في قاعة مستطيلة تذكرك عند دخولها بالصالونات الأدبية التي تذوقت الشعر ونهلت منه، ألقى الدكتور و الناقد عادل فريجات محاضرة في المركز الثقافي بالمزة بعنوان شاعرية نزار قباني وتحولاتها.

أوضح خلال محاضرته أن نزار كان موضع خلاف بين النقاد فكان منهم من يجامله وآخر من ينقده نقدا جاداً همه إرضاء الضمير الأدبي والعمل ضمن مفاهيم النقد المستقرة والمعروفة.

وبين فريجات أن الهدف من دراسته معرفة وجوه السلب والإيجاب في ذلك النقد ومواطن الإجادة والإخفاق دون مجاملة أو تحامل مع الاحتفاظ بحق الإعلان عن الرأي الشخصي والإعراب عن التقدير الذاتي لشعر نزار.

مستعرضاً بدايةً النقاد الذين رفعوا نزار لدرجة سامقة ومن بينهم الناقدة (سلمى الخضراء الجيوسي) التي اعتبرت شعره قادراً على تكريس القلب الإنساني في الحب في هذا العالم، والناقد منير العجلاني الذي كان قد بشر بولادة شاعر جديد في عالمنا ومن كلامه استمد نزار إصراره على التفرد والتميز.

وقال فريجات" لقد كانا على صواب فالحب كان العلاقة الإنسانية التي نبش فيها نزار واخترق أسوارها، وهي نغمة لم يألفها العرب في تاريخهم الأدبي المعاصر، و تكثر الشواهد على أنه شاعر الحب المطلق، حيث تكررت كلمة حب في شعره (660) مرة وكلمة أحب

الدكتور عادل فريجات

(474)مرة وحبيبة (178)مرة وحبيب 48مرة ومجموع الكلمات المنتمية إلى جذر حبب يساوي1360 مرة.

وتابع فريجات هناك من أطلقوا أحكاما سلبية على ما كتبه ومنهم صلاح فضل الذي وصف أشعار نزار على أنها تقوم على التعرية التعبيرية التي تحرم الشعر دهائه في الرمز والكتابة.

ولم يكن صلاح الأخير الذي تكلم فلقد ذم نزار الكثيرون وأولهما الشيخ الطنطاوي الذي حمل لواء الهجوم على نزار ووصف شعره بالفاسق والبغي المتمرس ووصف نزار بأنه ليس الأديب الواسع الخيال بل مدلل غني وهو طالب مدرسة ويقرأ شعره طلاب المدارس وفي كتابه التجديد في بحور العروض حيث يختلط البسيط بالبحر الأبيض المتوسط، وتجديد في قواعد النحو لأن الناس قد ملوا رفع الفاعل ونصب المفعول ومضى عليهم ثلاثة آلاف سنة.

وذكر فريجات ناقد آخر نقد شعر نزار وهو الناقد نزار بريك الذي قال رأيت في نزار الطفل المدلل الذي يحبه الجميع ويحب الجميع وانفعالاته انفعالات طفل لا يرضخ للقوانين والنواميس المقررة سلفا فإذا ألمت بنا مصيبة بكى كالأطفال وعند النصر يتغنى بأمجاد أمته.

وتطرق فريجات للمرحلة التي جفت فيها لغة نزار الشعرية حيث كان حينها في السبعين حيث فرت من يديه عصافير الإبداع أو قصت أجنحتها وجاء باردا وأيد قوله بعبارة لنزار تقول:

انتهى العصر النزاري الذي أسسته

وانتهت كل حروبي وفتوحات غرامي

لم أعد أملك سيفا واحداً

أو حصاناً واحداً

أو سواراً ذهبياً واحداً تحت الخيام

فاستريحي من عذاباتك سيدتي

ليس عندي جبهة واحدة أفتحها بعد أن أصبحت من حزب السلام

وختم فريجات محاضرته بجانب آخر من جوانب شعر نزار وهو الشعر السياسي،حيث كان نزار من خلاله المقاتل الباسل الذي حمل راية الوطن ولكنه ضل سواحل هذا الشعر لأنه لم يكن مزودا ببوصلة مرشدة تقيه من الغرق ، مستعرضا جوانب النقد التي قيلت بهذا الشعر والتي صوبته حينا وذمته آخر وفهمته بالمعنى الخاطئ في أغلب الأحيان واتفقت معه أياما.

و في سؤال لموقع eSyria من كان على صواب أكثر (العجلاني ونزار بريك الهندي أم الناقدين الآخرين شكري عياد وشاكر مصطفى ؟ وهل كان أسلوب نزار مصدقا لهذين الناقدين الأولين أم الثانيين

قال: إن جوابي ليس الإيجاب أو السلب ولكن لكل شاعر روابيه و وهاده وله بهوته وما يصدق على مرحلة لا يصدق على أخرى ويصح رأي النقاد في فترة ويخيب في الثانية.

وعن رأيه بالمحاضرة قال الشاعر محمود حمود كانت دراسة موضوعية عن نزار أنصفه فيها وان لم تكن شامله للنواحي جميعها.

وفي سؤالنا عن عدم سطوع نجم شعراء في زماننا أجاب: لكثرة الشعراء، ولكن لكل شاعر بصمته وأسلوبه ومن يسطع نجمه ليس بالضرورة أن يكون موهوبا بالمطلق وهناك شعراء مغمورون ولكنهم موهوبون.

أما الدكتور محمد علي الأيوبي (دكتور في القانون الدولي العام) بين أن المحاضرة كانت رائعة شاملة في الحيثات التي عرضتها فأظهرت ما غيبته الغيوم، وناقشت ما سلط عليه الضوء بموضوعيه.

و أضاف لشعر نزار شعبيته التي لا يستطيع أحد إنكارها و وأوافق أنه فقد روعته في أواخر حياة نزار.