوق)... وفي شهر آب من نفس العام انضم للسلك الدبلوماسي السوري، حيث عين ملحقاً بالسفارة السورية في القاهرة...

شاعر المرأة والعروبة

وتقلب في العمل الدبلوماسي بين مصر وانكلترا والصين واسبانيا... حتى عام 1966م حيث أنهى عمله الوظيفي.

توفي نزار في مدينة لندن في الثلاثين من نيسان عام 1998م ،ودفن في مقبرة الباب الصغير بدمشق.

سئل نزار عن الاختصاص الذي تابعه في الجامعة السورية بعد أن أنهى دراسته الثانوية فقال:(درست الحقوق، وتخرجت محامياً ،ولكنني لم أدافع كمحامي إلا عن المرأة و الحرية...).

عشرة أعوامٍ مضت على رحيل نزار قباني كأنها البارحة، مات نزار ولا يزال شعره و أدبه يعيش في وجداننا

ومشاعرنا، ولا تزال أغلب قصائده وأبيات شعره على ألسنتنا نتداولها، ونستشهد بها في أحاديثنا، وليالي سمرنا وقد عالج فيها المواقف الوطنية، والإنسانية البحتة.

نزار قباني و الشعر العربي

قد يتساءل المرء أحياناً!! ما هو موقف نزار من الشعر العربي، وما هو موقف الشعر العربي من نزار!! وهل أحسن نزار صنعاً عندما قام بثورته- كما يقول- على الوثنية الشعرية!!... هنا مفارقة كبيرة لا يستطيع الدارس لشعر نزار أن يغض بصره عنها، أو أن يهمل دلالتها الفنية البالغة... نزار-في الأغلب الأعم- أشعر ما يكون، وابلغه،وأروعه إذا قال الشعر الموزون المقفى... ولا يعني هذا بحالٍ من الأحوال نفي صفة الشعرية عن أشكال التعبير الأخرى التي جاء بها نزار ....والمقام هنا مقام التفاوت في درجات الفن الواحد عبر أشكاله المختلفة، لا في الفن نفسه حين يضيء في وجدانيات أصحابه خافتاً كشعاع أو غامراً مستفيضاً كشموس.

يقول نزار في قصيدته الرسم بالكلمات: وكتبت شعراً لا يشابه سحره إلا كلام الله في التوراة.

نزار وأبو خليل القباني:

أنجبت أسرة عريقة في دمشق اثنين من الكتاب: أحدهما كان مسرحياً والآخر شاعراً،ورغم أن عدة أجيال فصلت بينهما، إلا أنهما تعرضا لغضبٍ السلطات الدينية،ولكنهما تابعا ما قاما به، وربحا معركتهما في نهاية الأمر.ولو أن الحفيد قد ربح أكثر من الجد لاختلاف الزمن، والتطور الفكري العام.

كان أحمد أبو خليل القباني أبرز المبدعين في عصره، فهو الذي أسس أول مسرح غنائي في العالم العربي عام 1878م، ويعتبر بحق رائد الدراما العربية... وقد أدى نشاطه الرائد هذا إلى تعاطف حماسي معه في صفوف الشباب بدمشق التي كانت حينذاك مدينة على غايةٍ من التزمت والمحافظة... وحرصاً على مكارم الأخلاق حرضّ رجال الدين صبية الأزقة على شتمه... وانتهى بهم الأمر إلى إشعال النار في مسرحه... فرّ إلى القاهرة التي كان يأمل أن يكون جوها أكثر تحرراً، وهناك أشاد مسرحه مرة أخرى، وحقق أول الأمر نجاحاً باهراً غير أن رجال الدين تكاتفوا ضده، وأشعلوا النار في مسرحه مرة أخرى... عاد أبو خليل القباني إلى دمشق مريضاً مدحوراً، ولم يلبث أن مات بالحمى عام 1902م... عندما كانت والدة نزار قباني طفلة، عاصرت نهاية جدها الذليلة، ولما كبرت شهدت كيف أعيد الاعتبار إليه وإلى سمعته، ولهذا كان بمقدورها أن تعالج نزاعاً آخر بين الفن، والدين انخرط فيه هذه المرة ابنها نزار... في عام 1940 عندما كان ابنها نزار في السابعة عشرة من عمره جاءها ذات يوم و طلب منها ثلاثمائة ليرة ،وكانت تشكل حين ذلك مبلغاً طائلاً. وحين أدهشها طلبه سألته لماذا يريد مثل هذه الثروة الصغيرة... اعترف لها بأنه كتب سراً ديواناً شعرياً وبأنه يرغب في نشره... فما كان منها إلا أن نزعت من معصمها إسوارة ذهبيةً ثمينة، ودفعتها إليه... و لم يلبث ديوان نزار( قالت لي السمراء) أن ظهر في مكتبات المدينة... وقصائده كانت أولى أشعار الحب المكشوفة في الأدب العربي الحديث... مضى يوم أو يومان... و بينما كان توفيق القباني عائداً إلى بيته في المساء استوقفه نفرٌ من رجال الدين الغاضبين... وصاح به أحدهم(أفلا تخجل يا أخانا من السماح بخروج هذه القاذورات من بيتك؟؟)... فما كان منه إلا أن سحب حزامه واندفع غاضباً نحو البيت... وكان أن تناهى إلى والدة نزار نباً هذه المواجهة التي حدثت مع رجال الدين قبل وصول زوجها فعمدت إلى تهريب نزار إلى منزل شقيقتها ليبيت عندها حتى الصباح... بعد أن استوضح الأب الموقف و قرأ الديوان ... ارتدى أفخر ثيابه و قصد المسجد ليقول لأولئك المشايخ ألا يتدخلوا في شؤونه... فهو يرى أن أشعار أبنه لا تسيء إلى الله في شيء... إن نزار ربما يعتبر اليوم من أكثر شعراء العرب شعبية، ولكن شعره محظور في العديد من أقطار الوطن العربي...

اختتمت المحاضرة بقصة الشاعر مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر و رثائه له...

أصداء المحاضرة

من بين الحضور عزة بشير فنانة تشكيلية عراقية لم تهدأ طيلة الأمسية، وهي تحاول التقاط كافة التفاصيل عبر آلة تسجيلٍ وضعتها أمام المحاضر، بالإضافة إلى ما استطاعت تصويره بواسطة كاميرا هاتفها الخلوي، وبين هذا وذاك كانت تصفق لكل بيت شعرٍ نطقه الأستاذ الحلبي عل لسان نزار... (أنا عاشقة لنزار قباني منذ طفولتي... نزار وبلقيس أسطورة حب بين دمشق وبغداد اغتيلت في بيروت، وكأن مقتلها كان مقصوداً لإسكات شاعرٍ لم يعرف السكوت عن الخطأ يوماً).

عصام الحلبي لموقع edamascus:

بعد انقطاع سنتين ونصف عن إلقاء المحاضرات... ألقيت هذه المحاضرة عن نزار قباني لأنني أحبه كثيراً و لم تكن هذه محاضرتي الأولى عنه، و لن تكون الأخيرة... إنه شاعر صادق في وطنيته، محب لعروبته، ومازالت الناس تحبه لدرجة أن محاضرة عنه تستأثر باهتمامهم ، وتدفعهم للحضور بصرف النظر انشغالاتهم ... يمكنكم ملاحظة ذلك في عدد الحضور و شدة إصغائهم، وحميمية تفاعلهم مع كل كلمةٍ تتحدث عنه... الساحة الشعرية فارغة بعد نزار ... مسلسل نزار قباني لم يقنعني ... امتنعت عن متابعته لأن فيه الكثير من الأخطاء على الصعيد الفني والقصصي... على سبيل المثال: نزار لم يحب خادمته، ولم يكن شرهاً في التدخين... المسلسل لم يكن موفقاً أبداً،وكان من المهم التروي قبل تقديمه...

عصام الحلبي : رجل أعمال ينشط في مجال السياحة... هوايته البحث في اللغة العربية، وآدابها خاصة الشعر... هو راوية الشاعر السوري الراحل عمر أبو ريشة... ديوانه الأول (أحاديث السمر ) يطبع حالياً في بيروت،وله ثلاثة كتبٍ أيضاً قيد الطباعة: عمر أبو ريشة كما عرفته، المرأة بين عباس محمود العقاد ونزار قباني، المتنبي بين سيف الدولة و كافور الإخشيدي...