قصائده الملأى بالكرامة والعز والحب والأحلام، فاحت أريجاً في حدائق دمشق ، فارس من فرسان اللغة المحكية، هو ابن البادية (تدمر) الذي شق طريقه باتجاهات شتى، إنه عمر الفرا، ومن لا يعرفه وهو الذي رفع راية إلى راية المقاومة البطلة وسيدها الفارس، وثار مع أطفال الحجارة، وحيّا العلم العربي في سماء

 مصر مع جول جمّال، وشد على يد عبد الناصر في التأميم والتحرير، ونصب الراية تلو الراية لثوار الثورة السورية الكبرى من الساحل إلى البادية فالجبل الأشم، وقائدها سلطان باشا الأطرش، وناجى عرار شاعر الأردن، وشيخ المعرة، وأنبت في الصحراء واحات اخضرار.وأمسيته تنوعت أغانيها بين العامية والفصحى، وبين الوصف والحب والثورة ونقد الواقع، فمن الياسمينة الشامخة التي لم تنحن ولم تتلون إلى المعجزة التي تحققت مروراً بالمقاومة وما قدمت من شموخ وعزة وكرامة، أما جول جمال فكان لدى الجمهور- الذي يحفظ أغلبه القصيدة- تفاعل آخر ولا أحلى تميز بالتصفيق الحاد حتى الوقوف.

والفرا سيد منبر، فهو من القلائل الذين يحفظون شعرهم ويلقونه بطريقة متفرّدة، ومع أنه لم يقدم جديداً من شعره إلا أنه استطاع استقطاب الجمهور وإثارة حماسته وتفاعله عبر قصائده المتميزة وإلقائه الجاذب، ففي قصيدته محاورة عرار (عندما زار قبره) بثه مواجعه وآلامه: آلام أمته وفرقتها وحالها التي لا تسرّ عدواً ولا صديق:

"الحزن يسكن منابعنا الألم سلسل مضاجعنا

وطنا مسرح وإحنا نمثل من مواجعنا

تآمر مذبحة وعتمة وبعدها نعض أصابعنا

الحمد لله الشرق والغرب عكل مشهد يشجعنا

شهم يا عرار يا ولد امي شهم يا عرار

تعال نصارع التيار تعال نحطم الإعصار

ملينا الصبر واحنا بحياة المسكنة والعار

ملينا الصبر واحنا بقلبنا ندق ألف مسمار..."

وإذا انتقل إلى جول جمّال و"الحارس واقف عالمرفا وعيونو حلفت ما تغفا" صفق الجمهور الذي يحفظ القصيدة وارتفعت وتيرة التصفيق بعد مقطع "ولمّن تعبت مصر الحرة من حرب التنين الغادر دزّينا فارس مغوار... فارس مثل الليل العابس.. فارس مثل الفل الناعس.. فارس مثل الصخر اليابس.. نزل الساحة وقف وحيا العلم العربي وقدم إسمه طالب ضابط بالبحرية عربي سوري الإسم الكامل جول جمال..."، ولم يكد يهدأ التصفيق حتى عاد مع "ثور... ثور.." إلى أطفال الحجارة وثورة الشرف العربي الفلسطيني "يا مستعمر أرض بلادي كل شي تغير.. كل شي تحوّل.. لا تحلم برجوع الماضي غير الثورة لا تتأمل.. أرض بلادي ملك ولادي...".

أما انتصار المقاومة البطلة في الجنوب اللبناني فكان له الصاع الوافي من كيل الفرا الذي ابتدأ بالجنوب وأهله "جنوبيّ الهوى قلبي وما أحلاه أن يغدو هوى قلبي جنوبيّا... إننا نمشي على أرض مقدّسةٍ فلو أسطيع أمشيها على قلبي... جنوبيون يعرفهم سناء البرق، غيث المزن... نجوم الليل تعرفهم، وشمس الصبح تعرفهم.. جنوبيون كان الله يعرفهم، وكان الله قائدهم ويعرفهم.. لذا كانوا رجال الفتح في لبنان..."، ولم ينس سماحة السيد حسن نصر الله "كنا نعاني القهر حتى جئتنا رب البرية دون وعد أرسلك...". ويدخل معجزة الانتصار التي تحققت بالوعد الصادق.

الفارس غنى فأمتع، وشدا فأطرب، ولون في أمسية الأحد 3/2/2008 ليل دمشق عاصمة الثقافة العربية بألوان حقيقية، ثقافة الثورة الدائمة، ثقافة المقاومة الصامدة، ثقافة الحب والتسامح والياسمين، ثقافة الحضارات المتتابعة على مر العصور ومنذ أن نهض التاريخ من سباته.