في الوقت الذي يستسلم فيه العصر للتكنولوجيا الرقمية، لا تزال بعض مكتبات دمشق ومطابعها تصر على أن رائحة الورق ستبقى تفوح رغم كل الصعوبات والمتغيرات، وأن الإقبال على الكتب المطبوعة، وإن تراجع لأسباب كثيرة، فهو مستمر.

مقال مهم:

الملخص: في الوقت الذي يستسلم فيه العصر للتكنولوجيا الرقمية، لا تزال بعض مكتبات دمشق ومطابعها تصر على أن رائحة الورق ستبقى تفوح رغم كل الصعوبات والمتغيرات، وأن الإقبال على الكتب المطبوعة، وإن تراجع لأسباب كثيرة، فهو مستمر.

"محمد حسين النوري" كان أنموذجاً واقعياً برع في تأسيس مؤسسته الثقافية عام 1932 بفضل رجاحة تفكيره وتخطيطه السليم وشجاعته الأدبية كما يقول "عمار النوري" في حديثه لمدونة وطن. ويتابع بأن المكتبة تعدّ من أقدم المكتبات في "دمشق" وفي الدول العربية المجاورة، والتي ضمت آلافاً من كتب التراث العربي وآخر الإصدارات الحديثة القادمة من دور النشر العربية، من دون أن ينحاز والده المؤسس إلى مدرسة فكرية معينة.

روزنامة مطبعة الهاشمية

تحدى الحاج الراحل "محمد" أصعب الظروف، واستحق الثناء من قبل عارفي فضله ومكانته في عالم الكتاب والنشر والثقافة الواعية التي ساعدت في نهضة مكتبته في بداياتها البسيطة والمتواضعة في منطقة "المرجة" بدمشق عندما كان متعهداً لبيع الصحف والمجلات السورية والعربية، ومن ثم انتقاله إلى مكتبة "السنجقدار" التي اهتم أصحابها بأدب الأطفال من خلال مجلتي "سمير، والسندباد"، وأخيراً كانت محطته الثالثة في حياته الثقافية الشائقة هي افتتاح مكتبته الأنموذجية "النوري" عام 1967 مقابل البريد المركزي في "دمشق".

وبحسب تعبير "عمار النوري" فإن المكتبة متعددة الأقسام، ضمت شتى ألوان المعرفة وكنوز الفكر الإنساني عبر العصور، وتحتوي على موسوعات علمية وثقافية قديمة وحديثة الإصدار وفيها كتب تعليمية قيّمة ومنوعة، بالإضافة إلى مجموعات من القصص والروايات الأدبية المحلية والعربية. وأخذت المكتبة تتسع بشكل تدريجي حتى وصل عدد عناوين الكتب فيها حالياً إلى أكثر من 50 ألف عنوان.

بقي والد "عمار" حاملاً رسائل في الثقافة والنور حتى آخر يوم في حياته، هادفاً التواصل مع الناس وتقديم النصح والإرشاد خدمةً للكتاب والقراء من مختلف الفئات الاجتماعية في كل مكان.

"إياد الكتبي"، وهو مدير في مطبعة الهاشمية، تحدث عن أهمية الطباعة في العقود الماضية وضروراتها الحالية، لاسيما أن المطبعة والمكتبة نشأت على يد "هاشم الكتبي" عام 1896 وكان العمل حينها مقتصراً على طباعة الكتب وتسويقها بين "سورية، فلسطين، العراق، مصر"، حتى أن اسم العائلة مشتق من المهنة وهي تجارة الكتب. أسس هذه المهنة الأجداد وتوارثها الأبناء والأحفاد. مرت الشركة، حسب قوله، في مراحل صعبة أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وذلك نتيجة للأوضاع والقوانين الاقتصادية حينها، لكن مع بداية التسعينيات حصل انفتاح اقتصادي في "سورية" وتأسست شركة "الهاشمية" على يد "أحمد ومحمد هاشم الكتبي" وشركائهما بنجاح، متخصصة بطباعة التقاويم السنوية والمصاحف الشريفة وتصنيع الدفاتر المدرسية والجامعية والتجليد الفني لكل أنواع الكتب والمطبوعات الفنية والتجارية، بالإضافة إلى تجارة مختلف أنواع الورق والكرتون والقرطاسية المدرسية والمكتبية.

ويضيف "إياد" أن النشاط تراجع مع بدء الحرب على "سورية" لأسباب خارجة عن الإرادة، لكن الطموح بقي مستمراً في تطوير وتحسين العمل في المحافظة على الإرث القديم كالروزنامة السنوية وهي إحدى منتجات الهاشمية التي كانت ومازالت تراثاً وتذكاراً لكل أهالي الوطن أينما كانوا.

"أحمد الطبل" مؤسس نادي "شام" الثقافي ومكتبة نادي شام التبادلية، عبّر عن رأيه حول المكتبات الدمشقية وخصوصيتها السابقة موضحاً أنه كانت هنالك مكتبات خاصة قديمة في منطقة "الحلبوني"، وهي بحد ذاتها كنز من كنوز "دمشق". ويشير "أحمد" إلى أن معلمي هذا الكار هم بالفعل موسوعات وفهارس متنقلة، لدرجة أنهم قادرون على إعطاء ملخص سريع عن أي كتاب أو مقدمة عن دار النشر الصادرة عنه. في الوقت الحالي لم يبق إلا القلائل ضمن هذه المكتبات، واستمرارهم بالعمل في حد ذاته إنجاز عظيم وهام.

أما بالنسبة إلى المكتبات التراثية، فقد كانت تفتح أبوابها للمختصين والهواة من الباحثين عن الكنوز القديمة، وكانت تقدم مجموعة فريدة من المطبوعات والعناوين ومساحة جميلة للقراء بهدف التصفح والتثقيف، ويعمل جزء كبير منهم الآن على اختصار الكتب إلى أقل حد ممكن خوفاً عليها من الضياع أو التلف.

ويضيف أنه يمكن اعتبار مكتبة "الأسد" الوطنية هي المكتبة التي ما زالت أنواع الكتب كلها متاحة فيها، لأن العناوين ضمنها بقيت في ازدياد، حتى أصبحت هي المرجع الوحيد لأي باحث أو دارس، سواء كان يقطن ضمن "دمشق" أو خارجها.