ورث حبّ الفصاحة والخطابة منذ الصغر، فبدأ بصقل موهبته ليحجز مساحةً مميزةً في عالم الإعلام، وبحنجرته الذهبية وصوته المتميز استطاع أن يبرع في مجال التعليق الصوتي، أعدّ وأخرج العديد من الأفلام الوثائقية، ولم يتوقف عشقه للمهنة هنا، بل بدأ بالاحتراف في تدريب فنون الأداء والإلقاء.

مدوّنةُ وطن "eSyria" التقت الإعلامي "سالم الشيخ بكري" بتاريخ 7 تموز 2020 ليتحدث عن نشأته، فقال: «ولدت في مدينة "دمشق"، لأب يمتلك صوتاً إذاعياً ساحراً هو الإعلامي في إذاعة دمشق "جمال الشيخ بكري"، يدندن اللغة العربية الفصحى بصوته جُلَّ وقته، وكأنها موسيقا مُغناةٌ دون أن تكون كذلك، فكان المدرسة دون تلقين، فعشقت من حنجرته موسيقا اللغة العربية وفصاحة إلقائها، ولأم هادئة صبورة أخذتُ عنها أكثر صفاتي النفسية والسلوكية، ثم بين لين التربية تارةً وقسوتِها تارة أخرى، كبرت أعشق الفصاحة والخطابة حتى جعلني ذلك معروفاً في مدرستي الابتدائية في "الغوطة الشرقية" بـ"ريف دمشق" على أنني الفتى الذي يُحيي كل المناسبات والاحتفالات الخطابية التي تقيمها المدرسة، فرُشحت في الصف الرابع الابتدائي للمشاركة في مسابقة "رواد طلائع البعث" عن فئة الفصاحة والخطابة عام 1996، لأحصل على المركز الأول فيها على مستوى المحافظة.

مهنة الإعلام كريمة جداً، تعطي الكريمَ معها دون حساب، وقد تمُدُ للئيم الذي يمتطيها عُنوة، ولكن سرعان ما يطلبُ الأخيرُ رصيدَه عند الناس فلا يجده، لأنهم همُ الحكمُ المنصف، فإن أعطيتَ المهنة كلَّ ما لديكَ مُحباً راضياً لن يخيبَ مسعاك، ورصيدُك سيبحثُ عنك دون أن تطلبَه

وبعيداً عن ذلك، كان شرطاً لازماً مفروضاً عليَّ – من قِبل والديَّ - أن أتفوق في دراستي كي يُسمح لي بممارسة هوايتي المفضلة بلعب كرة القدم، وذهب والدي أبعد من ذلك بأن أسس بنفسه فريقاً لكرة القدم يشارك في كل بطولات واستحقاقات المنطقة، فأخذ بذلك دور المدرب والمربي في آن معاً لكل الشباب الذين انضموا لهذا الفريق، وكدت بعد ذلك أسلك طريق الاحتراف في لعب الكرة، فتدرجت في فئات نادي "الجيش" أولاً ثم "الوحدة الدمشقي" ثانياً، إلى أن خُيرت من قبل الأهل، بين الكرة التي استلزمت سفراً بين المحافظات في أوقات الامتحانات، وبين الدراسة، فاخترتُ الثانية، فاكتفيت بكرة القدم هوايةً، وأكملت دراستي لألتحق بكلية الحقوق في جامعة "دمشق" التي تخرجت منها عام 2016، مستمراً في عشق اللغة العربية فصاحة وإلقاءً، ومحاولاً دخول مجال العمل الإذاعي».

في استديو الأخبار

وعن دخوله ميدان العمل الإعلامي قال "الشيخ بكري": «تقدمت عام 2007 لمسابقة مذيعين في إذاعة "دمشق" مع نحو 35 متقدماً ومتقدمة، وحصلت على المرتبة الأولى في الامتحان العملي والشفهي، ولكن ظروفاً معينة حالت دون تعييني في إذاعة "دمشق"، التي طالما حلمت بأن أكون أحد أصواتها، ثم بتشجيع من والديَّ بدأت العمل ضمن مجال التعليق الصوتي عام 2008 ليتم الاعتماد عليَّ كمعلق رئيسي على الفور لأعمال وثائقية عُرضت على قناة "ناشيونال جيوغرافيك أبو ظبي" و"الجزيرة الوثائقية" وغيرهما، وقد كان لي شرف أن أكون المعلق الرئيسي الأصغر سناً في ذلك الوقت لأعمل إلى جانب أسماء سوريَّةٍ كبيرةٍ في هذا المجال تعلمت من أصحابها الكثير، وخلال تلك الفترة أقبلت بمجهود شخصي على كتب ومناهج العمل الإعلامي إلى جانب دراستي في كلية الحقوق، وفي تموز عام 2010 تقدمت إلى قناة "الدنيا" لأُقبل كمحرر ومذيع أخبار، وكُلفت بملف "التضليل الإعلامي" في بداية الأزمة، وقد كان تقريراً يومياً يعرض في نشرة الأخبار الرئيسة ويعاد خلال ساعات النهار، حاولت فيه اعتمادَ أسلوبٍ جديد ولغةٍ لم يعتد عليها المتابعُ السوري للبرامج السياسية السورية، فدمجت التحليل المنطقي والحُجة الواضحة غيرَ المتحيزة، بالتهكم والسخرية أحياناً، وبالألفاظ اللاذعة المستفزة أحياناً أخرى، فحقق ذلك انتشاراً واسعاً لهذا التقرير، الذي أخذ شكل فقرة يومية أو برنامج مُصغر، وضعت بعد ذلك فكرة سلاسلَ وثائقية بعُنوان "وحش البحيرة" وتوليت فيها الإعداد والإخراج والتعليقَ الصوتي، مُعتمداً على فريق عمل صغير ولكنه يتمتع بفاعلية وشغف كبيرَيْن، تناولتِ الوثائقياتُ التي بلغ عدد حلقاتِها خمسين حلقة في خمس سلاسل، أحوالَ المنطقة العربية وتاريخ أزماتها، بأسلوب من التحليل المنطقي دون تحيز، بهدف تحفيز المتابع على المعرفة، ودفعه إلى البحث في سبيل ذلك، فحققت السلسلة انتشاراً واسعاً على وسائل التواصل في أكثر من بلد عربي وليس محلياً فقط، وهذا يجعل "وحش البحيرة" العمل الأغلى بالنسبة لي، وأستمر حالياً مذيعاً لنشرات الأخبار في قناة "سما" الفضائية، ويتم التحضير لأفكار جديدة ستطرح قريباً».

وعن أبرز أعماله في مجال التعليق الصوتي تحدث: «كثيرة هي الأعمال الوثائقية التي وضعتُ صوتي عليها خلال سنوات عديدة، ولكن قد يكون التعليق على الأفلام الوثائقية التي أعددتها بنفسي وتوليتُ مهمة إخراجها، هو الأحب إلى قلبي، ومن ذلك حلقات السلاسل الوثائقية "وحش البحيرة"، ووثائقي بعنوان "درع العاصمة" وكذلك نصٌ مُهدى إلى "دمشق" كتبته بعنوان "دمشقُ العذراء"، وأعيد إنتاجُه وتصويرُه».

في إحدى الدورات التدريبية

أما عن دخوله عالم تدريب الإلقاء والأداء الصوتي قال "سالم الشيخ بكري": «أن تعمل في مجال معين منذ سنوات ويُفترض أنك متمكن فيه، هو أمر يختلف كلياً عن أن تكون مدرباً لتفاصيله، فالتدريب يحتاج صفاتٍ شخصية ونفسية معينة، بدءاً من الإلمام بكلّ جوانب المجال الذي تدرب فيه بأدق تفاصيله، وصولاً إلى التمتع بالصبر والقدرة على التعامل مع كل أنواع الأسئلة والمشكلات، وكذلك مع أنواع الطلاب وطبائعهم المتنوعة، لهذا كان الدخولُ إلى مجال التدريب بالنسبة لي يحتاج تحضيراً طويلاً ومتأنياً، وقد رفضت الدخول إليه قبل تدريب نفسي على تلك المهمات الجديدة، وقد كان لي شرف التدريب في أغلب المراكز أو الجمعيات والمؤسسات التي اهتمت بهذا النوع من التدريب في "سورية"، فبين "دمشق" و"السويداء" و"حمص" و"طرطوس" سابقاً وحالياً، وغيرها مستقبلاً ثمة تجارب أتشرف بها حقاً».

مبادرة "معرفة سورية" أطلقها "الشيخ بكري" خلال فترة الحجر الصحي تحدث عنها: «مع بداية اتخاذ إجراءات احترازية جادة من قبل الحكومة السورية لمجابهة جائحة "كورونا"، أخذ الفراغ يملأ حياة كثير من الناس، وبدأ ذلك يلقي بظلاله على وسائل التواصل الاجتماعي سلباً وإيجاباً، فأردت أن أشغل حيزاً في المساحة الإيجابية، وذلك بطرح مبادرة تنشر الفائدة المعرفية بين السوريين، بحيث يكون الشبابُ السوري هو مصدرها بما يمتلك من طاقاتٍ معرفيةٍ كبيرة، فكانت الفكرة أن يَطرح كلُ من يحب المبادرة، معلومة أو خِبرة معرفية من مجال دراسته أو مهنته ليستفيد منها غيره، ولاقت صدىً إيجابياً وانتشاراً جيداً، وضمن مهنتي وتخصصي أطلقت دورة تدريبية (online) مجانية ليستفيد منها أكبر عدد ممكن من الراغبين والمهتمين في مجال الأداء الصوتي، وذلك ضمن مسابقة لمجموعة من الأصوات السورية والعربية، وقد وصلتني مئات المشاركات وتم اختيار نحو 70 مستفيداً من الدورة، من داخل "سورية" وخارجها، وبذلك حاولتُ -ضمن المتاح- ملأ الفراغ بالمفيد خلال فترة الحجر، وقد أسعدني أن التفاعل كان عربياً وليس محلياً فقط».

في معرض "شاهد"

وجه "سالم الشيخ بكري" رسالة لمحبي مهنة الإعلام من خلال مدونة وطن قال فيها: «مهنة الإعلام كريمة جداً، تعطي الكريمَ معها دون حساب، وقد تمُدُ للئيم الذي يمتطيها عُنوة، ولكن سرعان ما يطلبُ الأخيرُ رصيدَه عند الناس فلا يجده، لأنهم همُ الحكمُ المنصف، فإن أعطيتَ المهنة كلَّ ما لديكَ مُحباً راضياً لن يخيبَ مسعاك، ورصيدُك سيبحثُ عنك دون أن تطلبَه».

الإعلامي "نزار الفرا" قال: «"سالم الشيخ بكري" من الكفاءات الإعلامية المتميزة جداً في بلدنا، برز بعمرٍ صغير وتميز بالبحث عن المادة الوثائقية وتصنيفها وتوظيفها بشكل صحيح والتعليق الصوتي عليها بصوت متميز، إضافة إلى أنه من المدربين القديرين في العمل الإعلامي سواء بالتعليق الصوتي أو بإعداد وتقديم المادة الوثائقية فرغم صغر سنه فهو يضاهي أصحاب الكفاءة والخبرة الطويلة بخبرته وموهبته الفريدة».

يذكر أنّ "سالم الشيخ بكري" من مواليد "الغوطة الشرقية" بـ"ريف دمشق" عام 1987.