تمثّلَ الدكتور "هاني عبيد" أخلاقَ الآباء والأجداد وقيمهم، وقدّم في عمله ما استطاعه وما يجب في مجالات الطب والمجتمع والثقافة، وكانت الإنسانيّة والإنسان همّه الحقيقي طوال سنين حياته.

التقت مدوّنةُ وطن "eSyria" بتاريخ 24 آذار 2020 الدكتور "هاني عبيد" في منزله الذي استضاف الكثير من الناس على اختلافهم من أدباء ومفكرين، أصحاب، أهل، أصحاب حاجة، وضيوف ونازحين، وتبادلت معه الحديث واستمعت إلى قصص من فصول حياته فقال: «ولدت عام 1940 في "جرمانا"، وقضيت الكثير من الوقت في بيت جدي "هاني عبيد دبوس" واستقبل فيه القاصي والداني بالكرم والضيافة التي عهدها من الأجداد، وانتقى لجيرته أطياب الناس ممن كانوا يعملون لديه واقتطع لهم أرضاً كانت وما تزال مسكنهم.

بعد إنهاء خدمة العلم التي بدأت عام 1972 في "حلب" و"قطنا"، بدأت العمل بخدمة الريف عام 1975 فكانت عيادتي الأولى في "الغزلانيّة" بـ "ريف دمشق"، وبحكم العلاقات الطيبة لوالدي مع أهلها، توطدت علاقتي معهم ومع أهل القرى المجاورة، وزادها مشاركة أغلبهم بهوايتي المفضلة في الصّيد، وامتدت خدمتي فيها لخمسة عشر عاماً بدوام عمل موازي لعملي في مدينتي ومركزها الصحي "جرمانا" لأقدم واجبي تجاه أهلي، وقد سعيت بالإضافة لعملي كطبيب في تطوير هذا المركز بدءاً بضبط العمل فيه واستثمار كادره كاملاً من إداريين وممرضات، فنظمت العمل في أقسامه (مركز رعاية الأمومة، رعاية الأطفال) وكذلك الصيدلية، وحققت بعض الامتيازات بالإلحاح الدائم على الجهات المعنية بتوسيع المستوصف بفروع أخرى فكان فرع "الروضة". ومن جانب آخر مثّل النشاط الأدبي لدي مع مجموعة من مثقفي البلد مصدراً لكل الحركات الأدبيّة والشّعريّة وذلك بما كان لدينا من ثقافة وحضور مميز يزنُ الأمور ويضعها بمقامها الصحيح

التحقتُ بـ (بيت الكتاب) والتزمت به على مدى سنتين أتاحت لي فرصة لقاء شيوخ البلد بما حفظته من أشعار دينية وأدبية، وحجزت بعدها مكاني في المدرسة المحدثة في "جرمانا"، وكان مديرها "عبد القادر الحتيتاني" القدوة لي ولكل الطلاب ممن تربوا على يديه بالحب الذي ملأ قلبه وأحاطنا به، وأخذنا عن المدرسين الأستاذ "أديب عبيد" والأستاذ "أديب عبد الكريم حمزة"، الصّديقين القادمين من عائلتين متناحرتين، أصول السّلام والتّسامح فكانا مثلنا الجيد في تجاوز بعض الموروث القديم البالي وليكملوا ما دأب والدي على تأسيسه فينا. حصلت على الشّهادة الثّانوية من مدرسة "الآسية" في "باب توما" وبمعدل عالٍ إلا أنه لم تفتح لي أبواب كلية الطب البشري أي بوابة الإنسانيّة التي عاهدت نفسي على دخولها إثر رد فعل على عمل بعيد عن الإنسانية من قبل طبيب قصدناه بعد حادث أصابني وأنا في مقتبل العمر.

الإعلامي حمزة منذر

أخذ حبي للغة العربية والأدب مأخذه وساقني إلى كلية الآدب قسم اللغة العربية، وقضيت فيها سنتين إلا إنه ونتيجة بعض الظروف توجهت إلى "لبنان" ومن ثم إلى "مصر" وهناك تهيأت لي فرصة تحقيق الحلم في دراسة الطّب البشري بجامعة "عين شمس" في "القاهرة" وكان اندفاعي للدراسة وخاصة بعد ارتباطي بفتاة أحلامي كبيراً جداً، فقد تجاوزت ساعات الدّراسة عندي العشرين ساعة، وكان لإقامتي في "مصر" الفضل الكبير في بناء جزء من شخصيتي الثّقافيّة أنا ورفاقي بما كان يتاح لنا من لقاء أساتذة علم وأصحاب فكر ومشاركتهم جلسات نقاشهم وحوارتهم، بعد انقضاء السنة الثانية ونجاحي إلى السنة الثالثة في الكلية عام 1967 عدت إلى "سورية" وأكملت دراستي في كلية الطب جامعة "دمشق" برفقة الصديق "عصام شلهوب" لنتخرج منها أطباء، ولنسعى للعمل وفقاً لما سعيت إليه».

يتابع الدكتور "هاني" ويقول: «بعد إنهاء خدمة العلم التي بدأت عام 1972 في "حلب" و"قطنا"، بدأت العمل بخدمة الريف عام 1975 فكانت عيادتي الأولى في "الغزلانيّة" بـ "ريف دمشق"، وبحكم العلاقات الطيبة لوالدي مع أهلها، توطدت علاقتي معهم ومع أهل القرى المجاورة، وزادها مشاركة أغلبهم بهوايتي المفضلة في الصّيد، وامتدت خدمتي فيها لخمسة عشر عاماً بدوام عمل موازي لعملي في مدينتي ومركزها الصحي "جرمانا" لأقدم واجبي تجاه أهلي، وقد سعيت بالإضافة لعملي كطبيب في تطوير هذا المركز بدءاً بضبط العمل فيه واستثمار كادره كاملاً من إداريين وممرضات، فنظمت العمل في أقسامه (مركز رعاية الأمومة، رعاية الأطفال) وكذلك الصيدلية، وحققت بعض الامتيازات بالإلحاح الدائم على الجهات المعنية بتوسيع المستوصف بفروع أخرى فكان فرع "الروضة".

ومن جانب آخر مثّل النشاط الأدبي لدي مع مجموعة من مثقفي البلد مصدراً لكل الحركات الأدبيّة والشّعريّة وذلك بما كان لدينا من ثقافة وحضور مميز يزنُ الأمور ويضعها بمقامها الصحيح».

الإعلامي "حمزة منذر" الصّديق ورفيق جلسات النّقاش والحوار يتحدث عن معرفته بالدكتور "هاني عبيد" ويقول: «منذ عام 1979 عرفته إنساناً متنوعاً، يجمع بين شهامة الموقف الإنساني والثّقافة العلميّة الواسعة، تربى في كنف والده الشّيخ "سليم عبيد" أحد وجهاء "جرمانا" و"الغوطة"، ونشأ في البيئة الاجتماعيّة الملتزمة بعادات وتقاليد الكرامة والشّهامة، فكان بذلك الشّاب المتنور الذي تمكّن من هذه البيئة وتمعّن في تفاصيلها، تخلى عن بعضها التي تجاوزها الزّمان وحسمتها الحياة، وأخذ بالأخرى مستفيداً من الجيد منها فأضاف إليها وطور في بعض القضايا التراثيّة التي تدفع بنا إلى الإمام.

الحضور القوي للدكتور "هاني" قام على أساس الكرم والمبادرة بالفعل الراقي وهو الذي اعتاد على جمع خيرة المثقفين والمتعلمين الموضوعيين في مجلسه ليكون بيته واحداً من منابر الإشعاع الثّقافي في البلدة، طرحت فيه الكثير من المواضيع الاجتماعيّة والتاريخيّة والأدبية وغيرها.

الدكتور "هاني" قارئ جيد ومتمكن من التاريخ العربي والأدب العربي والعالمي، يهتم بقراءة الرّواية والقصة، ويتعدى كونه متذوقاً للشّعر إنما يفهمه وينقده، وله علاقاته الطّيبة بأهل الحقل الثّقافي في "سورية" بما قرأه من أعمالهم وبمعرفته الشّخصية للبعض منهم وبالمشاركة في المحافل خاصتهم، ويحضرني حرص الدكتور "هاني" على المشاركة بوفد شعبي يؤبّن المسرحي "سعد الله ونوس" وفق العادات والتّقاليد التي تليق بهذه القامة، الدكتور "هاني" متنوع الاهتمامات، ودود، شهم، غير متعالٍ، صاحب مواقف صادقة جريئة، فهو شخص إذا قال صدق، وإذا وعد وفى، وإذا استُجير به لبى».