«صوته هادراً كعاصفة، أما قلبه فينبوع رقراق، أعذب من الندى، مدرسة كاملة في الصراحة، لا يقول الكلمة التي تحتمل معنيين، وضع نفسه دائماً في المقام الذي يليق به، هو الذي لم يُسجّل عنه موقف نفاق أو رمادية، يا صديقي، إذا قلت فيك إنك كنت معلم أخلاق فوق معلم المهنة فأنا صادقة، وإذا تكلم وجداني، كما كان وجدانك يتكلم دائماً، أقول لم يمرّ على الإعلام مثلك، في الحياة تعلمت منك دروساً جوهرية وكنت مرآتي النقية حين تقيّم الأشخاص والمواقف، وفي المهنة الصدق والتواضع، أنا حزينة من شغاف القلب لأن مصباحاً أنار حياتي انطفأ معك».

بهذه الكلمات نعت الإعلامية "نهلة السوسو" زميلها الإعلامي "رجا فرزلي" -المولود في "دمشق" عام 1945- الذي توفي في 22 تشرين الثاني 2020 إثر نوبة قلبية.

كان لوالدي الراحل كبير الأثر فيّ وفي عملي الإعلامي، فهو قدوتي ومعلمي الأول والأكبر، كنت أستشيره بكل ما يعترضني خلال عملي وآخذ بنصيحته دائماً، فكان نبراساً أضاء دربي وجعلني أصل لما وصلت إليه اليوم

ابنه الإعلامي "سمعان فرزلي" قال لمدوّنة وطن "eSyria" إن الراحل حصل على شهادة في الهندسة الزراعية، لكنه كان منذ صغره وصباه موهوباً، مولعاً ومفتوناً بالعمل الإذاعي، فن الإلقاء، الخطابة والشعر، وساعده في ذلك صوته الذي لن يتكرر من حيث القوة، النطق السليم، وامتلاك ناصية اللغة العربية امتلاكاً كاملاً، فأسس وهو طالب في المرحلة الإعدادية، إذاعة في مدرسته "التجهيز" و استمر في إدارتها حتى تخرج حاملاً الشهادة الثانوية، ليلتحق بجامعة دمشق كلية الهندسة الزراعية.

ابنه الإعلامي "سمعان فرزلي"

وبعد عامه الثاني في الجامعة تقدم إلى مسابقة لاختيار مذيعين ومذيعات عام 1967، ونال المركز الأول بين الناجحين في المسابقة وكانت بداية الانطلاق رسمياً في حياته العملية كمذيع ومقدم للبرامج في إذاعة "دمشق".

وتابع عن محطات متميزة في مسيرة الراحل بقوله: «أعدَّ وقدّمَ العديد من البرامج الإذاعية بالإضافة لتغطية الكثير من الفعاليات السياسية والعسكرية في ذلك الوقت وقراءة نشرات الأخبار والتعليق السياسي الذي تميز بفن تقديمه بحرفية عالية، وفي عام 1973، كان له موقفٌ لا ينسى عندما ضرب العدو الإسرائيلي مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في ساحة "الأمويين"، فانطلق صوته بعد ثوان قليلة من استوديو الاحتياط في الإذاعة القديمة في شارع "النصر" حيث كان منتدباً إلى هناك معلناً (هنا "دمشق" إذاعة الجمهورية العربية السورية)، فحصل على ثناء وتقدير الطاقم الإداري في وزارة الإعلام والهيئة العامة بداية من وزير الإعلام مروراً بالمدير العام وصولاً إلى مدرائه المباشرين حينها، ليصله فيما بعد تقدير وثناء من القيادة العسكرية في ذلك الوقت من أعلى مستوياتها، فكلف بإدارة دائرة المذيعين، المنفذين والمخرجين واستمر فيها حتى عام 1976، حيث انتقل إلى العمل التلفزيوني كمذيع ومقدم للبرامج السياسية بطلب شخصي من وزير الإعلام في ذلك الوقت المرحوم "أحمد اسكندر أحمد" فأثبت في وقت قياسي كفاءة عالية في موقعه الجديد بالإضافة لعمله الأساسي كمذيع، لم يطل الوقت حتى بدأ أعداء الوطن في الداخل والخارج هجمةً شرسة وحرباً على "سورية"، وذلك ما عرف فيما بعد بأزمة أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، فخاض من خلال عمله الإعلامي حرباً على من سولت له نفسه استهداف الوطن من الداخل والخارج، وتميز بمواقف وطنية صلبة لا تحيد عن الحق لينتصر هو و"سورية" في النهاية على الأعداء».

المذيعة "أريج فرزلي"

وأشار الإعلامي "سمعان فرزلي" إلى أن والده وبسبب حضوره وحضور صوته الآسر ومواقفه الوطنية الصلبة، صار يكلف بكل ما يخص شؤون رئاسة الجمهورية سواء بمرافقة الرئيس الراحل القائد المؤسس "حافظ الأسد"، أو بقراءة خطاباته عبر شاشة الوطن، فعرف عند الكثير من المشاهدين بلقب (مذيع الرئيس حافظ الأسد).

وفي عام 1989 تم تكليفه بإدارة البرنامج العام في إذاعة "دمشق"، واستمر في هذا العمل مدة عام واحد فقط، ليعود بعدها وبشكل نهائي لعمله التلفزيوني الذي استمر به وبالروحية العالية نفسها حتى عام 2005 حيث بلغ سن التقاعد، ففضل الراحة بعد ما يقارب أربعين عاماً من التعب والاجتهاد في خدمة المؤسسة الإعلامية السورية، حيث اشتهر بتقديم برامج "أضواء على الأحداث"، "ما وراء الأخبار" وغيرها.

وعن الأثر الذي تركه والده في نفسه يقول: «كان لوالدي الراحل كبير الأثر فيّ وفي عملي الإعلامي، فهو قدوتي ومعلمي الأول والأكبر، كنت أستشيره بكل ما يعترضني خلال عملي وآخذ بنصيحته دائماً، فكان نبراساً أضاء دربي وجعلني أصل لما وصلت إليه اليوم».

من جهتها المذيعة "أريج فرزلي" تقول مضيئة على الجانب الإنساني في شخصيته: «في يوم وفاته احتفل بعيد ميلاده وعند ذهابه للنوم باغتته أزمة قلبية، وكانت وفاته صدمة كبيرة لعائلته ومحبيه، كنا نلجأ إليه دوماً، ونأخذ المشورة منه، الراحل كان إنساناً محباً بكل معنى الكلمة، وإعلامياً قديراً، محلاً للثقة ويعتمد عليه في العمل الإعلامي، وفياً لزملائه، أحب هذا المجال بشدة، تميز بنطقه السليم للغة ومخارج الحروف، وكان من أهم قرّاء نشرة الأخبار الرئيسية في "سورية" و"الوطن العربي"، كان حنوناً جداً، متعلقاً بأحفاده بشكل كبير، وأخذ ابنه الإعلامي "سمعان" عنه عشقه لهذه المهنة».

يذكر أنّ التواصل مع الضيوف تمّ بتاريخ 3 كانون الأول 2020.