أبواب الحيرة أمام الناجح في الشهادة الثانوية بفرعيها كثيرةٌ، والمرور منها إجباري وليس اختيارياً.

فإن حصل الطالب على العلامات التي تخوّله دخول الفرع الذي يرغبه، قد تأتي رغبة الأهل الذين قد يجبروه على غير ما حلم به وما أراده، فتبدأ الحيرة بين رغبته وتحقيقها، وبين رغبة أهله الذين ينتصرون أغلب الأحيان في هذه المعركة.

وإن قُيّض للطالب الناجح الأمران معاً؛ أي العلامات المناسبة ودعم الأهل لاختيار الفرع الذي يريده، يأتي ضغط المجتمع والأقارب والمعارف لاختيار الفروع الأكثر "هيبة" بالنسبة لهم، فهل سيجرؤ طالب حصل على علامات كلية الطب أن يدخل كلية الأدب العربي مثلاً لأنه يحب اللغة؟ هذا القرار شبه مستحيل. فتبدأ حيرة من نوع آخر لا تقل صعوبتها عن سابقتها المذكورة آنفاً.

ولو أردنا تفصيل وذكر كل أنواع الحيرة التي يتعرض لها الطالب، فلن تكفينا هذه المساحة الصغيرة؛ لذا لا بد من الدخول إلى الجوهر والسبب، والابتعاد عن مناقشة النتائج.

السبب الأساسي لكل ما سبق هو نوع وأسلوب نظام التعليم في بلادنا، الذي يضع الطالب مرغماً أمام صفٍ واحد يحدد مستقبله وحياته، ويجعل من سنة واحدة ومنهاج واحد مفتاحاً لما تبقى من عمره، فإما أن يحصل على هذا المفتاح، أو أن يكتفي بإمضاء بقية حياته ينظر إلى زملائه الذين حصلوا على المفتاح السحري.

والغريب أننا نستورد الكثير من التجارب الغربية، إلا تجربة التعليم والتخصص في التعليم.

تتّبع المدارس الغربية أسلوب التخصص؛ أي تتم مراقبة علامات الطلاب في جميع المواد، وزيادة حصص المادة التي يتفوق فيها الطالب، من دون إغفال بقية المواد، لكن بنسبة أقل، فيركز الطالب على ما يبدع فيه، ويتخصص فيه، فيصبح كما يقال: يعرف شيئاً عن كل شيء، وكل شيء عن شيء.

فليس عليك لتستطيع أن تدرس أحد أنواع الهندسات، أن تحفظ كتابين أو ثلاثة كتب عن الفلسفة، وليس على المتفوّق في مادة الموسيقا فهم كتاب الرياضيات أو كتاب الجغرافية.

أضف إلى ذلك، أن أهالي الطلبة هناك لا يرون في كلية الطب أو الصيدلة أو الهندسة سقف العالم والعلم والحياة والتميّز.

وبالقليل من التفكير والتأمل، سنكتشف سبب تفوقهم في كثير من المجالات: إنه التخصص الذي يلغي ويغلق كل أبواب الحيرة التي يتعرض لها طلابنا، والذي بالضرورة سينتج –أي التخصص– رياضياً متفوقاً، وموسيقياً متفوقاً، وطبيباً متفوقاً، ومهندساً متفوقاً، ومع كل هذا التفوق ستكون النتيجة الحتمية بلداً متفوقاً ومنتجاً بكل ما للكلمة من معنى.

ومع ذلك، لا ننكر التفوق الذي يحصلّه أغلب طلابنا رغم كل أنواع الحيرة التي يواجهونها، وكل حيرة وهم بخير.