قرأ التراث بطريقة مختلفة عن سابقيه، قراءة نابعة من عربيٍّ تماشى مع ظروفه وبيئته؛ لا مع المناهج والطرائق الغربية المفروضة، ساعده فيها حبّه للقراءة المتنوعة للكتب، إضافةً لدراسته الجزئية في قسم الرياضيات التي جعلته يفكّر بطريقة رياضية علمية لا تقبل إلا الحقائق.

مدوّنة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 13 أيار 2020 الدكتور "عبد الكريم محمد حسين" الباحث والناقد والأستاذ في جامعة "دمشق" ليحدثنا عن طريقه العلمي للوصول إلى الجامعة والتدريس فيها، فقال: «درست المرحلة الابتدائية في قرية "الزعورة" عام 1958، حيث كنا نأخذ دروساً تطبيقية في الزراعة، أما الإعدادية ففي مدرسة "أحمد مريود"، وأكملت هذه المرحلة في مدرسة "الحسن ابن الهيثم" في مدينة "القنيطرة"، أما المرحلة الثانوية في ثانوية "البعث" في "قطنا"، والمرحلة الجامعية في جامعة "دمشق"».

درست المرحلة الابتدائية في قرية "الزعورة" عام 1958، حيث كنا نأخذ دروساً تطبيقية في الزراعة، أما الإعدادية ففي مدرسة "أحمد مريود"، وأكملت هذه المرحلة في مدرسة "الحسن ابن الهيثم" في مدينة "القنيطرة"، أما المرحلة الثانوية في ثانوية "البعث" في "قطنا"، والمرحلة الجامعية في جامعة "دمشق"

وعن حبّه للقراءة وتأثير والده والقصص الشعبية فيه قال: «كنت محباً للقراءة والمطالعة من الصف الرابع الابتدائي، حيث كان أبي يأخذني في الصيف معه إلى سوق الأربعاء (سوق الحلال) لبيع المواشي، وقد كان متابعاً للقصص الشعبية مثل قصة (الفتى عياض، الزير سالم، تغريبة بني هلال)، والطريف في الموضوع أنّ والدي؛ وهو رجل أميّ يحفظها غيباً من الذين قرأوها سابقاً أمامه، ولما كنت أقرأها أمامه وأتجاوز الكلمات التي لا أعرفها يصلح لي رغم أنّه لا يعرف القراءة، كقصة "الخضرة" أم "أبا زيد الهلالي"، وكانوا يتعلقون بالفرسان وأفعالهم، فكنت أمام تراث شعبي قويّ رغّبني بالقراءة ترغيباً عجيباً».

أثناء عمله في منزله

وعن تغيير دراسته من الرياضيات إلى الأدب العربي تابع: «المفارقة أنّني دخلت اختصاص (ر.ف) رياضيات فيزياء بادئ الأمر، حيث كان المتعارف أنّ الفروع العلمية هي الأفضل، ومن باب الغيرى من أقاربي دخلت أيضاً الفرع العلمي قسم الرياضيات، وهذا كلفني سنوات من عمري لأنّ ميولي أدبية، وأعتقد أنّ هناك حكمة في ذلك؛ حيث أنّي أفهم النقد القديم بطريقة مختلفة تعتمد على الفكر الرياضي، وأستفدت من د."عدنان الحموي" صاحب نظرية المجموعات، فالرياضيات علمتني مفاهيم النسبية والمجموعات؛ وأخرجتني من نظرية التناقض، فـ"المعتزلة" على سبيل المثال كانوا يعملون العقل واستفادوا من ثقافة "اليونان" في الرياضيات، فدراسة الظواهر وتفسيرها في الأدب تحتاج إلى ذهنيةٍ مختلفةٍ، وفهمٍ يحتاج إلى عقلٍ علميٍّ رياضيٍّ يستطيع توضيحها كما هي في ساحات العقل، حتى إنّ الباحثة الإيطالية "ليديا بيتيني" التي التقيتها في المركز الثقافي الفرنسي بـ"دمشق" أخذت رسالة "نقد أعلام الرواة"، وأثنت على هذا العمل قائلة: (إنّ المستشرقين ومن بعدهم أبناء المنطقة لم يأتوا بالذي أتيت به، فأنت رجل عربي تفكّر بطريقة عربية مختلفة عن طريقة الفرنجة). وقد طلبت ترجمة هذا العمل إلى اللغتين الإيطالية والفرنسية، وبسبب عدم وجود القدرة المالية وضغط العمل والدراسة من جانب آخر لم أكمل إلا سنتين من دراسة الرياضيات، ثم أعدت دراسة البكالوريا بفرعها الأدبي ودخلت اختصاص اللغة العربية بعلامة المادة، وأنهيت السنوات الأربع ومن ثمّ دبلوم الدراسات العليا ثم سافرت للعمل في "الخليج"، ثم تابعت الماجستير والدكتوراه في الأدب العربي».

وحول مؤلفاته يتابع "الحسين" أمين سر اتحاد الكتاب العرب – فرع "القنيطرة": «أول مؤلفاتي "الإدغام الكبير في القرآن الكريم"، لـ"أبي عمرو بن العلاء"، تحقيق، الكويت - منشورات مركز المخطوطات والتراث، ط1، 1995. وآخر مؤلفاتي المطبوعة "صيغة التفضيل في النقد العربي القديم" (أجود الشعر مثالاً فضاء ودلالة وتطبيقاً) دمشق – وزارة الثقافة – الهيئة العامة للكتاب 2019، وبينهما 12 مؤلفاً. كما أذكر العديد من الأبحاث العلمية المحكمة التي لا يتسع المقام لعدّها، وثمة سوى ما تقدم كثير من مشرق الوطن العربي ومغربه، كما شاركت بالعديد من في الندوات الأدبية والثقافية».

جانب من مؤلفاته

أما رأيه في قراءة التراث، وماذا تتطلب ممن يريد الخوض في هذا المجال، يقول: «تراكم القراءات يؤدي للاجتهاد، فهو ثمرة معارف متراكمة تتحول إلى كائنٍ سائلٍ تعيدُ صياغته على أشكال وصور أخرى، فتقدم فهماً جديداً للتراث، ثمّ تتخطاه بعد ذلك إلى فهم آخر امتداداً للفهم الأول؛ وإن بدا نوعاً من التحميل عليه فهو يطيقه ويحتمله وهو كامتداد الغصن للشجرة، كلُّ ذلك بعيداً عن الكذب؛ ففي العلم لا يجوز لك أن تكذب فيه وأهل الرياضيات – وأنا منهم- لا يستطيعون الكذب».

وعن التجديد في التراث وأهمية قراءة تراثنا وفق منظورنا ووسائلنا لا وفق المناهج الغربية، يتابع الأستاذ في جامعة "دمشق": «إنّ التجديد المتوازن هو ثمرة نمو متوازن في المجتمع في كل اتجاهاته، ويكون ثمرة لأطواره في النمو بكل الاتجاهات، أما المترجم وناقل التراث فهما لا يقدمان شيئاً ولا ينبغي أن نطلق عليهما لقب (المجدد)، كما أنّ المثقفين في التراث ونظريات العجم عليهم الاستفادة من طرائق الغرب في دراسة تراثه لا في دراسة تراثنا وفق طريقة الغرب، لأنّ تراثنا مختلف عن تراثه، ولا ينبغي أن نروّج لثقافة الآخر، فعليّ أن أدرس تراثي من موضعي، من هنا أجدُ أنّ الثقافة مشروع تنويري ويبدو أنه فهم خطأ».

إحدى شهادات التقدير التي نالها

الدكتور "حسين جمعة" رئيس اتحاد الكتاب العرب السابق، عن زميله في الدراسة والتدريس وفي تقديم برنامج تلفزيوني على قناة "عمان" تحت اسم "أعلام الشعر العربي" قال: «التقيته كزميل في الدراسة، وتشكلت بيننا صداقةٌ وأخوةٌ، استطاع هذا الرجل العصامي -المصرّ على الحفر في الصخر والذي بنى نفسه بنفسه- أن يحققَ طموحاته ويصل لمرتبة أستاذ في الجامعة. ألّف عديد الكتب ويشارُ له بالبنان في النقد مثلما يشار للدكتور "محمد الدالي" في اللغة، فهو أستاذ النقد الأوّل في جامعة "دمشق"، ولا يمكن إلّا أن يكون كذلك لأنّه مجتهدٌ، إضافةً إلى أنّه مليءٌ بالتواضع مثلما هو مملوء بالعلم».

يذكر أنّ الدكتور "عبد الكريم محمد الحسين" من مواليد "القنيطرة"؛ قرية "جبب الميس" 1956، متزوج وله ثلاثة أولاد؛ وتسع بنات من أصحاب الشهادات العلمية العليا.