اجتهدت "خوزاما الأحمد" من أجل تحقيق التّطبيق العملي لما تقوم بدراسته على أرض واقع عملها مع الأطفال، فكان لها النجاح في مسعاها هذا، معززة خطواتها بالدراسة وحب التطوع.

على أرض قرى "الأطفال SOS" التقت مدونة وطن "eSyria" يوم 26 آذار 2018، المرشدة النّفسيّة "خوزاما الأحمد" لتحدثنا عن أسلوب الحياة الذي اختارته لنفسها، وتقول: «بعد أن أتممت دراستي الثّانوية، التحقت بجامعة دمشق، كلية التّربية، اختصاص إرشاد نفسي، وخلال سنوات الدّراسة كانت لي نشاطات تطوع وجدت فيها من دون سابق تخطيط، حيث بدأت من خلال اللقاء مع مجموعة من جماعات الدّعم، وتبلورت الفكرة ليكون لي العمل مع "جمعيّة تنظيم الأسرة" في "السّويداء"، فشاركت في تنظيم عدد من جلسات التّوعية والأبحاث المتعددة، مثل: "دور الرّجل في الصحة الإنجابيّة"، و"تنظيم النّسل"، و"الثقافة الجنسيّة عند المراهقين"، وكانت لمصلحة جهات مختلفة. وبعد التّخرج حصلت على دبلوم التّأهيل التربوي، لأتبعه بماجستير مهني في "الجامعة اللبنانية" عن طريق بعثة بتمويل من المنظمة الدّوليّة للهجرة "IOM"، وتحت عنوان: "دعم نفسي واجتماعي وحوار وإدارة أزمات"، وهو خاص بالوضع الراهن، فأعطاني الخبرة الكبيرة للتعامل مع أفراد هذه المرحلة التي تعيشها "سورية". وترافقت دراستي بالعمل، وتنقلت بين عدة جهات بدءاً بدار "الرّعاية الاجتماعية"، و"البطركية"، ثم جمعية "البراعم لرعاية الطّفولة" في "السّويداء"».

أحبّت التّحصيل العلمي، وسعت إليه دائماً لتخدّم به الهدف الأساسي لديها؛ وهو خدمة الناس وخيرهم، وكانت تتصدى لكل ظرف في طريقها، وهذا ما كان في دراستها للغة الإنكليزية اللازمة لبحثها، حيث تعذر عليها بحكم عملها اليومي والمستمر لمدة تتجاوز اثنتي عشرة ساعة الالتحاق بصفوف اللغة، فما كان منها إلا أن اعتمدت على جلسات درس اتفقنا عليها، وأعددنا لها، ولم تدخر جهداً لتسقط مواضيع درسها على واقع عملها مع الأطفال، وهذا إن دل على شيء، فهو يثبت حقيقة أنها إنسانة مجتهدة جداً ومثابرة

وتتابع "خوزاما" حديثها: «دخلت حلقة البحث عن العمل الثابت لتكون فرصتي بعد الجهد للحصول على عمل كاختصاصيّة نفسيّة في "قرى أطفال SOS"، وهنا بدأت العمل ليكون التّحدي الأكبر والمغامرة، فأنا القادمة من المجتمع الخارجي على هذه البيئة المغلقة المختلفة، التي تتطلب التعامل مع طفل فاقد للرعاية، مجروح، مقهور، والمضمون النفسي لديه مختلف عن أقرانه من الأطفال بالدرجة والشّدة والنّوع. ومن هنا اختلفت طبيعة العمل تماماً؛ ففي بعض اللحظات كنت أرى صعوبة تعاملي مع كم ونوع المشكلات النّفسيّة التي وضعت أمامي، إلا أن فهمي حالة وظروف هؤلاء الأطفال كان يدفعني إلى التعامل معها مهنياً بعدة طرائق، سواء من خلال جلسات فرديّة أو جلسات علاج جماعيّة، ومحاولة الاقتراب بسلوك الطّفل نحو الطّبيعي قدر الإمكان».

واحدة من الجلسات الجماعية مع الأطفال

وتعرض "الأحمد" تجربة "السيكو دراما" التي تعمل بها في "قرى الأطفال SOS"، حيث قالت: «بدأت هذه التجربة قبل ستة أشهر، وبعد جلسة نقاش مع الفنان المسرحي "غسان الدّبس"، حيث جاء إلى قريتنا بعرض مسرحي وأخبرته عن دراستي في "لبنان"، وبعض المحاضرات التي تلقيتها عن العلاج بالمسرح والفن، وسألته عن إمكانية تطبيق ذلك عندنا، فرحب بالفكرة وشجعها بحكم خوضه غمار هذا العمل سابقاً، وبدأنا مع أربعين طفلاً بورشات عمل مسرح تدريبية للصوت والأداء وحركات الجسم، ثم انتقلنا مع عشرين طفلاً وقع الخيار عليهم لعرض المشكلات التي يمكن أن تُقدم على خشبة المسرح، فكان أن أسقطنا كل النظريات والفرضيات التي خبرناها وقرأنا عنها على سيناريو عرضنا المسرحي، فأتقنها أطفالنا على المسرح لكونها واقعاً حقيقياً بالنسبة لبعضهم، وتجاوزنا معهم مجمل الصّعوبات، أولها الاقتناع بتمثيل المشكلة، وحققنا ذلك بأخذ الدّور عنهم أولاً؛ وهو ما كان لهم الحافز، فأعطونا فوق ما تصورنا؛ ذلك أنه خلال مرحلة نضج العرض قطعنا مراحل علاجية، فقد انكسر حاجز الخجل من هذه المشكلة، وتصالحوا معها، وأصبحوا قادرين على التعامل معها، وإيجاد الحل لها، وبهذا وصلنا إلى العلاج بالفن».

تحدثت "لبنى" الخالة المقيمة في "قرى الأطفال SOS" عن العمل مع "خوزاما"، وقالت: «يتمحور عملي في تقديم الرعاية البديلة للأطفال فاقدي الرّعاية مثلي، مثل الأم البديلة، أنوب عنها في إجازتها، أتشارك العمل مع المرشدة النّفسيّة من ناحية الأهداف في تربية الأطفال وتقديم الرّعاية السليمة، وتتابع "خوزاما" عملي التربوي مع الأطفال، ولنا معها جلسات فرديّة وجماعيّة، وترصد ما تفرضه طبيعة عملنا المجهد مع الأطفال فاقدي الرّعاية، فهي لنا المساعد الكبير، وتضع بين أيدينا سبل الخروج والتّعافي من الأعباء والضّغوط بأسلوب سلس ومتناغم يجعل من حياتنا، التي اخترناها نحن كأمهات وخالات مقيمات هنا، حياة هادفة متميزة ذات قيم نبيلة».

التدريب في ورشة السيكو دراما

تحدث "محمد الحموي" المشرف على الطّالبة والباحثة "خوزاما" في دراسة اللغة، وقال: «أحبّت التّحصيل العلمي، وسعت إليه دائماً لتخدّم به الهدف الأساسي لديها؛ وهو خدمة الناس وخيرهم، وكانت تتصدى لكل ظرف في طريقها، وهذا ما كان في دراستها للغة الإنكليزية اللازمة لبحثها، حيث تعذر عليها بحكم عملها اليومي والمستمر لمدة تتجاوز اثنتي عشرة ساعة الالتحاق بصفوف اللغة، فما كان منها إلا أن اعتمدت على جلسات درس اتفقنا عليها، وأعددنا لها، ولم تدخر جهداً لتسقط مواضيع درسها على واقع عملها مع الأطفال، وهذا إن دل على شيء، فهو يثبت حقيقة أنها إنسانة مجتهدة جداً ومثابرة».

يذكر أن "خوزاما الأحمد" من مواليد "السّويداء" عام 1988، ثقتها كبيرة بنجاح العرض المسرحي لقرى "أطفال SOS"، وتطمح أن تنتقل بهم إلى الخارج وتقابل أطفال المجتمع بأكمله، وتستعد لمناقشة رسالة ماجستير أكاديمي في جامعة "دمشق"، بعنوان: "السّلوك الصّحي وعلاقته بالكفاءة الذّاتية لدى المراهقين".

مع العالم الذي تحبه